نؤمن باللهعينة
اليوم 15: الأسس الكتابية (الاستراتيجيات الرئيسية)
بسببِ محدودياتنا كبشر، نواجه ألغازًا لا حصر لها أثناء بحثنا فيما يُعلِّمُه الكتاب المقدس عن الله. وينطبق هذا أيضًا على تناوُلنا لصفاتِ اللهِ القابلة للمُشاركة. فالله يختلف تماماً عن خليقتِه، ليس فقط في بعض كمالاتِه، بل في جميعِها. لكن في نفس الوقت، كل مَن هو على دراية بالكتاب المقدس يَعلَم أنه عادةً ما يَصِف الله وخليقتَه وكأنهما متشابهان للغاية. فمصطلحات مثل "قدوس"، "عادل"، "بار"، "صالح"، "أمين"، "محب"، و"قوي" تنطبق على الله وعلى جوانِب مختلفة من الخليقة. ولذلك، وبقدر صُعوبة فَهمنا لكيفيّة توافق هذين المنظورين معًا، يدعُونا الإيمان الكتابي إلى التأكيد على اختلافِ اللهِ عن خليقَتِه وأيضًا على مشابهَتِه لها.
قام علماءَ اللاهوتِ الأكاديميينَ في العُصورِ الوُسطى بالتركيزِ بشكلٍ كبيرٍ على اللاهوتِ الطبيعيِّ. فقد سعَوْا للتعلمِ عنِ اللهِ من خلالِ ملاحظةِ الطبيعةِ، دونَ اهتمامٍ مباشرٍ بالكتابِ المقدسِ. وقد قاموا بوضعِ ثلاثِ استراتيجياتٍ منهجيّةٍ لتمييزِ الحقائقِ عنِ اللهِ من خلالِ الطبيعةِ.
1) طريقة التباين:
تُعرَّفُ طريقةُ التبايُنِ على أنها استخلاصُ حقائقَ عنِ اللهِ من خلالِ وضعِهِ في مقابلَةٍ معَ الخليقةِ. وقد أشارَ كتبةُ الكتابِ المقدسِ بصورةٍ متكررةٍ إلى التبايُناتِ الموجودةِ بينَ اللهِ وخليقتِهِ – ليسَ من جهةِ الخطيةِ والشرِّ فحسبُ، بل أيضًا من جهةِ صفاتٍ صالحةٍ منحَها اللهُ لخليقتِهِ. وكثيرًا ما مجدوا اللهَ بالإشارةِ إلى سُمُوِّهِ على جميعِ المُقارناتِ. ولهذا، يلفِتُ هذا الاتجاهُ انتباهَنا في الأساسِ إلى صفاتِ اللهِ غيرِ القابلةِ للمشاركةِ. لكنه في أثناءِ هذا، يُمهِّدُ الطريقَ لتركيزِنا على صفاتِ اللهِ القابلةِ للمشاركةِ. ففي النهايةِ، لا يمكنُنا إدراكُ كيفيةِ مشابهةِ اللهِ لنا دونَ أن ندركَ أولًا مدى اختلافِهِ التامِّ عنا. إن طريقةَ التبايُنِ في الكتابِ المقدسِ تذكرُنا مرارًا وتكرارًا باللغزِ العظيمِ بأن جميعَ صفاتِ اللهِ، بشكلٍ أو بآخرَ، هي صفاتٌ غيرُ قابلةٍ للمشاركةِ.
2) طريقة السببية:
تُتِيحُ لنا طريقةُ السببيةِ في الكتابِ المقدسِ إمكانيةَ تمييزِ مدى مُشابهةِ اللهِ لنا من خلالِ تشبيهِهِ بالأشياءِ الحسنةِ التي خلقَها. فإنَّ الخبرةَ العامةَ تعلمُنا أن اللوحةَ الفنيّةَ تعكسُ مهاراتِ، ومشاعرَ، وأفكارَ مَن رسمَها. كما أن المقطوعةَ الموسيقيةَ تعكسُ مواهبَ وتصوراتِ مَن لحّنَها. ونتيجةً لهذا، يمكنُنا تعلُّمُ الكثيرِ عن الفنانينَ والملحّنينَ من خلالِ دراسةِ أعمالِهِم. وقد قامَ كتبةُ الكتابِ المقدسِ بالشيءِ ذاتِهِ من عدةِ نواحٍ، حين توصلوا إلى استنتاجاتٍ عنِ اللهِ من خلالِ ملاحظتِهِم لمخلوقاتِهِ. فإذ علِموا أن اللهَ هو " العلّةُ الأولى"، أو الخالقُ، قاموا باستخلاصِ ما لا بد أن يكونَ صحيحًا بشأنِهِ عن طريقِ سردِهِم للصفاتِ الحسنةِ التي وهبَها لخليقتِهِ.
تَستخدِمُ الأسفارُ المقدسةُ طريقةَ السببيةِ بطريقتينِ أساسيتينِ. الطريقةُ الأولى، هي عَقدُ مقارناتٍ مباشرةٍ بين اللهِ وخليقتِهِ. مثلاً كما نقرأ في المزمور 94: 9، لأنَّ اللهَ هو "غارسُ الأذُنِ" و"صانعُ العينِ"، فيمكنُنا أن نتيقّنَ بهذا من أنَّ اللهَ نفسَهُ لديهِ القدرةَ على أن "يسمعَ" و"يبصرَ". أيُّ إلهٍ يخلُقُ جمالَ الأرضِ، سوى اللهِ الذي هو نفسُهُ جميلٌ؟ وأيُّ إلهٍ يخلُقُ الترتيبَ، سوى اللهِ الذي هو نفسُهُ إلهُ ترتيبٍ؟ وأيُّ إلهٍ يمكنُهُ أن يهَبَ الحياةَ، سوى الإلهِ الحيِّ؟ فإنه لا حصرُ للحقائقِ التي يمكنُنا تعلُّمِها عنِ اللهِ من خلالِ ملاحظةِ الأشياءَ الحسنةِ التي خلقَها.
بالإضافةِ إلى المقارناتِ المباشرةِ، استخدمَ كتبةُ الكتابِ المقدسِ أيضًا طريقةَ السببيةِ حين عقدوا مقارناتٍ رمزيّةٍ بين اللهِ وخليقتِهِ. في بعضِ الأحيانِ، تضمنتْ هذه المقارناتُ الأشياءَ غيرَ العاقلةِ. على سبيلِ المثالِ، نقرأُ في سفرِ إشعياءَ 10: 17. كما يشيرُ السياقُ الأكبرُ لهذا النصِّ، كان اللهُ عتيدًا أن يقضيَ على إمبراطوريّةِ أشُّور. ولكي يفسرَ إشعياءُ كيفيةَ حدوثِ هذا، أشارَ إلى اللهِ مَجازًا بأنه "نارٌ"، و"لهيبٌ"، سوف "يحرِقُ ويأكلُ". ففي الأساسِ، استفاد إشعياءُ من أوجُهِ التشابُهِ بين قوةِ النارِ الآكلةِ، وقوةِ اللهِ الآكلةِ.
3) طريقة التسامي:
إنَّ طريقةَ التسامي تعني طريقةَ "السُّمُوِّ" أو "العظمةِ". يساعدُنا هذا الاتجاهُ أيضًا على تحديدِ صفاتِ اللهِ القابلةِ للمشاركةِ من خلالِ عقدِ مقارناتٍ بين اللهِ وخليقتِهِ. لكن هذه الاستراتيجيةَ الثالثةَ مؤسسةٌ على وِجهةِ النظرِ الكتابيةِ التي تقولُ إنَّ اللهَ، وإن كان مُشابهًا لخليقتِهِ، لكنه دائمًا أسمَى وأعلَى وأعظمَ بكثيرٍ من أيِّ شيءٍ خلقَهُ. بحديثِ بولُسَ في 1 تيموثاوسَ 6: 15-16عنِ اللهِ باعتبارِهِ "سيدًا"، و"ملكًا"، و"ربًّا"، أكّدَ على أن اللهَ يُشبِهُ الأسيادَ، والملوكَ، والأربابَ البشريينَ من عدةٍ نواحٍ. لكن لاحظْ أيضًا كيف شدّدَ بولُسُ على سُموِّ اللهِ فوقَ هؤلاءِ جميعِهِم. فهو "السيدُ الأوحدُ"، و"ملكُ الملوكِ"، و"ربُّ الأربابِ". فإن اللهَ وحدَهُ لاَ فَنَاءَ لَهُ وهُوَ وحدَهُ السَّاكِنُ فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ.
وهكذا نرى أن كتبةَ الكتابِ المقدسِ اتّبعوا هذه الاستراتيجياتِ الثلاثِ الكلاسيكيّةِ جميعِها لتمييزِ الحقائقِ عنِ اللهِ – طريقةَ التباينِ، وطريقةَ السببيةِ، وطريقةَ التسامي. وهذه الاستراتيجياتُ الرئيسيةُ تُشكلُ معًا أُسسًا كتابيةً راسخةً لدراسةِ كيفيةِ مُشابهةِ اللهِ لخليقتِهِ في اللاهوتِ النظاميِّ.
عن هذه الخطة
من هو الله؟ ما هي صفاته؟ خطته الأزليّة؟ أعماله في التاريخ؟ على المستوى الأساسي، أُعطيت الأسفار المقدسة لنا لتعلّمنا عن الله وعمّا عمله من أجلنا. في الواقع، إن معرفة الله هي ضرورية لنا لكي نفهم أنفسنا وعالمنا. ولهذا ندرس ما يدعوه علماء اللاهوت بعقيدة الله، أو العقيدة عن الله. من خلال خطة القراءات هذه نتعرّف على منهجيّة منظمة لتمييز صفات الله كما ندرس خطة الله وأعماله، وخاصة أحكامه، خليقته، وعنايته.
More
نود أن نشكر خدمات الألفية الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: http://arabic.thirdmill.org/seminary/course.asp/vs/god