نؤمن باللهعينة
اليوم 23: أعمال الله (الخلق)
سلطَ علماءُ اللاهوتِ النظاميِّ الضُّوء كثيرًا على اللحظةِ التي فيها خلقَ اللهُ ex nihilo أي "منَ العدمِ". وتشيرُ نصوصٌ مثلُ سفرِ التكوين 1:1؛ وإنجيلِ يوحنا 1: 3، ورسالةِ العبرانيينَ 1: 2 إلى أن لا شيءَ قد وُجدَ بمَعزلٍ عنِ اللهِ، حتى أوجده اللهُ. أصرَّ علماءُ اللاهوتِ النظاميِّ الإنجيليونَ دائمًا على التميُّزِ التامِّ بين الخالقِ وخليقتِهِ. لكن تجاوزَ اللاهوتُ النظاميٌّ أيضًا لحظةَ الخلقِ الأولى، وتناولَ تقسيمًا أوليًا ثنائيًا أسسهُ اللهُ في الخلقِ. هذا التقسيمُ الثنائيُّ للخلقِ بينَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كما جاءَ في سفرِ التكوينِ 1:1 يظهرُ في رسالةِ كولوسي 1: 16 حين استطردَ بولسُ لعملِ تقسيمٍ مُوازٍ بينَ مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى. وبسببِ الأهميةِ الكبيرةِ لهذا العملِ الثنائيِّ للخلقِ، لا بد أن نصرفَ لحظةً للنظرِ إلى كلٍّ مِن الأبعادِ غيرِ المرئيةِ العليا للخليقةِ، والأبعادِ المرئيةِ السفلى للخليقةِ.
1) الأبعاد غير المرئية:
يوجدُ العديدُ مِن الطرائقِ لوصفِ الأبعادِ غيرِ المرئيةِ العليا للخليقةِ. لكن من أجلِ أغراضِنا، سننظرُ إلى ترتيبِ الأجواءِ غيرِ المرئيةِ، ثم نتعرّف على سكانَها.
الترتيب: تعدُّ اللفظةُ الكتابيةُ الرئيسيةُ المعبرةُ عن هذا البعدِ من الخليقةِ هي "السماءُ" أو "السماواتُ". لا يقدمُ الكتابُ المقدسُ الكثيرَ من التفاصيلِ حولَ ترتيبِ السماواتِ غيرِ المرئيةِ، لكنه يشيرُ إلى كونِها معقدةً للغايةِ. على سبيلِ المثالِ، تتحدثُ نصوصٌ مثلُ المزمورِ 104: 3 عن عُليّةِ اللهِ السماويّةِ أو "علالي" اللهِ. ووفقًا لما جاءَ في سفرِ 1 الملوكِ 8: 30، وبعضِ النصوصِ الأخرى، فإن هذه العليّةَ السماويّةَ هي "مَوْضِعُ سُكْنَاكَ سكنى اللهِ فِي السَّمَاءِ"، أو كما يمكنُ ترجمتُها: "السماءُ، موضعُ تتويجِ [اللهِ] ". ويصفُ سفرُ إشعياءُ 63: 15 هذا القصرَ السمائيَّ ذاتَهُ على أنه "مَسْكَنُ عرشِ قُدْسِكَ وَمَجْدِكَ". بالإضافةِ إلى ذلكَ، في رسالةِ 2 كورنثوسَ 12: 2، اقتبسَ بولسُ من اللاهوتِ الرابيِّ اليهوديِّ وتحدث عنِ "السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ"، مطلقًا عليها "الْفِرْدَوْسَ... لاَ يُنْطَقُ بِهَا". وفوق هذا كلِّهِ، يشيرُ سفرُ التثنيةِ 10: 14؛ المزمورُ 115: 6، وبعضُ النصوصُ الأخرى إلى "سماءِ السماواتِ". تنبهُنا هذه الشواهدُ الكتابيةُ وأخرى شبيهةٌ إلى حقيقةِ أن ترتيبَ العالمِ غيرِ المرئيِّ معقدٌ للغايةِ، ويفوقُ إدراكَنا. ومع هذا، فإن هذه النصوصَ والعديدَ من النصوصِ الأخرى تشيرُ إلى أنَّ الأجواءَ السماويةَ غيرَ المرئيةِ مرتَّبةً باعتبارِها الأبعادَ العليا والساميةَ للبلاطِ الملكيِّ للهِ في الكونِ.
السكان: لا يلزمُنا أن نقولَ إن أمجدَ سكانِ السماءِ على الإطلاقِ هو اللهُ نفسُهُ. لكننا علينا أن نكونَ حذرينَ هنا. فكثيرونَ يعتقدونَ أن السماءَ هي الموضعُ حيثُ يوجدُ اللهُ في تساميه الكاملِ. لكن الحالَ ليست هكذا على الإطلاقِ. فإن السماءَ جزءٌ من الخليقةِ. فهي محدودةٌ، وزمنيةٌ، ومتغيرةٌ. وبالرغمِ من كونِ السماءِ تقعُ فوقَ مستوى العالمِ المرئيِّ، لكنها مع ذلكَ هي موضعُ تعاملِ اللهِ مع خليقتِهِ. ففي سفرِ 1 الملوكِ 8: 27، صرحَ سليمانُ بأنَّ اللهَ شديدَ التسامي حتى أنَّ "السَّمَاوَاتِ وَسَمَاءَ السَّمَاوَاتِ لاَ تَسَعُكَ". لكنه في الصلاةِ نفسِها تحدثَ عنِ السماءِ باعتبارِها مَوْضِعَ سُكْنَاكَ أو موضعَ تتويجِ اللهِ – أي الموضعَ الذي منه يستمعُ اللهُ إلى صلواتِ شعبِهِ ويستجيبُ لها. وهكذا، فإن السماءَ هي موضعٌ فيه يدخلُ اللهُ إلى الخليقةِ المحدودةِ بالجلوسِ فوقَ عرشٍ، والتعاملِ مع مخلوقاتِهِ السماويةِ. ونرى هذا في نصوصٍ مثلَ سفرِ أيوبَ 1: 6-12؛ وسفرِ دانيآلَ 7: 9-11؛ وإنجيلِ لوقا 22: 31. فإنَّ بهوَ عرشِ اللهِ السماويَّ يسمو فوقَ العالمِ المرئيِّ. لكنه مع هذا جزءٌ من خليقتِهِ. ومنذُ بدءِ التاريخِ، حينَ قالَ اللهُ "لِيَكُنْ نُورٌ"، قامَ بتوجيهِ التاريخِ من بلاطِهِ السماويِّ بصفتِهِ ملكُ الخليقةِ.
لكن اللهَ ليسَ الساكنَ الوحيدَ للأجواءِ العليا غيرِ المرئيةِ. على سبيلِ المثالِ، بالرغمِ من ندرةِ دخولِ مخلوقاتٍ ماديةٍ إلى السماءِ، لكن هذا ليسَ مستحيلًا. فإننا نعلمُ يقينًا، بحسبِ سفرِ أعمالِ الرسلِ 2: 31-33 أن يسوعَ صعِدَ بجسدِهِ الماديِّ الممجدِ إلى كرسيِّ أبيه داوُدَ. وهو الآنَ يجلسُ عن يمينِ اللهِ الآبِ في بلاطِ السماءِ.
لكن السماءَ بوجهٍ عامٍّ تمتلئُ بمخلوقاتٍ روحيةٍ، بالإضافةِ إلى نفوسِ الأمناءِ الذين انتقلوا. وهُم وأعمالُهُم تظلُّ غيرُ مرئيةٍ، إلا في حالةِ وُجودِ رؤًى فائقةٍ للطبيعةِ. تُدعى هذه المخلوقاتُ "الأرواحَ" في إنجيلِ متى 8: 6 وفي رسالةِ العبرانيينَ 1: 14؛ كما تُدعى "أَبْنَاءَ الله" في المزمورِ 29: 1، وفي المزمورِ 89: 6؛ و"القديسينَ" في المزمورِ 89: 5,7 وسفرِ زكريا 14: 5؛ أيضًا تُدعى "ساهرونَ" في سفرِ دانيآلَ 4: 13، و"ملائكةً" في المزمورِ 91: 11؛ و"جنودًا" أو"جندًا" في مواضعَ عدةٍ، منها المزمورِ 148: 2، وسفرِ دانيآلَ 8: 10. وبحسبِ المزمور 82، يتولى بعضُ هذه الأرواحِ "مسئوليةَ أممٍ" على الأرضِ. فإن جبرائيلَ وميخائيلَ هما قائدانِ ملائكيانِ بارزانِ، يخدِمانِ اللهَ على نحوٍ خاصٍّ نيابةً عن مختاريهِ. كما أن الشاروبيمَ حراسٌ لقداسةِ اللهِ، والسرافيمَ يخدِمونَ أمام كرسيِّ اللهِ.
يخبرُنا الكتابُ المقدسُ بأنَّ جميعَ الأرواحِ السماويةِ خُلقتْ في البدءِ حسنةً مثلَ بقيةِ الخليقةِ. وفي رسالةِ 1 تيموثاوسَ 5: 21، يُطلَقُ على تلكَ الأرواحِ التي تظلُّ أمينةً بنعمةِ اللهِ "الْمَلاَئِكَةَ الْمُخْتَارِينَ". لكن أرواحًا سماويةً أخرى تتمردُ على اللهِ (يوحنا 8: 44؛ 1 تيموثاوس 3: 6؛ 2 بطرس 2: 4؛ يهوذا 6). ولا نعلمُ الكثيرَ عن هذا التمردِ الملائكيِّ، سِوى أنه كان واسعَ النطاقِ، وأن إبليسَ – وربما أرواحًا أخرى – تمردَ قبلَ غوايةِ آدمَ وحواءَ. وتشيرُ نصوصٌ مثلُ سفرِ أيوبَ 1: 6-12؛ والمزمورِ 82؛ وسفرِ 2 أخبارِ الأيامِ 18: 18-22 إلى أن إبليسَ، الخصمَ – الذي يُدعى أيضًا الشيطانَ أو المشتكي – وأرواحًا شريرةً أخرى تدعى الشياطينَ، والولاةَ، والرؤساءَ، والسلاطينَ، يستمرونَ في الاشتراكِ من آنٍ لآخرِ في البلاطِ السماويِّ. فهُم يخدِمونَ بأمرٍ من بلاطِ السماءِ، ويتممونَ مشيئةَ اللهِ على الأرضِ، ولو بنوايا شريرةٍ. لكنَّ إبليسَ والأرواحَ الشريرةَ الأخرى لن يخدِموا البلاطَ في السماءِ إلى الأبدِ. لكن قد أُعدَّ لهم موضعٌ للدينونةِ الأبديةِ في الجحيمِ، مع البشرِ الذين يتمردونَ على اللهِ.
2) الأبعاد المرئية:
تُقدمُ الأسفارُ المقدسةُ كلَّ الخليقةِ بصفتِها بلاطِ اللهِ الملكيِّ أو هيكلِهِ الكونيِّ. وعبرَ القرونِ، تطلعَ علماءُ اللاهوتِ النظاميِّ إلى الأصحاحاتِ الأولى من سفرِ التكوينِ لتمييزِ كيفيةِ ترتيبِ اللهِ للجوانبِ المرئيةِ لبلاطهِ الملكيِّ. وبحسبِ سفرِ التكوينِ 1: 2، كان العالمُ المرئيُّ في البدءِ "خرِبًا وخاليًا". لكن بنهايةِ الأسبوعِ الأولِ، في سفرِ التكوينِ 2: 1-3، أكملَ اللهُ ترتيبَ الخليقةِ المبدئيَّ والمُسِرَّ. ثم استراحَ فوق عرشِهِ السماويِّ.
يركزُ الأصحاحُ الأولُ من سفرِ التكوينِ في الأساسِ على سكانِ العالمِ الماديِّ المرئيينَ العاديينَ. على سبيلِ المثالِ، في اليومِ الأولِ، فصلَ اللهُ بالفعلِ بين النورِ والظلمةِ. ثم لاحقًا، في اليومِ الرابعِ، وضعَ الشمسَ، والقمرَ، والنجومَ كي تحكُمَ وتنيرَ النهارَ والليلَ. وفي اليومِ الثاني، أسسَ اللهُ بالفعلِ الجلدَ المرئيَّ والبحارَ. ثم، في اليومِ الخامسِ خلقَ الطيورَ والكائناتِ البحريةَ كي تسكُنَها. وفي اليومِ الثالثِ، أسسَ اللهُ بالفعلِ اليابسةَ والحياةَ النباتيةَ. ثم، في اليومِ السادسِ، وضعَ البهائمَ والبشرَ هناكَ. ويلعبُ جميعُ هؤلاءِ السكانِ أدوارًا هامةً في العالمِ الماديِّ لتحقيقِ مقاصدِ اللهِ لخليقتِهِ. لكن بحسبِ ما جاءَ في سفرِ التكوينِ 1: 26-31، البشرُ وحدُهُم لهم دورٌ خاصٌّ لكونِهِم صورةَ اللهِ ومثالَهُ.
كما يبينُ لنا الأصحاحُ الثاني من سفرِ التكوينِ، وضَعَ اللهُ في البدءِ آدمَ وحواءَ في جنةِ عدنٍ. كانت هذه الجنةُ الأرضيةُ المقدسةُ كاملةً، ورائعةً، ومقدسةً للغايةِ، حتى إن اللهَ كان يظهرُ فيها بانتظامٍ في مجدِهِ المرئيِّ. لكن كان هدفُ التاريخِ هو امتدادُ هذا الكمالِ، وهذه الروعةِ، وهذه القداسةِ من الجنةِ إلى أقاصي الأرضِ. وبهذا، سيكونُ من اللائقِ أن يَظهرَ مجدُ اللهِ المرئيِّ في كلِّ مكانٍ لمدحِهِ إلى الأبدِ. وكانت الأداةُ الأساسيةُ لامتدادِ قداسةِ اللهِ ومجدِهِ في جميعِ أنحاءِ العالمِ هي البشريةُ – صورةُ اللهِ ومثالُهُ. فمن خلالِ تشديدِ اللهِ بالنعمةِ للبشرِ المفديينَ، وخدمةِ الملائكةِ لهُم ضدَّ كلِّ خَصمٍ ماديٍّ وروحيٍّ، كان من المعيَّنِ أن يُتمموا قصدَ التاريخِ في خدمةِ اللهِ. لهذا السببِ يُشددُ الكتابُ المقدسُ واللاهوتُ النظاميُّ الإنجيليُّ بشدةٍ على دَورِ المسيحِ باعتبارِهِ صورةَ اللهِ ومثالَهُ الكاملُ. فهُوَ لم يسددْ فحسبُ ثمنَ خطايا شعبِهِ المفديِّ، لكن أيضًا حين يأتيَ المسيحُ ثانيةً ليصنعَ السماواتِ الجديدةَ والأرضَ الجديدةَ، سوف يملأُ الأرضَ بصُورِ اللهِ المقدسةِ، ويجعلُ كلَّ شيءٍ جديدًا. وسيسطعُ مجدُ اللهِ المرئيُّ في جميعِ أنحاءِ العالمِ غيرِ المرئيِّ وكذلكَ في العالمِ المرئيِّ للخليقةِ، حتى يَعبدَ كلُّ مخلوقٍ اللهَ. كما كتبَ بولسُ في رسالةِ فيلبي 2: 10-11.
الكلمة
عن هذه الخطة
من هو الله؟ ما هي صفاته؟ خطته الأزليّة؟ أعماله في التاريخ؟ على المستوى الأساسي، أُعطيت الأسفار المقدسة لنا لتعلّمنا عن الله وعمّا عمله من أجلنا. في الواقع، إن معرفة الله هي ضرورية لنا لكي نفهم أنفسنا وعالمنا. ولهذا ندرس ما يدعوه علماء اللاهوت بعقيدة الله، أو العقيدة عن الله. من خلال خطة القراءات هذه نتعرّف على منهجيّة منظمة لتمييز صفات الله كما ندرس خطة الله وأعماله، وخاصة أحكامه، خليقته، وعنايته.
More
نود أن نشكر خدمات الألفية الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: http://arabic.thirdmill.org/seminary/course.asp/vs/god