أعماق الفكر اللاهوتي عند بولس: بولس وفكره اللاهوتيعينة

أعماق الفكر اللاهوتي عند بولس: بولس وفكره اللاهوتي

يوم 8 من إجمالي 11

اليوم 8:  ما حدث بالفعل – ولكن ليس بعد! - رومية ٦: ٣-٤ 

لقد أصبح شائعاً أن توصف نظرة بولس الأخروية بعبارة "ما حدث بالفعل والذي لم يحدث بعد" وذلك لأن بولس اعتقد بأن بعض جوانب الأزمنة الأخيرة أو الأيام الأخيرة قد تحققت بالفعل في المسيح في حين أن جوانب أخرى لم تتحقق بعد. والآن، دعونا نذكّر بما يحتويه هذا الوصف من معاني.

من جهة أخرى، وبحسب بولس، يكون الدهر الآتي قد حدث بالفعل وهو حاضر هنا والآن، وذلك في عدد من الصور المختلفة، والتي نذكر منها ثلاث كما تظهر في كتابات بولس. علّم بولس في المقام الأول بأن المرحلة الأخيرة في ملكوت الله بدأت "بالفعل" عندما صعد يسوع إلى عرشه السماوي. فمثلا كتب بولس في رسالته إلى أهل أفسس ١: ٢٠-٢١ أن الله الآب عندما أقام المسيح من بين الأموات:

وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا. (أفسس ١: ٢٠-٢١)

ومع أن مُلك المسيح يبدو محققاً بصورة أساسية في هذا الزمن الحاضر في السماويات أكثر منه على الأرض، يبقى الأمر صحيحاً أيضاً أن المسيح الآن يملك "بالفعل" على كل رياسة وسلطان. وبهذا المعنى، يكون مُلك الله في الدهر الآتي هو أيضاً حقيقة واقعة في هذا الدهر الحاضر.

نرى صورة ثانية من صور الدهر الآتي المحققة بالفعل في حاضر حياتنا، هي ما نسميه "التذوق المبدئي لميراثنا الأبدي في الروح القدس"، هذا التذوق هو بمثابة عيّنة تعطي فكرة عما سيجيئ. فقد علّم بولس بأن المسيح إذ ارتفع إلى عرشه في الأعالي، سكب الروح القدس على الكنيسة لكي نختبر مسبقاً عيّنة من الميراث الكامل العتيد أن يكون لنا بمجيء المسيح ثانية. وفي رسالة رومية ٨: ٢٣ أوضح الرسول بولس هذه الحقيقة بالقول إن المؤمنين هم أولئك الذين لهم باكورة الروح. وكلمة باكورة هي ترجمة للكلمة اليونانية aparche، وهذه ترجمة أيضاً لمصطلح في العهد القديم دل على الجزء الأول من الحصاد. وكانت كلمة باكورة بمثابة علامة أن حصاداً كبيراً متوقعاً في المستقبل. وهكذا ففي رأي بولس تكون عطية الروح القدس في حياة كل مؤمن هي بمثابة تذوق مبدئي للبركات العظيمة التي ستكون له في الدهر الآتي. 

كما يتحدث عن الروح القدس في رسالة أفسس ١: ١٤ فيقول إنه:

هُوَ عُرْبُونُ مِيرَاثِنَا لِفِدَاءِ الْمُقْتَنَى لِمَدْحِ مَجْدِهِ. (أفسس ١: ١٤)

وكلمة عربون هي ترجمة للكلمة اليونانية arrabon وهي تعبر عن الروح القدس باعتباره وديعة (عربون) مقدمة من الله لنا، ضامناً أننا سوف ننال منه أكثر كثيراً في المستقبل. ومرة ثانية نجد أن الروح القدس الذي هو بركة الدهر الآتي قد منحه الله لنا بالفعل في هذا الدهر.

وأخيراً أشار بولس إلى حقيقة أن المسيح قد احتفل بالخليقة الجديدة في ارتباطها بالدهر الآتي. وبفضل عمل المسيح يتمتع المؤمنون الآن جزئياً، بعملية خلق العالم من جديد. وقد وعد الله شعبه في العهد القديم، أنه في الأيام الأخيرة سيخلق العالم من جديد بكل ما تعنيه الكلمة، صانعاً إياه كاملاً كما كان قبل سقوط الإنسان في جنة عدن. دعونا نسمع كيف وصف الله لإشعياء الدهر الآتي في إشعياء ٦٥: ١٧:

لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً. (إشعياء ٦٥: ١٧)

برهنت الحقيقة المستقرة في ذهن بولس بأن "المسيح الآن يخلص البشر بالفعل"، على أن خلق العالم من جديد قد بدأ. وتعبّر رسالة ٢ كورنثوس ٥: ١٧ عن هذه الفكرة تعبيراً جيداً:

إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. (٢ كورنثوس ٥: ١٧)

ورغم أن بولس علّم بأن جوانب كثيرة من الدهر الآتي قد تحققت "بالفعل" في زمن المجيء الأول للمسيح، إلا أنه آمن أيضاً بأن بركات الأيام الأخيرة لم يحل أوان اكتمالها بعد. ولهذا تطلع بشوق إلى الوقت الذي فيه يتمم المسيح البركات والدينونة الأخيرة عند مجيئه الثاني. 

يوم 7يوم 9

عن هذه الخطة

أعماق الفكر اللاهوتي عند بولس: بولس وفكره اللاهوتي

البحث في لاهوت بولس، كيف ارتبطت إيمانياته بخدمته بالإضافة إلى وجهات نظرته اللاهوتية الرئيسية.

More

:نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات، يرجى زيارة الموقع http://thirdmill.org