أعماق الفكر اللاهوتي عند بولس: بولس وفكره اللاهوتيعينة
اليوم 6: الفكر الأخروي (الإسخاتولوجي) عند بولس – أفسس ١: ٢١
لكي نفهم كيف يمكن أن نوسّع مصطلح "إسخاتولوجي" ليشتمل على ما هو أكثر من حدث المجيء الثاني للمسيح، لابد أن نوجّه انتباهنا إلى بناء الفكر الإسخاتولوجي (الأخروي) عند بولس. كيف كان يفكر في "الأيام الأخيرة" أو "نهاية الزمن"؟ وهنا سينقسم فحصنا لهذا الموضوع إلى ثلاثة أجزاء هي: الأصول، التوسيع، وموضوعات الفكر الإسخاتولوجي الأخروي عند بولس. دعونا نفحص أولاً في أصول الفكر الأخروي عند بولس.
فكر علماء اللاهوت اليهود عادة في زمن بولس، بأن العهد القديم قسّم تاريخ العالم إلى دهرين رئيسيين. الدهر الأول هو زمن الخطية والضيقات الحاضرة، والذي أطلقوا عليه هذا الدهر أو باللغة العبرية "olam hazeh". وقد بلغ هذا الدهر أدنى مستوياته حينما عاقب الرب بني إسرائيل بلعنة إبعادهم ونَفيِهم إلى خارج أرض الموعد. فليس من المدهش أن يصطبغ أسلوب حديث علماء اللاهوت اليهود عن هذا الدهر بصبغة سلبية إلى حد بعيد جداً.
لكن الربيين (حاخامات اليهود أو أحبارهم المعلمون) آمنوا أيضاً بأن زمناً مستقبلياً للبركة سيعقب زمن الضيق الحاضر، وسموا هذا الزمن المستقبلي "بالدهر الآتي" أو باللغة العبرية "olam haba". وفي هذا الدهر الآتي سيحقق الله كل وعود البركة التي وعد بها شعب إسرائيل.
كما آمنت معظم الفرق اليهودية في زمن بولس بأن ظهور المسيّا سوف يمثل نقطة التحول الحاسمة بين هذين الدهرين. وعندما جاء المسيّا، جاء معه يوم الرب، وهو اليوم الأخير الذي يبارك الله فيه شعبه ويهلك أعداءه. وكان ذلك اليوم بمثابة إعلان بدء الدهر الآتي.
وعندما نقرأ رسائل بولس يتضح بجلاء إنه هو أيضاً كان يعتقد بنفس نظرة "الدهرين" للتاريخ. وفي الواقع، أشار بولس مباشرة إلى الدهر الذي عاش فيه بمصطلح هذا الدهر في ١٢ مناسبة على الأقل. فمثلا في ٢ كورنثوس ٤: ٤ نجد أن بولس يسمي الشيطان "إله هذا الدهر"، وفي ٢ كورنثوس ١: ٢٠ نجد أنه يتكلم عن الفيلسوف الوثني ويسميه "مُباحث هذا الدهر".
كما أن بولس استخدم تعبير الدهر الآتي للإشارة إلى عصر المستقبل الذي ستتحقق فيه الدينونة الأخيرة والبركات الأبدية للجنس البشري. فمثلاً، في ١ تيموثاوس ٦: ١٩ شجّع المؤمنين أن يعيشوا بأمانة لكي يدّخروا لأنفسهم "أساساً حسناً للمستقبل للدهر الآتي". وفي رسالة أفسس ٢: ٧ يقول بولس إن الله أقام المسيح من الأموات: "لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ..."
وربما يكون أفضل مثل يوضح به بولس فكرة "الدهرين" هو المثل الذي ذكره في رسالته إلى أهل أفسس ١: ٢١. حيث أشار، على نحو بيّن إلى كل من الدهرين عندما كتب عن المسيح الذي أجلسه الآب عن يمينه في السماويات:
فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا. (أفسس 1: 21)
الكلمة
عن هذه الخطة
البحث في لاهوت بولس، كيف ارتبطت إيمانياته بخدمته بالإضافة إلى وجهات نظرته اللاهوتية الرئيسية.
More
:نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات، يرجى زيارة الموقع http://thirdmill.org