نؤمن باللهعينة
اليوم 22: خطة الله (المواقف اللاهوتية)
نقومُ بدراسةِ تنوُّعِ المواقفِ اللاهوتيةِ بشأنِ خُطةِ اللهِ في خُطوتينِ:
1) وجهات النظر المتطرفة:
إن أحد القِيم الجوهريّة، في علم اللاهوت النظامي الكلاسيكي، هو وَضْع مُلخصات متماسكة منطقيًا عمّا يُعلّمُه الكتاب المقدس عن كل موضوع. لكن في أغلب الأحيان، تجعلُنا الرغبة في التناسق المنطقي نتطرّف، من خلال الإقرار فقطْ ببُعدٍ أو بآخَر، من التعاليم الكتابيّة عن خِطةِ اللهِ. من بين وجهات النظر المتطرفة ما يلي.
اللاهوت القدري: اتخذَ اللاهوتُ القدريُّ عدةَ صُورٍ. لكن في المُجملِ، تُفسِّرُ القدريةُ كلَّ ما يحدثُ في الزمنِ بشكلٍ حصريٍّ من خلالِ خُطةِ اللهِ المتساميةِ. وكما رأينا تؤيد بعضُ النصوصِ الكتابيةِ الاعتقادَ بأن خُطةَ اللهِ، وقصدَهُ، ومشورتَهُ، وأحكامَهُ، ومشيئتَهُ، ومسرتَهُ، تعكسُ تساميه فوقَ الخليقةِ. وبهذا المفهومِ، كلُّ ما حدثَ، أو سيحدثُ على الإطلاقِ قد تعيّنَ من خلالِ خُطةِ اللهِ الشاملةِ، والأزليةِ، والحتميةِ. لكن القدريةَ يُعوزُها النطاقُ الكاملُ للتعليمِ الكتابيِّ في هذا الأمرِ. فهي تُخفِقُ في نَسَبِ الأهميةِ الموجبةِ لما يعلمُهُ الكتابُ المقدسُ عن خُططِ اللهِ، ومقاصدِهِ، ومشورتِهِ، وأحكامِهِ، ومشيئتِهِ، ومسرتِهِ التي تنشأُ في أثناءِ تعاملاتِهِ مع خليقتِهِ المحدودةِ، والزمنيةِ، والمتغيرةِ.
اللاهوت المنفتح: يفسرُ هذا الرأيُ تقريبًا كلَّ ما يحدثُ في الزمنِ من خلالِ قربِ اللهِ. وقد رأينا أن هناكَ تأييدًا كتابيًا للاعتقادِ بأنَّ اللهَ يضعُ الكثيرَ من الخُططِ المختلفةِ في أثناءِ تعاملِهِ مع خليقتِهِ. وبهذا المفهومِ، فإن خُططَ اللهِ، ومقاصدَهُ، ومشورتَهُ، وأحكامَهُ، ومشيئتَهُ، ومسرتَهُ الزمنيةَ، فيما يتعاملُ مع العالمِ المحدودِ، والزائلِ، والمتغيرِ، لا تتحققُ دائمًا. لكن يتطرفَ اللاهوتُ المنفتحُ في هذا التعليمِ الكتابيِّ. إذ يُخفِقُ في نَسَبِ الأهميةِ الواجبةِ لخُطةِ اللهِ الأزليةِ، والشاملةِ، والحتميةِ. كثيرونَ ممنْ يتمسكونَ بهذا الرأيِ المتطرفِ يتفقونَ على أن القليلَ من الأحداثِ فقطْ هو الذي تعين من خلالِ أحكامِ اللهِ المعصومةِ والأزليةِ. وعادةً ما يُقرُّونَ بأنَّ الأحداثَ الكبرى مثلَ المجيءِ الأولِ للمسيحِ، وزمنِ مجيئِهِ الثاني المجيدِ، والناتجِ النهائيِّ للتاريخِ هي أمورٌ تقررتْ من خلالِ مشيئةِ اللهِ السياديةِ. لكن بخلافِ هذه الأحداثِ القليلةِ، فإن علماءَ اللاهوتِ المنفتحِ عادةً ما يُصرونَ على أن نجاحَ خُططِ اللهِ، ومقاصدِهِ، ومشيئتِهِ معتمدٌ بالكاملِ على التاريخِ، وخاصةً على الخياراتِ التي تتخذُهَا الأرواحُ والبشرُ.
2) وجهات النظر الوسطية:
تتفقُ وجهاتُ النظرِ الوسطيةُ على أن اللهَ لديه خُطةٌ شاملةٌ، وأزليةٌ، وحتميةٌ لِما يحدثُ في التاريخِ. وتؤكدُ أيضًا، بالقدرِ ذاتِهِ، على أن اللهَ فيما يتعاملُ مع خليقتِهِ، يضَعُ العديدَ من الخُططِ محدودةِ النطاقِ، والزمنيةِ، والمتغيرةِ.
عندما نقبل الطرق التي يتحدّث بها الكتاب المقدس عن تخطيطِ اللهِ، بالارتباط مع كلِّ من تساميه وقربِه، نقِف أمام بعض أكبر الألغاز في الإيمان المسيحي. بإمكان البشر فَهم هذه الأمور بقدر ما فسرَها الله لهُم في الكتاب المقدس. لكن لا يمكنُنا استيعابُها إطلاقاً بصورة تَحُل كلَّ لغز، أو بطرق تجيب عن كلٍّ سؤال قد يطرأ على الأذهان. بل من الحكمة أن نتناول هذا الموضوع بصورة تشبه تناوُلِنا لموضوعَي الثالوث وطبيعتَي المسيحِ. فبدلًا من محاولة حل كلِّ لُغز يختص بخِطةِ اللهِ، لابد أن نتعلّم كل ما بوِسعِنا تعلُّمه عن كلا جانبَيْ هذين الرأيين الكتابيّين، ونُقرّ بمحدوديّة فهمِنا البشري.
يؤكدُ التيارُ السائدُ من اللاهوتِ الإنجيليِّ على كلٍّ من خُطةِ اللهِ المتساميةِ والأزليةِ، وخُططِهِ المقتربةِ والزمنيةِ.
نذكرُ اختلافينِ رئيسيينِ كثيرًا ما تصدَّرا الاختلافاتِ في علمِ اللاهوتِ النظاميِّ الكلاسيكيِّ.
ترتيب الأحكام الأزلية: حين يشيرُ علماءُ اللاهوتِ النظاميِّ إلى ترتيبِ أحكامِ اللهِ، فإن ما يدورُ بذهنهِمْ هو الترتيبُ المنطقيُّ للعناصرِ المتضمَّنةِ داخلَ خُطةِ اللهِ الأزليةِ للتاريخِ. ما هي الروابطُ الموجودةُ بين الأحكامِ الكبرى التي عيَّنَها اللهُ قبلَ عملِهِ الأولِ في الخلقِ؟ ظهرتِ العديدُ من الآراءِ المختلفةِ، لكننا اعتدنا في المجملِ أن نوجزَ هذه الآراءَ بثلاثِ طرائقٍ:
في المقامِ الأولِ، لا بد أن نذكرَ مصطلحَ ما قبلَ السقوط supralapsarianism. وكما يوحِي هذا المصطلحُ، لا بدَّ من وضعِ قضاءِ اللهِ بأن يخلصَ شعبَهُ "فوقَ" أو قبلَ قضائِهِ بالسماحِ بسقوطِ البشريةِ في الخطيةِ. ويمكنُ إيجازُ هذا الرأيِ عن ترتيبِ أحكامِ اللهِ الأزليةِ كالتالي. أولًا، القضاءُ بخلاصِ مختارِي اللهِ في المسيحِ، وإدانةِ الآخرينَ جميعِهِم؛ ثانيًا، القضاءُ بالخلقِ؛ ثالثًا، قضاءُ السماحِ بالسقوطِ في الخطيةِ؛ ورابعًا، قضاءُ إتمامِ الفداءِ وتقديمِهِ بواسطةِ المسيحِ؛ وخامسًا، قضاءُ تطبيقِ الفداءِ في المسيحِ على المؤمنينَ الحقيقيينَ.
في المقامِ الثاني، ينبغي أن نذكرَ مصطلحَ ما بعد السقوطِ infralapsarianism. وكما يوحي هذا المصطلحُ، يتحتمُ أن يُوضعَ قضاءُ اللهِ بأن يخلصَ شعبَهُ "تحت"، أو بعد قضائِهِ بالسماحِ بسقوطِ البشريةِ في الخطيةِ. ويمكنُ إيجازُ هذا الرأيِ عن ترتيبِ أحكامِ اللهِ الأزليةِ كالتالي: أولًا، القضاءُ بالخلقِ؛ وثانيًا، قضاءُ السماحِ بالسقوطِ في الخطيةِ؛ ثالثًا، قضاءُ خلاصِ مختارِي اللهِ؛ ورابعًا، قضاءُ إتمامِ الفداءِ وتقديمِهِ بواسطةِ المسيحِ؛ وخامسًا، قضاءُ تطبيقِ الفداءِ في المسيحِ على المؤمنينَ الحقيقيينَ.
في المقامِ الثالثِ، لا بدَّ أن نذكرَ رأيًا عادةً ما يطلقُ عليهِ مصطلحُ ما بعد السقوطِ sublapsarianism. أحيانًا ما يُعتبرُ هذا الرأيُ قسمًا فرعيًا من رأيِ ما بعد السقوطِ. وكما يُوحي الاسمُ، فقد وَضع اللهُ قضاءَهُ بأن يخلصَ شعبَهُ "تحت"، أو بعد، قضائِهِ بالسماحِ بسقوطِ البشريةِ في الخطيةِ. لكن في هذا الرأيِ، جاءَ قضاءُ الخلاصِ بعد قضاءِ الله بتقديمِ الفداءِ، لا قبلَهُ. يمكنُ إيجازُ هذا الرأيِ كالتالي: أولًا، قضاءُ اللهِ بالخلقِ؛ وثانيًا، قضاءُ اللهِ بالسماحِ بسقوطِ البشريةِ في الخطيةِ؛ ثالثًا، قضاءُ اللهِ بإتمامِ الفداءِ وتقديمِهِ بواسطةِ المسيحِ؛ رابعًا، القضاءُ بخلاصِ مَن يؤمنونَ؛ وخامسًا، القضاءُ بتطبيقِ الفداءِ في المسيحِ على المؤمنينَ.
الأحكام الأزلية والعلم السابق: عادةً ما يتمُّ تسليطُ الضُّوءَ على ثلاثةِ نُصوصٍ منَ العهدِ الجديدِ في هذا الشأنِ. في سفرِ أعمالِ الرسلِ 2: 23، تحدثَ بطرسُ عن وُقوعِ صلبِ المسيحِ بمقتضى "مَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ". ويشيرُ نصُّ رسالةِ 1 بطرسَ 1: 2 إلى مختارِي اللهِ "الْمُخْتَارِينَ بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ". وتقولُ رسالةُ رومية 8: 29 أن "الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ الله سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ". ومن الواضحِ أن هذه النصوصَ تشيرُ إلى وجودِ ترابطٍ بين أحكامِ اللهِ الأزليةِ وعلمِهِ السابقِ.
قامَ الإنجيليونَ بوجهٍ عامٍّ بتطبيقِ هذه النصوصِ على العلاقةِ بين أحكامِ اللهِ الأزليةِ وعلمِهِ السابقِ من ناحيتينِ. فمن ناحيةٍ، تبنى كثيرونَ منَّا الرأيَ القائلَ بأنَّ علمَ اللهِ السابقِ كان هو أساسُ أحكامِهِ. بكلماتٍ أخرى، عَلِمَ اللهُ منذُ الأزلِ بالمسارِ الذي سيتخذُهُ التاريخُ. وأدركَ كيفيةَ سيرِ الأحداثِ – بما في ذلكَ تعاملاتِهِ مع الخياراتِ التي سيتخذُهَا الأرواحُ والبشرُ. وبِناءً على علمِهِ السابقِ هذا، قضى بالخُطةِ الأزليةِ التي بموجبِها ستقعُ جميعُ الأحداثِ على نحوٍ حتميٍّ.
من ناحيةٍ أخرى، تبنى الكثيرُ من الإنجيليينَ أيضًا الرأيَ القائلَ بأنَّ أحكامَ اللهِ هي أساسُ علمِهِ السابقِ بالتاريخِ. وبحسبِ هذا الرأيِ، خَططَ اللهُ أو قضى بكلِّ ما هو عتيدٌ أن يحدثَ في التاريخِ فقط بحسبِ مسرتِهِ الصالحةِ. وهذه الخُطةُ الحتميةُ أعطتِ اللهَ العلمَ السابقَ بكلِّ ما سيحدثُ في التاريخِ.
يمكنُنا جميعًا الاتفاقُ على بعضِ الأشياءِ. هل يعلمُ الكتابُ المقدسُ بأن اللهَ يعلمُ مُسبقًا كلَّ شيءٍ؟ نعم. هل يعلمُ الكتابُ المقدسُ بأن اللهَ عينَ مسبقًا كلَّ شيءٍ، بما في ذلك الخلاصَ الأبديَّ؟ نعم. وهكذا، وإن كنا ربما نفضلُ رأيًا من هذه الآراءِ على الآخرِ، لكننا في النهايةِ لا بد أن نقرَّ جميعَنا بأنَّ أحكامَ اللهِ وعلمِهِ السابقِ متلازمانِ من عدةِ نواحٍ. ولا بدَّ أن نضعَ في اعتبارِنا دائمًا أننا نتحدثُ عنِ اللهِ في الأزلِ، ولهذا فإن طرائقَ تفكيرِنا العاديةَ لا تُجدي نفْعًا. فإنَّ جزْمَنا بشأنِ الأولويةِ المنطقيةِ لأحكامِ اللهِ أو علمِهِ السابقِ هو بمثابةِ تجاوُزٍ لما يعلنُهُ الكتابُ المقدسُ.
عن هذه الخطة
من هو الله؟ ما هي صفاته؟ خطته الأزليّة؟ أعماله في التاريخ؟ على المستوى الأساسي، أُعطيت الأسفار المقدسة لنا لتعلّمنا عن الله وعمّا عمله من أجلنا. في الواقع، إن معرفة الله هي ضرورية لنا لكي نفهم أنفسنا وعالمنا. ولهذا ندرس ما يدعوه علماء اللاهوت بعقيدة الله، أو العقيدة عن الله. من خلال خطة القراءات هذه نتعرّف على منهجيّة منظمة لتمييز صفات الله كما ندرس خطة الله وأعماله، وخاصة أحكامه، خليقته، وعنايته.
More
نود أن نشكر خدمات الألفية الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: http://arabic.thirdmill.org/seminary/course.asp/vs/god