أسفار موسى الخمسةعينة

أسفار موسى الخمسة

يوم 25 من إجمالي 32

اليوم 25: الاعتبارات الأوليّة (المعنى الأصليّ)

يجب أن نلاحظَ من البدايةِ، أنّ لدى موسى عدداً من الأهدافِ العامّةِ التي كثيراً ما تَظهَرُ في العهدِ القديم. على سبيلِ المثال، إن سِفرَ الخروجِ سِفرٌ تسبيحيٌّ لأنّهُ يوجّهُ إسرائيلَ على الدوامِ إلى تسبيحِ اللهِ وعبادتهِ. لكنّه أيضاً سِفرٌ لاهوتيٌّ لأنّه يشرحُ بصورةٍ متكررةٍ حقائقَ عن الله. والسِفرُ بمجملهِ سياسيٌّ، بمعنى أنّه كُتِبَ ليشكّلَ الحياةِ الوطنيّةِ لإسرائيل. هو جدليٌّ أيضاً لأنه يقاومُ وجهاتِ النظرِ الخاطئةِ. وهو أخلاقيٌّ لأنّه يعلنُ كيف يجب أن يُطيعَ بنو إسرائيلَ اللهَ. وهو تحفيزيٌّ لأنّه يشجّعُ على الولاءِ لله ويحذّرُ من عدمِ الولاءِ له. وتُميّزُ هذه الأهدافُ وأخرى مشابِهة لها سِفرَ الخروجِ بكاملهِ بشكلٍ عامٍ.

رَغم أن هذه الخصائصَ وغيرَها لا تقتصرُ على سِفر الخروجِ، بل نجدُها أيضاً في عددٍ من أسفار الكتاب المقدس الأخرى، فقد كان لموسى هدفٌ فريدٌ وبارزٌ من خلالِ كتابةِ سِفر الخروج. ويُساعِدُنا أن نلخّصَ هذا الهدفَ الموحَّدَ في هذه الأسطر:

يُدافعُ سِفرُ الخروجِ عن سلطةِ موسى المُعطاةِ لهُ من اللهِ على الجيلِ الأوّلِ للخروجِ بغرضِ توجيهِ الجيلِ الثاني، ليُقِرّوا بسلطةِ موسى المستمرّةِ على حياتهم.

بينما نقرأُ سِفرَ الخروجِ، يتضّحُ لنا أنّ موسى رتّبَ سِجلَّهُ التاريخيّ بشكلٍ مناسبٍ للجيلِ الثاني. فلكي يُخاطِبَ أولئِك الذين خَيَّموا على حدودِ أرض كنعان، كان على موسى أن يُولي الاختلافاتِ العديدةِ بين الجيلَين الأوّل والثاني اهتماماً خاصاً. فقد أدرك أنّهم عاشوا في أزمنةٍ ومناطقٍ مختلفةٍ، وأنّهم واجَهوا تحدّياتٍ مختلفةٍ. لذلك قامَ موسى بصِياغةِ كلِّ جُزءٍ من سِفرِ الخروجِ ببراعةٍ ليُسلِّطَ الضوءَ على النقاطِ المشترَكةِ بينهما. وساعدت هذه الروابطُ قُراءهُ الأصليين على سَدِ الفجوةِ بينهم وبينَ أسلافهم.

1) الخلفيّات: 

شكّلَ موسى ثلاثةَ أنواعٍ أساسيّةٍ من الروابطِ جعلت سُلطةَ سِفرهِ جليّةً لقرّائهِ الأصليين. وتألفت أبسَطُ هذه الروابط من الخلفيّاتِ التاريخيّة. وقد ركّزت هذه المقاطعُ على الجذورِ التاريخيّةِ لامتيازاتِ القُراء الأصليين ومسؤوليّاتهم.

يَظهَرُ أحدُ أنواعِ الخلفيّاتِ التاريخيّةِ في الخروج 3: 8 حيث ارتبطَ وعدُ اللهِ لإسرائيل بتحقيقِ ذلك الوعد. يعد الله، في هذا العدد، أن يُصعِدَ شعبَ إسرائيلَ من مصر إلى "أرضٍ تفيضُ لَبَناً وعَسَلاً". وكانت لهذه النبوّةُ صلةً وثيقةً بقُراء موسى، لأنّهم كانوا على وَشْكِ أن يروها تتحقّقُ في زمنِهم.

نوعٌ آخرٌ من الخلفيّاتِ التاريخيّةِ يَظهَرُ في وصايا اللهِ إلى الجيلِ الأوّلِ وواجباتِ الجيلِ الثاني التي نتجت عنها. على سبيل المثال، يُخبِرُنا موسى في الخروج 20: 1-17، كيف أعطى اللهُ الجيلَ الأوّلَ الوصايا العشر. وكان هذا الحدثُ أساساً للواجباتِ الأخلاقيّةِ التي كان على الجيلِ الثاني الالتزامُ بها.

2) النماذج: 

قدّمَ موسى لقرّائهِ نماذجاً تاريخيّةً كان ينبغي عليهم إمّا الاقتداءُ بها أو رَفضُها. وبهدفِ توطيدِ هذا النوعِ من الروابطِ بين الجيلَين، صاغَ موسى بعضَ مقاطعهِ بشكلٍ يُبرِزُ أوجهَ الشبهِ الجوهريّةِ بين قُراء الجيل الأوّل وقُراء الجيل الثاني. استخدم موسى، في مقاطعٍ عديدةٍ، هذه الأنواعُ من أوجهِ الشبهِ ليُقدّمَ لقُرّائهِ الأصليّين نماذجاً سلبيّةً يجب أن يَنبِذُوها. على سبيلِ المثال، قدّمَ تَذَمُّر بني إسرائيل المتمرِّد المُتَكرِّر أثناءَ مسيرتهم نحو سِيناء، في الخروج 15: 24؛ 16: 2-12؛ 17: 3 نماذجاً سلبيّةً كان على الجيل الثاني أن يَنبِذُوها. بالمقابل، قدّمَ موسى أيضاً لقرّائهِ نماذجاً إيجابيّةً ليَقتَدوا بها. على سبيلِ المثال، أطاعت إسرائيلُ تعليماتِ اللهِ لبناءِ خيمةِ الاجتماعِ في الخروج 36: 8-38. وقد كان ذلك نموذجاً إيجابيّاً للجيل الثاني ليَقتَدوا به عندما يخدموا اللهَ لاحقاً في خيمة الاجتماع. كما قدّم موسى أيضاً نماذجاً مُختلَطةً، لشخصيّاتٍ اجتمعت فيها صفاتٌ إيجابيةٌ وأخرى سلبيةٌ معاً. كمثالٍ واحدٍ على ذلك، في الخروج 7: 8-13 أطاعَ هارونُ اللهَ عندما طرحَ عصاهُ أمامَ فرعون. وقد ساهمت طاعتهُ للهِ في إطلاقِ إسرائيلَ من مصر. لكن في 32: 1-35 صنعَ هارونُ عِجلاً من ذهبٍ ليَعبُدَهُ الشعب، وجلبَ عصيانُه هذا عقاباً شديداً على إسرائيل. وقدّم هذا للجيل الثاني من القُراء نموذجاً مختلطاً ليَقتدوا به من جهةٍ ويَنبِذوه من جهةٍ أخرى.

3) الظلال: 

صاغَ موسى، تدوينَهُ للأحداثِ بشكلٍ جعلَ تلكَ الأحداثِ ظلالاً تاريخيةً أو إشاراتٍ لقرائهِ من الجيل الثاني. لا يَرِد هذا النوعُ من الروابطِ في سِفر الخروج بقدرِ ما يَرِدَ في بعضِ أسفار العهدِ القديمِ الأخرى. لكن وصفَ موسى، في حالاتٍ معيّنة، أحداثاً من الماضي بطرقٍ جعلتها تتطابقُ بصورةٍ شِبهِ تامةٍ مع تجاربٍ مرَّ بها قُرّاؤه الأصليون. وتدلُّ هذه الظلالُ على أنّ التاريخَ بما حوى من أحداثٍ آنذاك، أعادَ نفسَه في أيّامِ الجيل الثاني. على سبيلِ المثال، نقرأ في الخروج 13: 18، "وَصَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُتَجَهِّزِينَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ". كان هذا الاستعدادُ العسكريُّ للجيلِ الأوّلِ ظلاً لكيفيةِ تجهيزِ الجيلِ الثاني كجيشٍ مستعدٍّ لدخول الأرضِ وامتلاكِها.

بطريقةٍ مشابهةٍ، يُخبِرُنا الخروج 40: 34-38 أنّه بمجردِ أن بدأت مراسيمُ الخدمةِ في خيمة الاجتماع بشكلٍ صحيحٍ، ظهرَ اللهُ على شكلِ سحابةٍ ونارٍ وهو يقودُ شعبهُ في مسيرتهم. كانت هذه الحقيقَة التاريخيّةَ توقّعٌ مُسبَقٌ، لما سيحدث بعد أربعينَ سنةٍ، حيث حضور الله الذي كان على وَشكِ قيادة قُراءِ الجيل الثاني في زمنهم إلى الأمام.

كما أن هناك ناحيتَين يَبرُز فيهما تركيُز السِفر على أهمّيّةِ موسى وسلطتهِ على إسرائيل.

أولاً: ليس من الصعبِ أن نرى أنّ موسى احتلَّ مركزَ الصدارةِ في سلسلةِ أحداثِ سِفرِ الخروج. صحيحٌ أن أولَ إصحاحين من الخروج لا يُعرِّفانِنا على موسى مباشرةً. لكن بعد أن نقرأ اسمهُ في الخروج 2: 10 تغدو كلُّ الأمورِ التي تحدثُ في السِفر متعلّقةٌ بموسى بشكلٍ واضحٍ. فعندما كان اللهُ مستعدّاً لنجاةِ شعبهِ من مصر، دعا موسى. وكان لموسى دورٌ فعّالٌ في كلِّ دينونةٍ فوقُ طبيعيّةٍ جاءت على المصريّين. حتّى أنّ انشقاقَ البحر حصلَ عندما أطاعَ موسى اللهَ وبسطَ يدهُ فوق المياه. وكان موسى قائدَ إسرائيل عندما قادَ اللهُ الشعبَ من مصر إلى جبلِ سيناء. كذلك قطعَ اللهُ عهدَه مع إسرائيل من خلالِ موسى. وأعطى موسى الشعبَ لوحَيّ الشريعةِ وكتابَ العهدِ نيابةً عن الله. وأعطى اللهُ موسى تعليماتِه بشأنِ خيمةِ الاجتماع. كما خدمَ موسى اللهَ خلالَ أزمةِ عبادةِ إسرائيلَ للأصنامِ عندَ أسفلِ جبلِ سيناء. وكان موسى مُشرِفاً على تَشييدِ خيمةِ الاجتماع.

ثانياً: يُسلِّطُ سِفر الخروج الضوءَ بشكلٍ متكررٍ على سلطةِ موسى على إسرائيل. ويُظهِرُ السِفر حقيقةَ تشكيكِ بني إسرائيل في سلطةِ موسى كقائدٍ لهم في مقاطعٍ مثلِ الخروج 2: 14؛ 5: 21؛ 15: 24؛ 16: 2-3؛ 17: 2. لكن في أحيانٍ أخرى، أقرَّ بنو إسرائيلَ بسلطةِ موسى عليهم وذلك في مقاطعٍ مثلَ الخروج 4: 31؛ 14: 31؛ 20: 19. ونقرأُ عن إعادةِ تأكيدِ الله على كونهِ هو من أقامَ موسى قائداً بسلطةٍ على إسرائيل، في مقاطعٍ مثلِ الخروج 6: 1-8، 10-13؛ 19: 9؛ 24: 2؛ 34: 1-4.

يوم 24يوم 26

عن هذه الخطة

أسفار موسى الخمسة

تدعى أول خمسة أسفار في العهد القديم عادة أسفار موسى الخمسة. وهي تروي  قصة شعب اسرائيل من الخلقية إلى الاعداد لامتلاك أرض الموعد. ولكن هل أسفار  موسى الخمسة هي مجرد سرد تاريخي لشعب الله المختار؟ أم هي شيء أكثر من  ذلك؟ نتعرّف في خطة القراءات هذه على الأسفار من التكوين إلى التثنية، من خلال  البحث في سبب كتابتها، ما قصدته لقرّائها الأصليين، والطريقة التي يجب بها  أن نتجاوب معها اليوم. نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر للأسفار من التكوين إلى التثنية. كما نشرح  كيف كان لقرّاء موسى الأصليين أن يفهموا الروايات القصصية الواردة في أول  خمسة أسفار في الكتاب المقدس، وماذا تعني هذه القصص للمؤمنين المعاصرين.

More

نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع:  http://arabic.thirdmill.org​​​​​​​