نؤمن باللهعينة
اليوم 21: خطة الله (وجهات النظر الكتابية)
في علمِ اللاهوتِ النظاميِّ، اتَّخذتْ تعبيراتُ "خُطةُ اللهِ"، و"قضاءُ اللهِ"، و"أحكامُ اللهِ" معانيَ محددةً، ومتسقةً، وتِقْنِيَّةً للغايةِ. لكن في المقابلِ تَستخدمُ الأسفارُ المقدسةُ كلماتٍ عبريّةً ويونانيّةً مختلفةً للتعبيرٍ عن هذا المفهومِ اللاهوتيِّ عينِهِ بوسائلَ مختلفةٍ. فإن هذه الأسفارَ تتحدثُ عن خُطةِ اللهِ أو خُططِهِ بصورةٍ مباشرةٍ، لكنها أيضًا تُشيرُ إلى قصدِهِ، أو مشورتِهِ، أو أحكامِهِ، وإلى مشيئتِهِ، ومسرتِهِ. وفي مُقابلِ استخدامِ المصطلحاتِ التقنيةِ في عِلمِ اللاهوتِ النظاميِّ، لا تَتخذُ هذه التعبيراتُ، وأُخرى مشابهةٌ لها في الكتابِ المقدسِ، معانيَ محددةً ومتَّسقةً. عادةً ما يَستخدمُ الكتابُ المقدسُ مصطلحاتٍ متشابهةً للغايةِ لتقديمِ مفاهيمَ مختلفةٍ، كما يَستخدمُ مصطلحاتٍ مختلفةً لتقديمِ مفاهيمَ متشابهةً للغايةِ. لاستكشافِنا لوُجهاتِ النظرِ الكتابيةِ عن خُطةِ اللهِ نقومُ بالتركيزِ فقط على مفهومينِ.
1) القرب الإلهي:
يعلمُنا الكتابُ المقدسُ أن اللهَ قريبٌ. فهُوَ يتنازلُ ويتعاملُ بالكاملِ مع خليقتِهِ المحدودةِ، والزمنيةِ، والمتغيرةِ. تسلّط بعضِ النصوصِ الكتابيّة الضُّوءَ على تخطيطِ اللهِ باعتبارهِ بُعدًا من أبعادِ تعامُلِهِ عن قربٍ مع الخليقةِ. مثلاً في إرميا 18: 7-8، تحدَّثَ اللهُ عن شيءٍ "قصدَه" مستخدِمًا الفعلَ العبريَّ الذي معناهُ "يفكرُ"، أو "يخططُ"، أو "يقصِدُ". حين يسمعُ مؤمنونَ من أوساطٍ متعددةٍ أن اللهَ لديه "خُطةً"، يفترضونَ تِلقائيًا أنَّ الكتابَ المقدسَ يُشيرُ إلى شيءٍ ما عزَمَ اللهُ على فعلِهِ مُنذُ الأزلِ. لكن هذا النصَ لا يتحدثُ عن تخطيطِ اللهِ من هذا المنطلَقِ. بل على النقيضِ، تم طرحُ خُطةَ اللهِ هذه من منطلقِ تعامُلِهِ القريبِ مع الخليقةِ. فقد "تمَّ التكلمُ بِها"، أي بالخُطةِ، كردِّ فِعلٍ على عِصيانِ "أمةٍ أو مملكةٍ". فقد كانت خُطةُ اللهِ لهذه الأمةِ هي "الْقَلْعُ وَالْهَدْمُ وَالإِهْلاَكُ". وعِلاوةً على هذا، أعلنَ اللهُ بصراحةٍ إمكانيةَ الرُّجوعِ عن هذهِ الخُطةِ. كما نقرأُ هُنا: "فَتَرْجعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا، فَأَنْدَمُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا". ويسجلُ الكتابُ المقدسُ كثيرًا أن اللهَ يضعُ الكثيرَ من مثلِ هذه الخُططِ الزمنيةِ، أي الخُططِ التي قد تتِمُّ أو قد لا تتمُّ في أثناءِ تعامُلِهِ مع خليقتِهِ.
كذلك يُشيرُ لوقا 7: 30 إلى "مشورةِ" اللهِ، مستخدِمًا الكلمةَ اليونانيةَ التي تعني "قصدَ"، أو "مشورةَ"، أو "قضاءَ"، أو "مشيئةَ". لكن "قصدَ"، أو "مشورةَ"، أو "قضاءَ"، أو "مشيئةَ" اللهِ التي نحن بصددِها في هذا النصِ متصلةً على نحوٍ واضحٍ بقُربِ اللهِ، لا بتسامِيه. فقدْ برزتْ مشورتُهُ الإلهيةُ في ظرفٍ تاريخيٍّ معينٍ حين دُعِيَ الفريسيونَ والناموسيونَ إلى أن يعتمدوا من يوحنا. ولكنَّ هذه المشورةَ قد "رُفضتْ" حين رفضوا الخضوعَ لهذا القضاءِ. تُوجدُ المئاتُ، بل ربما الآلافُ من المواضعِ في الكتابِ المقدسِ التي فيها دعا اللهُ شعبَهُ إلى أن يتصرفوا، ويشعروا، ويؤمنوا بطرائقٍ معينةٍ. لطالما توافقتْ هذه التصريحاتُ عن مشيئةِ اللهِ التوجيهيّةِ مع طبيعةِ اللهِ الأدبيةِ غيرِ المحدودةِ، والسرمديةِ، وغيرِ المتغيرةِ. إلا أن اللهَ عبَّرَ عن مشيئتِهِ التوجيهيّةِ في أثناءِ تعامُلِهِ مع شعبِهِ بوسائلَ مختلفةٍ وفي أوقاتٍ مختلفةٍ. وعادةً لا تتحققُ مشيئةُ اللهِ التوجيهيّةُ لأن مخلوقاتِهِ عادةً يعصُونَ وصاياهُ. في متى 23: 37 أعلن المسيح عن "إرادتِهِ" أو رغباتِهِ ولكن لا يشيرُ هذا النصُّ إلى تسامِي اللهِ. ففي كثيرٍ منَ الأحيانِ في التاريخِ أرادَ يسوعُ، أو اشتهى، أو رَغِبَ أن "يجمعَ أولادَهُ" في أورشليمَ ليحمِيَهُمْ من ظالِمِيهِمْ. لكن رغبةَ يسوعَ لم تتحققْ لأنَّ شعبَ أورُشليمَ "لم يُريدوا". فقدْ رفَضَ بنو إسرائيلَ الأنبياءَ بل ويسوعَ نفسَهُ.
كثيرًا ما يتحدثُ الكتابَ المقدسَ عن وَضعِ اللهِ لخُططٍ، وعن أهدافٍ يقصِدُها، وأنهُ يشيرُ، ويصدِرُ أحكامًا، بالإضافةِ إلى مشيئتِهِ ومسرتِهِ، كعواملَ لتعامُلاتِهِ القريبةِ والزمنيةِ مع الخليقةِ. هذه الخُططُ الزمنيةُ التي يضعُها اللهُ هي محدودةٌ، وزمنيّةٌ، وفي أحيانٍ كثيرةٍ جدًا متغيرةٌ.
2) التسامي الإلهي:
نعلم أن الله أيضًا يسمو فوق جميع محدوديات خليقتِهِ. وهكذا تتحدث الأسفار المقدسة أيضًا عن خِطةِ اللهِ بطرقٍ تعكِس حقيقة تسامِيهِ، وكونِهِ غير محدود، وسرمدي، وغير متغير. مثلاً يشيرُ إشعياء 46: 10 إلى "رأيِ"، و"مسرةِ" اللهِ. يُصورُ هذا النصَّ خُطةَ اللهِ من نواحٍ تقِفُ في مقابلةٍ حادةٍ مع تعامُلِهِ الزمنيِّ مع الخليقةِ. فقد تحدثَ اللهُ عن "رأيِهِ" كما تحدثَ عن فعلِهِ "كلِّ مسرتِهِ". لكنهُ ربَطَ هذه الألفاظَ بتسامِيهِ. فتحدثَ عن حقيقةِ أنهُ "مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ" – وهذه إشارةٌ إلى أزليتِهِ. وأوضحَ أن رأيَهُ لا يتغيرُ ولا يمكنُ أن يسقُطَ، حين قالَ: "رَأْيِي يَقُومُ" و"أَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي". يَظهرُ هذا الربطُ بين خُطةِ اللهِ وتساميه أيضًا في أيوب 42: 2، يوحنا 6: 39-40؛ أعمال الرسل 2: 23، 4: 28، أفسس 1: 11؛ عبرانيين 6: 17.
من هذا الاستعراضِ السريعِ، رأينا اتجاهينِ في الكتابِ المقدسِ بشأنِ خُطةِ اللهِ. أحيانًا تربِطُ النصوصُ المقدسةُ تخطيطَ اللهِ، وقصدَهُ، ومشورتَهُ، وقضاءَهُ، ومشيئتَهُ، ومسرتَهُ بقربِهِ – أي تعاملاتِهِ المحدودةِ، والزمنيةِ، والمتغيرةِ مع الخليقةِ. وفي أحيانٍ أخرى، تَستخدمُ النصوصُ مصطلحاتٍ شبيهةً للغايةِ لكن مع التركيزِ على تسامي اللهِ غيرِ المحدودِ، والسرمديِّ، وغيرِ المتغيرِ فوقَ خليقتِهِ. وبقدرِ صَعوبةِ هذا الأمرِ، لكن إن أردْنا أن نكونَ كتابيينَ في فهمِنا لخُطةِ اللهِ، لا بدَّ أن نجدَ سُبلًا للتأكيدِ على كلٍّ من هذينِ الرأيينِ.
الكلمة
عن هذه الخطة
من هو الله؟ ما هي صفاته؟ خطته الأزليّة؟ أعماله في التاريخ؟ على المستوى الأساسي، أُعطيت الأسفار المقدسة لنا لتعلّمنا عن الله وعمّا عمله من أجلنا. في الواقع، إن معرفة الله هي ضرورية لنا لكي نفهم أنفسنا وعالمنا. ولهذا ندرس ما يدعوه علماء اللاهوت بعقيدة الله، أو العقيدة عن الله. من خلال خطة القراءات هذه نتعرّف على منهجيّة منظمة لتمييز صفات الله كما ندرس خطة الله وأعماله، وخاصة أحكامه، خليقته، وعنايته.
More
نود أن نشكر خدمات الألفية الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: http://arabic.thirdmill.org/seminary/course.asp/vs/god