نؤمن باللهعينة
اليوم 2: الإعلان والأسرار (الإعلان الإلهي)
إنَّ يَسُوع المسيح هو إعلان الله الأسمَى. لكِنْ في كتابات العهد الجديد، أوضَح المسيح أنه ليس إعلان الله الوحيد عن نفسِهِ. بل أكَّد أنَّ الله قد أعلن عن نفسِهِ بطرقٍ مُتنوعَة.
الأنواع:
عادةً ما يُحدِّدُ اللاهوتُ النظاميُّ نوعَينِ منْ إعلانِ اللهِ اللَّذَينِ أقرَّ بهِمَا يَسُوع نفسُهُ. النَّوعُ الأوَّلُ عادةً ما يُطلَقُ عليهِ الإعلانُ العامُّ أو الطبيعيُّ والإعلان الخاص.
الإعلان العام: يُشيرُ مُصطلحُ الإعلانُ العامُّ إلى التعليمِ الكتابيِّ القائلِ إنَّ اللهَ أعلنَ عن نفسِهِ للبشرِ من خلالِ كُلِّ خبرةٍ لهُم في الخليقةِ. وتماشِيًا مع بعضِ نُصوصِ العهدِ القديمِ، مثلَ المزمورِ 19، استخلَصَ يَسُوع نفسُهُ في أحيانٍ كثيرةِ دُروسًا لاهوتيَّةً مِن الإعلانِ العامِّ. فهُوَ كثيرًا ما استخدمَ الطبيعةَ والأنشطةَ البشريةَ الشائعةَ، مثلَ الزراعةِ والصيدِ، كي يُعلِّمَ عنِ اللهِ.
نَرَى شيئًا مشابهًا في مواضعٍ مثلَ سفرِ أعمالِ الرسُلِ 14: 17؛ 17: 28. في هذهِ الأعدادِ، اتَّبَع الرسولُ بولسُ مثالَ المسيحِ ولجأَ إلى الإعلانِ العامِّ. فقد وجَّهَ أنظارَ الأممِ إلى ما عَرَفُوهُ عنِ اللهِ من خلالِ التأمُّلِ في الطبيعةِ وفي الشِّعرِ اليونانيِّ. تُقدِّمُ رسالةُ رومِيَة 1–2 أكثَر الشُّروحاتِ توسُّعًا عنِ الإعلانِ العامِّ في كلمةِ اللهِ. فهذانِ الأصحاحانِ يلفِتانِ الانتباهَ إلى الجانبينِ: الإيجابيِّ والسلبيِّ اللَّذينِ لا بدَّ أن نضعَهُمَا في اعتبارِنَا فيما ندرِسُ العقيدةَ عنِ اللهِ. من الجانبِ الإيجابيِّ، تُعَلِّمُ رسالةُ رومِيَة 1–2 بأنَّهُ يُمكنُنا أن نتعلَّمَ عدَّةَ أشياءٍ مِن خلالِ خبراتِنَا الحياتيّةِ في خليقةِ اللهِ. حينَ ننظرُ نظرةً فاحصةً إلى هذينِ الأصحاحينِ، نرى أنَّ كلمةَ "المصنوعاتِ" تتعدَّى كونَهَا مجردَ نِظامِ الطبيعةِ. فما كانَ في ذِهنِ بولُسَ أيضًا هو ما نتعلَّمُهُ عنِ اللهِ من الثقافةِ البشريّةِ، والبشرِ أنفسهِمِ، وحتى من حياتِنَا الشخصيةِ الداخليةِ – أي ضمائِرِنَا، وحدْسِنَا، وهواجِسِنَا، وما إلى ذلكَ. على مدى قرونٍ، لَعِبَ هذا الجانبُ الإيجابيُّ من الإعلانِ العامِّ دورًا رئيسيًا في عقيدةِ اللهِ في صورةِ "اللاهوتِ الطبيعيِّ". فإنَّ اللاهوتَ الطبيعيَّ هو السَّعيُ المستمرُّ للتعلُّمِ عنِ اللهِ من خلالِ الإعلانِ العامِّ.
أسَّسَ فلاسفةُ اللاهوتِ الأكاديميونَ من الرُّوَّادِ في العصورِ الوُسطَى استراتيجيةً رسميةً ثلاثيةً للبحثِ في اللاهوتِ الطبيعيِّ.
أولًا، تحدثوا عن "طريقةِ السببيّةِ" أنَّهُ يُمكنُ أن نتعلَّمَ حقائقَ عنِ اللهِ من خلالِ ملاحظةِ الأشياءِ الحسنةِ التي خلقها اللهُ أو "تسبَّبَ في وُجودها" في خليقتِهِ. على سبيلِ المثالِ، يُمكنُنا أن نرى أن اللهَ خلقَ الجَمالَ والترتيبَ في العالمِ. وبهذا نستنتجُ أن اللهَ نفسَهُ لا بدَّ أنَّهُ جميلٌ وأنه إلهُ ترتيبٍ.
ثانيًا، تحدّثَ فلاسفةُ اللاهوتِ أيضًا عن "طريقةِ التبايُنِ" أي أنَّه يُمكنُ أن نستنتجَ حقائقَ عنِ اللهِ من خلالِ تبايُنِهِ مع محدودياتِ ونقائصِ الخليقةِ. على سبيلِ المثالِ، الخليقةُ محدودةٌ بالزمنِ، لكنَّ اللهَ سرمدِيٌّ. الخليقةُ محدودةٌ بالمكانِ، لكنَّ اللهَ غيرُ محدودٍ.
وثالثًا، تحدّثَ الفلاسفةُ العلماءُ في العصورِ الوُسطَى أيضًا عن "طريقةِ التسامِي" أنه يُمكنُ أن نستنتجَ حقائقَ عنِ اللهِ من الإعلانِ العامِّ من خلالِ ملاحظةِ أن اللهَ دائمًا أسمَى من الأشياءِ الحسنةِ التي خلقهَا. على سبيلِ المثالِ، تقودُنا قُوةُ الطبيعةِ إلى الإيمانِ بالقُوةِ الأسمَى للهِ. كما تُوجِّهُ إمكانياتُ الإنسانِ الفكريةِ أنظارَنا إلى حكمةِ اللهِ التي لا مثيلَ لها. فقد علّم يَسُوعُ أتباعَهُ بأنَّ اللهَ صمَّمَ كلَّ بُعدٍ من أبعادِ خبراتِنَا الشخصيةِ عنِ الخليقةِ كيْ يُعلِنَ أشياءَ عنْ نفسِهِ. ولِكَونِنَا شعبُ المسيحِ الأمناءَ، فلا بُدَّ أن نشتاقَ كي نُفَتِّشَ عن كُلِّ ما يمكنُ أن نتعلَّمَهُ عنِ اللهِ من خلالِ الإعلانِ العامِّ.
تُثير هذه الجوانب السلبية في الإعلان العام كلمة تحذير لازمة، حول الاعتماد بشكلٍ زائدٍ عن الحد، على اللاهوت الطبيعي. فالإعلان الطبيعي ليس معصومًا من الخطأ، لأن الخطية قد أَفسَدَتْ قُدرتَنَا على التَّعَلُّم عن الله من خِبراتِنَا عن خليقته. وعلى الرَّغم من أقصَى الجُهُود التي بَذَلَهَا علماء اللاهوت المسيحيين والمُخلصين، إلا أن اللاهوت الطبيعي كثيرًا ما أساء فَهم الإعلان العام، وأدخلَ أكاذيب إلى مَفهومِنَا عن الله.
الإعلان الخاص: يُعدُّ الإعلانُ الخاصُّ هو كشفُ اللهِ عن نفسِهِ من خلالِ وسائلَ خارقةٍ للطبيعةِ. فقد أعطى الروحُ القدسُ الإعلانَ من خلالِ أحلامٍ، ورؤًى، وأصواتٍ، ومن خلالِ أعمالِ خلاصهِ ودينونتِهِ العظيمةِ. كما أعلنَ اللهُ عن نفسِهِ من خلالِ مُمَثِّلِينَ بشريينَ أُوحِيَ إليهِم – أي أنبيائِهِ ورسلِهِ الذينَ أُوحِي إليهِم بالروحِ القدسِ. وبالطبعِ، كانَ الإعلانُ الخاصُّ الأعظمُ الذي قدمَهُ اللهُ هوَ في المسيحِ.
إن الإعلان الخاص لازِمٌ جدًّا لإتمامِ مقاصِدِ اللهِ حتَّى أنَّهُ قبلَ دُخولِ الخطيةِ إلى العالمِ، أرشدَ اللهُ آدمَ وحوَّاءَ مِن خلالِ إعلانٍ خاصٍّ شفهِيٍّ. وبالطبعِ، كانَ الإعلانُ الخاصُّ أيضًا جوهريًا بعدَ الخطيةِ. فهُوَ لا يُوجِّهُ محاولاتِنَا لفَهمِ الإعلانِ العامِّ فحسبُ، بلْ أيضًا يَكشِفُ وسيلةَ الخلاصِ الأبديِّ
كيف لنا أن نتعلَّمَ عنِ اللهِ اليومَ من خلالِ الإعلانِ الخاصِّ؟
علَّمَ المسيحُ أتباعَهُ أن يُكرّسوا أنفُسَهُم لإعلانِ اللهِ الخاصِّ في الأسفارِ المقدسةِ. فإنَّ نُصوصًا مثلَ إنجيلِ مَرْقُس 12: 28–34 تقولُ بوُضوحٍ إنَّ يَسُوعَ، مَثَلُهُ مَثَلُ الرَّابِّيِّينَ الآخَرِينَ في فِلسطينَ في عهدِهِ، أكّدَ على أنَّ العهدَ القديمَ هو إعلانُ اللهِ الخاصُّ المكتوبُ.
ونحنُ نعلمُ أيضًا أن العهدَّ الجديدَ هو إعلانُ اللهِ الموحَى بِهِ. ففي مواضعِ مِثلَ إنجيلِ يوحنا 16: 12–13، ورسالةِ أفسس 2: 20، نتعلّمُ أن يَسُوعَ بعدَ صُعودِهِ إلى السماءِ أرسلَ الروحَ القدسَ لتأهيلِ رُسُلِ وأنبياءِ القرنِ الأولِ كي يُعلنوا عنِ اللهِ لكنيستِهِ. فإنَّ العهدَ الجديدَ هو المجموعةُ التي تُمثّلُ الإعلاناتِ الخاصةِ لرسُلِ وأنبياءِ القرنِ الأولِ هؤلاء. ولهذا يُصِرُّ المسيحيّونَ الإنجيليّونَ على أنَّنا يُمكنُنَا أن نستنِدَ على الكتابِ المقدّسِ لتمييزِ إعلاناتِ اللهِ عن نفسِهِ في كلٍّ من الإعلانِ العامِّ والإعلانِ الخاصِّ على مرِّ التاريخِ.
الكلمة
عن هذه الخطة
من هو الله؟ ما هي صفاته؟ خطته الأزليّة؟ أعماله في التاريخ؟ على المستوى الأساسي، أُعطيت الأسفار المقدسة لنا لتعلّمنا عن الله وعمّا عمله من أجلنا. في الواقع، إن معرفة الله هي ضرورية لنا لكي نفهم أنفسنا وعالمنا. ولهذا ندرس ما يدعوه علماء اللاهوت بعقيدة الله، أو العقيدة عن الله. من خلال خطة القراءات هذه نتعرّف على منهجيّة منظمة لتمييز صفات الله كما ندرس خطة الله وأعماله، وخاصة أحكامه، خليقته، وعنايته.
More
نود أن نشكر خدمات الألفية الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: http://arabic.thirdmill.org/seminary/course.asp/vs/god