نؤمن باللهعينة
اليوم 24: أعمال الله (العناية)
يعني المصطلح اللاهوتي اللاتيني providentia "اهتمام"، أو "دعم"، أو "عناية" الله بالخليقة في تنفيذِه لخِطتِه الأزليّة. تشمل العناية الإلهيّة العديد من الأعمال المختلفة، لأنها هي قوة الله الداعمة والضابطة لكل الأشياء، طوال الوقت.
أشار علماء اللاهوت إلى اللهِ باعتبارِهِ العلةَ الأولى، أي المسببَ الرئيسيَّ والمطلقَ وراءَ كلِّ ما يحدثُ في التاريخِ. وكذلك أشاروا إلى أبعادٍ متنوعةٍ من الخليقةِ باعتبارِها عللًا ثانويةً – وهي جوانبُ مختلفةٌ من العالمينِ غيرِ المرئيِّ والمرئيِّ التي تتسببُ أيضًا في وقوعِ أحداثٍ في التاريخِ.
1) أهمية العلل الثانوية:
نقرأُ في إقرارِ الإيمانِ الوِستمنستري في الفصلِ الخامسِ بعنوانِ "فيما يتعلقُ بالعنايةِ الإلهيةِ" هذه الكلماتِ في الفقرةِ الثانيةِ:
معَ أنهُ من جهةِ سابقِ عِلمِ اللهِ، العلةِ الأولى، وقضائِهِ، تحدثُ كلُّ الأشياءِ دونَ تغييرٍ، ويقينًا؛ لكن، بواسطةِ العنايةِ نفسِها، يأمُرُها اللهُ بالحدوثِ، حسبَ طبيعةِ العللِ الثانويةِ، إما حتمًا، أو اختياريًّا، أو احتماليًّا.
تبدأُ هذه الفقرةُ بالتأكيدِ على حقيقةِ أنه "تحدثُ كلُّ الأشياءِ دونَ تغييرٍ ويقينًا"، "من جهةِ سابقِ علمِ اللهِ، العلةِ الأولىِ، وقضائِهِ". يعلمُنا الكتابُ المقدسُ أنَّ كلَّ حدثٍ في التاريخِ يتوافقُ مع خُطةِ اللهِ الشاملةِ، والأزليةِ، والحتميةِ. لكن يصرحُ الإقرار أيضّا بأنَّ اللهَ يأمرُ كلَّ الأشياءِ "بالحدوثِ، حسبَ طبيعةِ العللِ الثانويةِ".
صحيحٌ أن اللهَ يَعضُدُ ويضبُطُ كلَّ الخليقةِ. كما قال بولسُ في سفرِ أعمالِ الرسلِ 17: 28، "لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ". لكن لا تقِفُ الخليقةُ هكذا منتظرةً أن يشُدَّ اللهُ الخيوطَ كي يجعلَ الأشياءَ تحدثُ. بل يُعلمُ الكتابُ المقدسُ بأن اللهَ قد وهبَ قدراتٍ مختلفةً لجوانبَ مختلفةٍ من الخليقةِ حتى تعملَ على نحوٍ صحيحٍ وحقيقيٍّ كعللٍ ثانويةٍ هامةٍ تسببُ الأحداثَ التاريخيةَ.
يوضحُ إقرارُ الإيمانِ ثلاث نواحٍ تعملُ بها جوانبُ الخليقةِ كعللٍ زمنيةٍ. فهي تعملُ هذا "إما حتمًا، أو اختياريًّا، أو احتماليًّا".
تشيرُ اللفظةُ "حتمًا" إلى وسائلَ إتمامِ جوانبَ عديدةٍ من خليقةِ اللهِ لمقاصدِهِ تِلقائيًا، أو إن جازَ القولُ، من خلالِ قوانينِ الطبيعةِ المتسقةِ. يُشبهُ هذا كثيرًا حديثَ سفرِ التكوينِ 8: 22 عن الدوَراتِ المتوقعةِ للنهارِ والليلِ، والبردِ والحرِّ، والصيفِ والشتاءِ. فقد رتبَ اللهُ الخليقةَ بحيثُ تُحركُ عللٌ ثانويةٌ لا تُحصى التاريخَ صوبَ أهدافِهِ من خلالِ روابطَ متشابكةٍ وحتميةٍ.
يشيرُ مصطلحُ "اختياريًّا" إلى الوظائفِ غيرِ التلقائيةِ التي تقومُ بها العللُ الثانويةُ. فإنَّ العللَ الثانويةَ تعملُ "اختياريًا"، أي أن نتائجَ أعمالِها ليست هي بالضرورةِ ما قصدَتْهُ العللُ الثانويةُ. فإنَّ اللهَ مسيطرٌ تمامًا على النتائجِ؛ لكن من منظورِ العللِ الثانويةِ، العديدُ من هذه النتائجِ عشوائيٌّ، أو طائشٌ، بل وربما وقعَ بمحضِ الصدفةِ. على سبيلِ المثالِ، تتحدثُ نصوصٌ مثلُ سفرِ الخروجِ 21: 13 عن خطايا غيرِ متعمَّدةٍ. كما يتحدثُ سفرُ 1 الملوكِ 22: 29-34 عن إصابةِ الملكِ أخآبَ بسهمٍ "غيرِ متعمدٍ". تقرُّ الأسفارُ المقدسةُ كثيرًا بأنَّ نتائجَ العللِ الثانويةِ الاختياريةِ أو غيرِ المتعمدةِ عادةً ما تكونُ ذاتَ أهميةٍ كبرى في عنايةِ اللهِ.
يشيرُ مصطلحُ "احتماليًّا" إلى الطرائقِ التي بها تتسببُ الخياراتُ المتعمدةُ للبشرِ والأرواحِ في حدوثِ الأشياءَ في التاريخِ. نعم، يعلمُ اللهُ كلَّ شيءٍ، ومن هذا المنطلقِ، لا توجدُ احتمالاتٌ من منظورِهِ الإلهيِّ. لكن يركزُ الكتابُ المقدسُ مرارًا وتكرارًا على أن الخياراتِ المحتملةَ والطارئةَ لمخلوقاتِ اللهِ الإراديةِ تشكلُ مجرى التاريخِ. في سفرِ التكوينِ 2: 17، حذَّر اللهُ آدمَ من أنه سيقاسي عقوبةَ الموتِ إن أكلَ من الثمرةِ المحرمةِ. وقد أثرتْ نتائجُ اختيارِهِ الطارئِ والاحتماليِّ على كلِّ جانبٍ من جوانبِ التاريخِ. وفي الحقيقةِ، يعدُّ الاختيارُ البشريُّ أمرًا محوريًا حتى في الحصولِ على الخلاصِ الأبديِّ من لعنةِ الخطيةِ. كما يقولُ بولسُ في رسالةِ روميةَ 10: 9، أننا سنخلصُ "إن" اعترفنا بفمِنا أن يسوعَ ربٌّ و"إن" آمنا بأنَّ اللهَ أقامه من الأمواتِ.
2) الله والعلل الثانوية:
نقرأُ في الفقرةُ الثالثةُ من الفصلِ الخامسِ من إقرارِ الإيمانِ الوِستمنستريِّ الآتي:
اللهُ، في عنايتِهِ العاديّةِ، يستخدمُ الوسائطَ، لكنه حرٌّ أن يعملَ بدونِها، وبتجاوزَها، وبخلافِها، حسبَ مسرتِهِ.
يتعاملُ الله مع العللِ الثانويةِ "حسبَ مسرتِهِ"، فهو يعملُ بها ما يريدُ، متى أرادَ، وكيفما يريدُ. وهو ليسَ مقيدًا بالعملِ بوسيلةٍ أو بأخرى مع العللِ الثانويةِ. ومع ذلكَ يضعُ هذا الجزءُ من إقرارِ الإيمانِ تفرقةً هامةً بين "العنايةِ العاديةِ" للهِ، وكيفَ أنهُ "حرٌّ" في العملِ بطرائقَ خارقةٍ للطبيعةِ مستخدمًا العللَ الثانويةَ.
العناية العادية: يوجدُ نَوعٌ من التفاعلِ يميزُ بالطبيعةِ تعاملاتِ اللهِ مع العللِ الثانويةِ. يعملُ اللهُ بالطبيعةِ من خلالِ العللِ الثانويةِ التي خلقَها. يغذي اللهُ النباتاتِ بالطبيعةِ بواسطةِ العناصرِ الغذائيةِ الموجودةِ في التربةِ، وبواسطةِ الماءِ وضُوءِ الشمسِ. يحافظُ اللهُ على حياةِ البشرِ باستخدام الغذاءَ، والأوكسجينَ، والماءَ، وما إلى ذلكَ. وفي حقيقةِ الأمرِ، يوضحُ الكتابُ المقدسُ أن اللهَ ينشرُ حتى عملَ المسيحِ الخلاصيِّ في أنحاءِ العالمِ باستخدامِ العللِ الثانويةِ (روميةَ 10: 14-15).
يستخدمُ الله أيضًا العللَ الثانويةَ غيرَ المرئيةِ مثلَ: الملائكةِ، والشياطينَ، بل وحتى إبليسَ نفسَهُ (المزمور 103: 20-21). إن فهمَ كيفيةِ تنفيذِ اللهِ لخطتِهِ بواسطةِ العللِ الثانويةِ يساعدُنا على استيعابِ كيف يمكنُ للهِ أن يكونَ قدوسًا وصالحًا بالرغمِ من وُجودِ الشرِّ في خليقتِهِ. يُعدُّ الكتابُ المقدسُ واضحًا في كونِ اللهِ له السيادةُ المطلقةُ على الشرِّ. فهُوَ تحتَ سيطرتِهِ الكاملةِ. كما أن اللهَ يوظفُ إبليسَ في خدمتِهِ من عرشِهِ السماويِّ (أيوب 1: 6-12؛ لوقا 22: 31-32). كما تبينُ كلماتُ يسوعَ هُنا، ينبغي علينا أن نصليَ كي ينجيَنا اللهُ منَ الشريرِ لأن اللهَ متحكمٌ فيهِ (متى 6: 13).
مع ذلك لا يسببُ الله نفسَهُ الشرَّ قطُّ. بل إن التجاربَ تأتي بصورةٍ غيرِ مباشرةٍ من خلالِ عللٍ ثانويةٍ شريرةٍ (يعقوب 1: 13). يقولُ يعقوب إننا لا ينبغي أن نلقيَ اللومَ في التجربةِ على اللهِ لسببينِ. من جانبٍ، "اللهُ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ" لأنَ اللهَ صالحٌ، والشرُّ لا يُغويه بأيةِ وسيلةٍ. ومن الجانبِ الآخرِ، "[اللهُ] لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا". توضحُ الترجمةُ الحرفيةُ جيدًا ما هو جليٌّ في النصِّ اليونانيِّ: "اللهُ نفسُهُ" لا يجرِّبُ. بمعنًى آخرَ، اللهُ لا يجربُنا بصورةٍ مباشرةٍ لفعلِ الشرِّ، بل في المقابلِ هو يفعلُ هذا من خلالِ مخلوقاتٍ خارقةٍ للطبيعةِ مثلَ إبليسَ وشياطينِهِ. يقولُ يعقوبُ أيضًا إن التجربةَ تنجحُ بسببِ الميولِ الشريرةِ لدى العللِ الثانويةِ البشريةِ (يعقوب 1: 14). فإنَّ التجربةَ تنجحُ بسببِ شهواتِنا ورغباتِنا الشريرةِ. في النهايةِ، يفسرُ استخدامُ اللهِ العاديُّ للعللِ الثانويةِ سيادةَ اللهِ على الشرِّ، وأنه ليسَ مصدَرَهُ. فبينما تحدثُ كلُّ الأشياءِ وِفقًا لخطتِهِ الأزليةِ، لكن مسئوليةَ الشرِّ تقعُ على عللٍ ثانويةٍ خارقةٍ للطبيعةِ وطبيعيةٍ تتمردُ على وصايا ذاك الذي خلقَها.
العناية الخارقة للطبيعة: كما يقولُ الفصلُ الخامسُ، والفقرةُ الثالثةُ من إقرارِ الإيمانِ، فإن اللهَ أيضًا "حرٌّ في أن يعملَ بدونِها [أي الوسائطِ]، وبتجاوزَها، وبخلافِها، حسبَ مسرتِهِ". في الواقعِ، يبينُ إقرارُ الإيمانِ أن اللهَ يتعاملُ مع خليقتِهِ بطرائقَ خارقةٍ للطبيعةِ، عادةً ما نطلقُ عليها تدخلاتٍ إلهيةً، بل ومعجزاتٍ. أحيانًا يجعلُ اللهُ الأحداثَ تقعُ "دونَ" استخدمِ العللِ الثانويةِ. بكلماتٍ أخرى، هو يُجري الأشياءَ بصورةٍ مباشرةٍ في التاريخِ. وفي أحيانٍ أخرى، يُجري اللهُ أمورًا في التاريخِ "تتجاوزُ" العللَ الثانويةَ. أي أنه يتجاوزُ النتائجَ الطبيعيةَ للعللِ الثانويةِ. وفي أحيانٍ أخرى، يعملُ اللهُ أيضًا "بخلافِ" العللِ الثانويةِ. أي إن اللهَ يعكسُ النتائجَ الطبيعيةَ للعللِ الثانويةِ، وخاصةً حين ينتجُ خيرًا من الشرِّ.
يسلطُ الكتابُ المقدسُ الضُّوءَ على عدةِ أمثلةٍ للعنايةِ الإلهيةِ الخارقةِ للطبيعةِ، أي لأحيانٍ يجعلُ اللهُ الأشياءَ تحدثُ في التاريخِ دونَ، أو بتجاوزِ، أو بخلافِ العللِ الثانويةِ. في العهدِ القديمِ، كان المقصودُ عادةً من هذه الأعمالِ الخارقةِ للطبيعةِ من أعمالِ العنايةِ أن تكونَ آياتٌ وعلاماتٌ للدفاعِ عن سلطانِ ممثلي اللهِ كالملوكِ، والأنبياءِ، والكهنةِ. وفي العهدِ الجديدِ، تشهدُ العنايةُ الخارقةُ للطبيعةِ عادةً عن سلطانِ يسوعَ، وسلطانِ رسلِهِ وأنبيائِهِ في القرنِ الأولِ. لكن تشملُ العنايةُ الاستثنائيةُ أو الخارقةُ للطبيعةِ أيضًا بعضَ الاستعلاناتِ المؤثرةِ والصادمةِ لبركاتِ اللهِ ودينوناتِهِ، حتى حينَ لا يكونُ لهذا صلةً وثيقةً بسلطانِ خدامِ اللهِ بصورةٍ خاصةٍ.
بل وفي العصرِ الحالي، يملِكُ اللهُ دائمًا الحريةَ في فعلِ الأشياءِ بطرائقٍ لا نتوقعُها. وإننا بالتأكيدِ حينَ نفحصُ عالمَنا، نرى عنايةَ اللهِ العاديةَ في كلِّ شيءٍ من حولِنا. وينبغي أن نكونَ ممتنينَ لأجلِ الطرائقِ التي يستخدمُ بها اللهُ العللَ الثانويةَ في كلِّ يومٍ من أيامِ حياتِنا. لكن في الوقتِ ذاتِهِ، ينبغي لأتباعِ المسيحِ الأمناءِ أن يتوقعوا اختبارَ عنايةِ اللهِ الخارقةِ للطبيعةِ أيضًا. فحينَ تُخفِقُ العللُ الثانويةُ التي يستخدمُها اللهُ بصورةٍ عاديةٍ في حياتِنا، ينبغي أن نلتفِتَ إلى اللهِ نفسهِ، كما فعلَ أُناسُهُ الأمناءُ عبرَ العصورِ. ينبغي أن نطلبَ تدخلَهُ الخارقَ للطبيعةِ في التاريخِ، لأنه يظلُّ دائمًا حرًا في العملِ دونَ، وبتجاوزِ، وبخلافِ كلِّ جانبٍ في الخليقةِ. ولا شيءَ يستطيعُ مقاومتَهُ.
الكلمة
عن هذه الخطة
من هو الله؟ ما هي صفاته؟ خطته الأزليّة؟ أعماله في التاريخ؟ على المستوى الأساسي، أُعطيت الأسفار المقدسة لنا لتعلّمنا عن الله وعمّا عمله من أجلنا. في الواقع، إن معرفة الله هي ضرورية لنا لكي نفهم أنفسنا وعالمنا. ولهذا ندرس ما يدعوه علماء اللاهوت بعقيدة الله، أو العقيدة عن الله. من خلال خطة القراءات هذه نتعرّف على منهجيّة منظمة لتمييز صفات الله كما ندرس خطة الله وأعماله، وخاصة أحكامه، خليقته، وعنايته.
More
نود أن نشكر خدمات الألفية الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: http://arabic.thirdmill.org/seminary/course.asp/vs/god