أسفار موسى الخمسةعينة
اليوم 28: البنية والمحتوى (الاستعداد لكنعان، الخروج 19: 1-40: 38)
ينقسمُ استعدادُ موسى وبني إسرائيلَ لدخولِ كنعان إلى قسمَين رئيسيَّين:
1) العهد مع إسرائيل (19: 1-24: 11):
يُجيبُ نصُّ سردِ العهدِ مع إسرائيل على سؤالٍ بالغِ الأهميةِ بالنسبةِ لقُراءِ سِفر الخروجِ الأصليين وهو: لماذا يجبُ على الجيلِ الثاني للخروج أن يخضعَ لشريعةِ العهدِ الذي تسلّمهُ أسلافُهم من موسى عندَ جبلِ سيناء؟ لماذا لا يسلكون طريقاً آخر؟
تُجيبُ الإصحاحاتُ المخصّصةُ للعهدِ مع إسرائيل عن هذا السؤال على أربعِ مراحل:
أولاً، استهلال العهد (19: 1-8أ): تُظهِرُ هذه الأعدادُ شروطَ العهدِ الموسَوي الأساسية: لقد أظهرَ اللهُ إحسانَهُ إلى بني إسرائيل؛ وطالبَهم بالولاءِ له؛ وهو سيُبارِكُهم إن هم أطاعوه. ويَختتِمُ الخروج في 19: 8 هذه الحادثةَ بجوابِ بني إسرائيل الحماسيّ بالإجماع: "كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ". وبالطبعِ، الفكرةُ واضحةٌ؛ فعلى قُراءِ الجيلِ الثاني لسِفرِ الخروج أن يَحذو حَذو أسلافِهم. عليهم أن يلتزِموا مجدّداً بعهدِ الله من خلالِ موسى بنفسِ الحماس.
ثانياً، ثقة بني إسرائيل بموسى (19: 8ب-20: 20): تركّزُ المرحلةُ الثانية من سلطةِ موسى والعهدِ مع إسرائيل على ثقةِ بني إسرائيلَ بموسى كوسيطٍ للعهدِ مع الله. وتمتدُّ من الخروج 19: 8ب-20: 20. تذكّر في الخروج 19: 9، أعطى اللهُ هذا الوعدَ لموسى. لاحظْ هنا قولَ اللهِ إّنه سيَظهرُ على جبلِ سِيناء ويتكلّمُ مع موسى "فيؤمنُ الشعبُ بموسى إلى الأبد. ثمّ تُظهِرُ الأحداثُ التاليةُ كيف أوفى الله بوعدهِ.
ثالثاً، شريعة العهد الموسَوي (20: 21-23: 33): تقدّمُ لنا هذه الإصحاحاتُ مُحتوى شريعةِ العهدِ الموسَوي. تؤكّدُ هذه المرحلةُ بأكملها على سلطةِ موسى بإشارتها إلى أن اللهَ بنفسه أمرَ موسى بتسليمِ الشريعةِ إلى شعبِ إسرائيل. تبدأُ هذه المرحلةُ في 20: 21-26. أمرَ اللهُ موسى هنا بأن يُخبِرَ شعبَ إسرائيلَ عن أحكامِ العبادة وفيها إرشاداتٍ عن الأصنامِ والمذابح. وتتوسعُ هذه الأعدادُ في شرحِ أولِ وصيّتين من الوصايا العشر. بعدها يَطلبُ اللهُ من موسى أن يُخبِرَ إسرائيلَ بمضمونِ كتابِ العهدِ في 21: 1-23: 33.
رابعاً، إقرار العهد (24: 1-11): تكمّلُ المرحلةُ الرابعةُ ما بدأَ مع استهلالِ العهدِ في الخروج 19: 1-8أ. لاحظ كيف يُردِّد الخروج 24: 3 و7، ما جاءَ في 19: 8 حيث أقرَّ بني إسرائيل بصوتٍ واحدٍ بالتزامِهم بطاعةِ كلِّ ما أمرَ به الله. وأكثرُ من ذلك، يُصوِّرُ المشهدُ الأخيرُ من هذه المرحلةِ كيف صَعَدَ قادةَ إسرائيل إلى جبلِ سِيناء، فرأوا اللهَ وأكلوا وشربوا في جوٍّ من الانسجامِ الرائعِ معه. فكانت غايةُ مشهدُ السلامِ والوئامِ مع الله تبديدَ كلِّ ترددٍ يمكن أن يكونَ قد شعرَ به قُراءُ الخروج الأصليين. كيف يمكنهم اختبارُ هذا السلامِ والوئامِ مع الله؟ فقط من خلالِ إقرارهِم بالسلطانِ المستمرِ لشريعةِ عهدِ اللهِ من خلالِ موسى في زمنهم.
2) خيمة اجتماع إسرائيل (24: 12-40: 38):
يقدّم سِفر الخروج (24: 12-40: 38) خيمة الله باعتبارها أكثر من مجرّد كنيسة صغيرة للعبادة. فهي خيمة حربه الملكيّة. وهكذا، في هذه الخيمة كان جيش إسرائيل يقدّم ولاءه لملكه الإلهي وكان ملك إسرائيل الإلهي يعلن فيها لجيش إسرائيل عن توجيهاته.
أولاً، التعليمات حول خيمة الاجتماع (24: 12-31: 18): ينقسمُ سِجلُّ سلطةِ موسى وخيمةِ اجتماعِ إسرائيل إلى ثلاثةِ أجزاءٍ رئيسيةٍ. يتألفُ الجزءُ الأولُ، في الخروج 24: 12-31: 18 من التعليماتِ التي أعطاها اللهُ لموسى حولَ خيمةِ الاجتماع. تبدأُ تعليماتُ اللهِ لبناءِ خيمةِ الاجتماعِ في الخروج 24: 12-18 مع دعوةِ اللهِ لموسى ليتسلّمَ الوصايا العشر على لوحَي الحجارة.
ثمّ تَظهَرُ تعليماتٌ محدّدةٌ من اللهِ ببناءِ خيمةِ الاجتماعِ في الجزء الثاني في 25: 1-31: 17. وقد تضمّنت هذه التعليماتُ وصفاً مفصّلاً لأثاثِ خيمةِ الاجتماعِ وطريقةِ تشييدها. كذلك أملى اللهُ على موسى إرشاداتٍ تختصُّ بخدّامِ خيمةِ الاجتماعِ والممارساتِ المتعلّقةِ بها بما في ذلك توجيهاتٌ إلى الكهنة، والحرَفيّين، والعمّالِ الماهرين. وأعطى اللهُ تعليمات مباشرة تتعلّقُ بيومِ السبت. يعكسُ عددُ وطولُ هذه التفاصيلِ مدى أهميّةِ التقيّدِ ببعضِ الأنظمة في خيمةِ اللهِ الحربيّةِ الملكيّة. ثمّ بعدَ هذا الجزءِ الرئيسيِّ من التعليماتِ، نقرأُ في الجزء الثالث عن نجاحِ موسى في استلامِ لوحَي الحجارةِ الذَين نُقِشَت عليهُما الوصايا العشر في الخروج 31: 18. وتختتم معهُ تعليماتُ اللهِ المتعلّقةِ بخيمةِ الاجتماع.
ثانياً، إخفاق وتجديد (32: 1-34: 35): تنقسمُ هذه الإصحاحاتُ إلى ثلاثةِ مراحلٍ رئيسيّةٍ. نقرأ في المرحلة الأولى في 32: 1-35 عن كَسْرِ بني إسرائيل لعهدهم مع اللهِ بعبادتِهم للعجلِ الذهبي عند جبل سيناء. وتؤكّدُ هذه الإصحاحاتُ على سلطةِ موسى، لأنّهُ جعلَ نفسَه واحداً مع إسرائيل وتشفّعَ لأجلِهم. قام موسى، معرِضاً حياتهُ للخطر، بالتوسّطِ للشعبِ أمام اللهِ فكَسِبَ عطفهُ، ولم يهلِك اللهُ الشعبَ تماماً.
تأتي بعد ذلك المرحلةُ الثانيةُ، في الخروج 33: 1-23، والتي نرى فيها تهديدَ الربِّ بالانسحابِ من وَسَطِ شعبه. فبعد أن تراجعَ اللهُ عن إهلاكهِ للشعبِ على الفور، أمرَ اللهُ موسى أن يتقدّمَ في المسيرةِ. لكنّ توعّدَ اللهُ أن ينزِعَ حضورهُ لئلّا تفنى إسرائيل في الطريق. لكن وقفَ موسى مرّةً أخرى إلى جانبِ الشعبِ وتضرّعَ بنجاحٍ من أجلِ إسرائيلَ وأزالَ التهديدَ بشأنِ حضورِ الله.
تتحدّثُ المرحلةُ الثالثةُ من هذا القسمِ، في 34: 1-35، عن تجديدِ عهدِ اللهِ مع إسرائيل. فقد أكّدَ اللهُ أنّه سيَسيرُ أمامَ بني إسرائيل إلى كنعان عن طريقِ تجديدِ عهدهِ معهم. ويرفعُ هذا الإصحاحُ من شأنِ موسى كقائدٍ لبني إسرائيل، إذ نقرأُ فيه عن شفاعاتِ موسى الفعّالةِ من أجل الشعبِ خلال تجديدِ العهد.
ثالثاً، اكتمال خيمة الاجتماع (35: 1-40: 38): تبدأُ هذه الإصحاحاتُ بالتذكيرِ بحفظِ السبتِ في 35: 1-3. ثمّ كلّفَ اللهُ موسى بتشييدِ وتشغيلِ خيمةِ الاجتماعِ في 35: 4-39: 43. ويصفُ الخروجُ في 40: 1-33 تشييدَ خيمةِ الاجتماعِ الفعليّ. وتُظهِرُ التفاصيلُ في هذه الأعدادِ كيف يتطابقُ تشييدُ خيمةِ الاجتماع، خيمةُ اللهِ الحربيّةِ الملكيّةِ، مع تعليماتِ اللهِ السابقةِ تماماً. وينتهي هذا الجزءُ في 40: 34-38 مع مباركةِ الله لإسرائيل كنتيجةٍ لاكتمالِ خيمةِ الاجتماع.
ويركّزُ هذا المشهدُ الأخيرُ لمباركةِ اللهِ لإسرائيل مرّةً أخرى على سُلطةِ موسى. فهو يشجّعُ القُراءَ الأصليين على الخضوعِ لموسى من خلالِ الالتزامِ بكلِّ مراسيمِ خيمةِ الله، لكي يَحصَلوا هم أيضاً على بركةِ الله. ختمَ موسى سِفرَهُ بمجموعِ رحلاتِ بني إسرائيل المجيدةِ نحو أرضِ كنعان. وأشارَ إلى استمرارِ حضورِ اللهِ، لأنّ الجيلَ الأوّلَ خضعَ لتعليماتِ موسى بشأنِ خيمةِ الاجتماع. وكان بإمكان قُراءِ الجيل الثاني رؤيةَ حضور اللهِ المَهيبِ بأعينهم. وإن كانوا يرجون أن يحافظوا على حضورِ اللهِ في وسَطِهم بينما يرحلون ليمتلكوا أرضَ الموعد، فلابدّ أن يخضَعوا لتعليماتِ موسى بشأنِ خيمة الاجتماع -تعليماتِ خيمةِ الحربِ الملكيّةِ التي لملكهم الإلهي.
الكلمة
عن هذه الخطة
تدعى أول خمسة أسفار في العهد القديم عادة أسفار موسى الخمسة. وهي تروي قصة شعب اسرائيل من الخلقية إلى الاعداد لامتلاك أرض الموعد. ولكن هل أسفار موسى الخمسة هي مجرد سرد تاريخي لشعب الله المختار؟ أم هي شيء أكثر من ذلك؟ نتعرّف في خطة القراءات هذه على الأسفار من التكوين إلى التثنية، من خلال البحث في سبب كتابتها، ما قصدته لقرّائها الأصليين، والطريقة التي يجب بها أن نتجاوب معها اليوم. نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر للأسفار من التكوين إلى التثنية. كما نشرح كيف كان لقرّاء موسى الأصليين أن يفهموا الروايات القصصية الواردة في أول خمسة أسفار في الكتاب المقدس، وماذا تعني هذه القصص للمؤمنين المعاصرين.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: http://arabic.thirdmill.org