أسفار موسى الخمسةعينة

أسفار موسى الخمسة

يوم 27 من إجمالي 32

اليوم 27: البُنية والمحتوى (النجاة من مصر، الخروج 1: 1-18: 27)

يَنقسمُ سِفرُ الخروجِ إلى قسمَين أساسيَّين: القسمُ الأوّلُ، من 1: 1-18: 27 يركّزُ على نجاةِ موسى وإسرائيلَ من مصر إلى جبلِ سِيناء. القسمُ الثاني، من 19: 1-40: 38، ويتناولُ استعدادَ موسى وإسرائيلَ لكنعانٍ عند جبلِ سِيناء.

النجاة من مصر (الخروج 1: 1-18: 27): 

يبدأُ القسمُ الذي يتناولُ نجاةَ موسى وإسرائيلَ من مصر بالتركيزِ على سلطةِ موسى قبلَ نجاة إسرائيل. ونرى ذلك بوضوحٍ في الخروج 1: 1-4: 31. ثمّ، في 5: 1-18: 27، يُركّزُ موسى على الأحداثِ التي حصلت أثناءَ نجاةِ إسرائيل.

1) قبل النجاة (1: 1-4: 31):

يُمكن تقسيمُ الأحداثِ التي جرت قبلَ نجاةِ إسرائيلَ إلى قسمَين: 

القسم الأول، الولادة والتنشئة (1: 1-2: 10): كما تبدأُ القصّةُ، خَشِيَ فرعونُ من عِصيان بني إسرائيلَ الذين تزايدَ عددُهم بشكلٍ كبيرٍ. فابتكرَ ثلاثَ خططٍ داهيةٍ ليَحُدَّ من تكاثرهم. لكن حيلتهُ لإذلالِهم بالعملِ الشاق فَشِلَت. كما فَشِلَ أيضاً أمرهُ للقابلاتِ بقتلِ المواليدِ الذكورِ في إسرائيل عندَ ولادتِهم. والأهمّ من ذلكَ كلّهِ فَشِلَ أيضاً أمره بإغراقِ الأولادِ الذكورِ من بني إسرائيل في النيلِ.

وتَظهَرُ المفارقاتُ في سلسلةِ الأحداثِ هذه. لكن تَظهَرُ المفارقةُ الكُبرى عندما أَحبَطت ابنةُ فرعون خِطةَ أبيها الأخيرة بإنقاذِها موسى من الغرقِ في النيل. ثمّ في 2: 10، دعت ابنةُ فرعون الصبيّ موسى وقالت: "إِنِّي انْتَشَلْتُهُ مِنَ الْمَاءِ". يعني "موسى" في لغةِ المصريّين بكلِّ بساطةٍ "ابن"، ويُظهِرُ لمعظمِ الناسِ بأنّ موسى فردٌ من البلاطِ الملكي. لكنّ شرحت ابنةُ فرعون بوضوحٍ أنّها اختارت اسمَ موسى لأنّه يُشبِهَ الفعل العبري "مشا" מָשָׁה ومعناهُ "انتشل". إذاً في مفهومِ بني إسرائيل الأمناء، لم يُشِر اسمُ موسى إلى أنّه ابنُ فرعون، بل كان هذا الاسمُ يَسخرُ من فرعون مُذكِّراً إسرائيلَ كيف أنّ كلَّ محاولاتِ فرعون لإيذائِهم باءت بالفشل.

القسم الثاني، الصعود للقيادة (2: 11-4: 31): في الخروج 2: 14، تواجَهَ عبدٌ إسرائيليٌّ مع موسى سائلاً إيّاهُ، "من جعلكَ رئيساً وقاضياً علينا؟" ويُجيبُ هذا المقطعُ بكاملهِ عن هذا السؤالِ شارحاً كيف أصبحَ موسى قائدَ إسرائيل الرسميّ. يَظهَرُ الجوابُ على سؤالِ العبدِ الإسرائيليّ في توازٍ متقابلٍ سداسيٍّ، والتوازي المتقابل هو بُنيةٌ أدبيّةٌ تكونُ فيها المقاطعُ السابقةُ متوازيةً مع المقاطعِ اللاحقةِ أو متوازنةً معها.

أوّلاً، يُشكِّلُ هروبُ موسى من مصر، في الخروج 2: 11-15، دعماً لموسى كقائدٍ على إسرائيل من خلالِ شرحهِ أنّه هربَ من مصر بعدَ قيامهِ بقتلِ مصريٍّ دفاعاً عن عبدٍ إسرائيلي.

ثانياً، انضمّ موسى إلى عائلةٍ مديانيّةٍ في 2: 16-22. ويَذكُرُ العدد 22 أنّ ابن موسى كان يُدعى "جَرشِوم". وكما يشرحُ هذا المقطع، يُشبهُ لفظُ الاسم جرشوم العبارةَ العبريّةَ "جير شام" גֵּר שָׁם ومعناها "غريباً هناك". ويُشيرُ الاسمُ إلى أنّ موسى شعرَ كما لو أنّهُ غريبٌ بين المديانيّين. بكلماتٍ أخرى لم تَغِب هويّتهُ الحقيقيّةُ كإسرائيليٍّ عن ذهنهِ يوماً.

ثالثاً، يوجّهُ خروج 2: 23-25 الأنظار إلى تَذَكُّرِ اللهِ لعهده. إذ يَذكُرُ هذا المقطعُ كيف صرخَ بنو إسرائيلَ إلى اللهِ ليُنجِدَهُم، وسَمِعَ اللهُ لهم متذكِّراً وعدَهُ لآباءِ إسرائيل.

رابعاً، يتطابَقُ هذا الجزء مع ما جاء في الجزءِ السابقِ. إذ يَرِد في 3: 1-4: 17 كلامُ عن تفويض اللهِ لموسى عندَ العلّيقةِ المشتعلةِ. تَثبّتَ دورُ موسى القياديّ هنا بحقيقةِ أن اللهَ تذكّرَ عهدَهُ مع الآباءِ، داعياً موسى إلى إصعادِ شعبِ إسرائيلَ من مصر إلى أرضِ الموعد.

خامساً، يَتوازى هذا الجزء الممتدُّ من الخروجِ 4: 18-26 مع الجزءِ الثاني عن الفترةِ التي قضاها موسى مع عائلتهِ المديانيّة. ويصفُ هذا الجزءُ مغادرةَ موسى لعائلتهِ المديانيّة. ويوجّهُ هذا المقطعُ الأنظارَ مجدّداً نحوَ جَرشوم بعد أن فشلَ موسى في ختانِه. وهدّدَ اللهُ في هذا المقطعِ بقتلِ موسى بحَسَبِ العهدِ الذي قطعهُ مع إبراهيم في التكوين 17: 10-14. لكن حتّى هذه الحادثة أظهرت دعمَ اللهِ لقيادةِ موسى. ونعلمُ ذلك لأنّ الله أظهرَ رحمتَهُ عندما قامت صَفّورة، زوجةُ موسى المديانيّة، بختانِ جرشوم.

سادساً، بالتوازنِ مع هروبِ موسى من مصر في البدايةِ، يُخبِرُنا الخروجُ في 4: 27-31 عن عودةِ موسى إلى مصر مع هارون. ونجدُ هذا أيضاً تثبيتٌ لصعودِ موسى للقيادةِ. ونعلمُ في 4: 31 أنّ بني إسرائيل آمنوا باللهِ وسجدوا لهُ لأنّه أرسلَ موسى إليهم.

2) خلال النجاة (5: 1-18: 27): 

بدأت معظمُ أعمالِ موسى خلالَ نجاةِ إسرائيل بالوقت الذي قضاهُ في مصر، وقد وردت في الخروج 5: 1-13: 16. بعد ذلك، نتعلّمُ عن قيادةِ موسى خلالَ المسيرةِ من مصر إلى جبلِ سِيناء، في الخروج 13: 17-18: 27.

القسم الأول، في مصر (5: 1-13: 16): تردُّ أيامُ موسى في مصر على الاعتراضاتِ التي يمكن أن يكون موسى قد واجهَها نتيجةً لمساعيهِ الأولى في مصر، والتي ساهمت دونَ قصدٍ في ازديادِ معاناةِ شعبِ إسرائيل. في 5: 1-6: 27، نقرأُ سلسلَتَين متوازيَتَين تتضمّنُ كلٌّ منهما رفضُ إسرائيلَ لقيادةِ موسى، رثاءُ موسى وتأكيدُ الله. وتُظهرُ السلسلةُ الأولى في 5: 1-6: 8. رفضَ بني إسرائيل لموسى، لأنّهُ أثارَ غضبَ فرعون تجاههم. فقدّمَ موسى رثاءً بتواضعٍ. ثم أكّدَ اللهُ لهُ دعوتَهُ من جديدٍ لقيادةِ شعب إسرائيل.

أمّا السلسلةُ الثانية ُالتي تَرِدُ في 6: 9-27 فتَتْبَعُ النمطَ عينه. فبعدَ رفضِ إسرائيل لموسى مرّةً ثانية ورثاءِ موسى مجدّداً، يأتي تأكيدُ اللهِ هذه المرّة على شكلِ سلسلةِ نَسَبٍ. ويتتبّعُ 6: 13-27 سُلالةُ موسى وهارون من جَدّهم لاوي إلى فِنحاس حفيدُ هارون. وبالطبع لاوي هو أحدُ رؤساءِ الآباءِ الاثني عشر. وبحسبِ ما ورد في سِفر العدد الإصحاحين 25 و31، قادَ فِنحاسُ بني إسرائيل في خدمةِ الله بأمانةٍ في أيّامِ الجيلِ الثاني. وأكّدَ اللهُ مجدّداً للجيلِ الثاني هنا أنّ موسى وهارون كانا إسرائيليّيْن حقيقيّين، منحدرَين من أسباطِ يعقوب. ويمكنهم أن يروا من خلالِ فِنحاس مباشرةً تراثَ موسى وهارون الأمين، ويتأكّدوا من دعوة اللهِ لأولئكَ الرجالِ لقيادتِهم. كذلك تؤكد أعمال موسى في مصر، أي دينوناتِ اللهِ فوقِ الطبيعيّةِ على مصر في الخروج 6: 28-13: 16، على سلطةِ موسى مُشيرةً إلى الدوِر المهمّ الذي لَعِبَه في الضَرَبات فوق الطبيعيّةِ التي أنزَلها اللهُ كدينونةٍ على المصريّين.

القسم الثاني، خلال المسيرة (13: 17-18: 27): على الرغم من المصاعب التي واجهها شعب إسرائيل في طريقهم إلى سيناء، لا بدّ أن نذكر أنّهم لم يتركوا مصر بدون استعداد. فيخبرنا سِفر الخروج بوضوح في 13: 18 أنّ بني إسرائيل صعدوا من أرض مصر وهم "مُتَجَهِّزِونَ للمعركة". وفي ضوء الجوّ العسكري هذا، يتّصف هذا الجزء بكامله بسرده للنزاعات مع الشعوب الأخرى وحاجة جيش إسرائيل إلى الماء والطعام. تنقسمُ مسيرةُ بني إسرائيل في صفوفِ المعركةِ إلى أربعةِ أجزاءٍ رئيسيةٍ:

أولاً، التأكيدَ على سُلطةِ موسى عندَ البحرِ في 13: 17-15: 21. في خروج 14: 31 بعد أن عَبَرَ بنو إسرائيلَ البحرَ على اليابسةِ، نقرأ هذا التأييدَ لموسى: "فَخَافَ الشَّعْبُ الرَّبَّ وآمَنُوا بِالرَّبِّ وَبِعَبْدِهِ مُوسَى". 

ثانياً، بعدَ ذلك سارَ بنو إسرائيلَ إلى بَرِّيَّةِ شُورٍ في 15: 22-27. اعترض الشعبُ على سلطةِ موسى في بَرِّيَّةِ شُورٍ، وتذمّروا على موسى لأنّ الماءَ التي وجدَها لم تصلُح للشرب. فرفعَ اللهُ موسى كقائدٍ على إسرائيل إذ أَرَاهُ شَجَرَةً فَطَرَحَهَا فِي الْمَاءِ فَصَارَ الْمَاءُ عَذْباً.

ثالثاً، وصلَ بنو إسرائيلَ إلى بَرِّيَّةِ سِين في 16: 1-36. اعترضَ بنو إسرائيل في برّيّة سين على قيادةِ موسى مجدداً وتذمّروا على موسى وهارون. لكن شدّدَ موسى، هذه المرّة في العددِ 7 على أنّ تذمّرَهم في الحقيقةِ هو على الله. وبرّرَ اللهُ موسى بإعطاءِ الشعبِ السَلوى ليأكلوا، وتقديمِ المنًّ لهم بانتظام.

رابعاً، رحلَ بنو إسرائيلَ إلى رفيديم في الخروجِ 17: 1-18: 27. ينقسمُ هذا الجزءُ الطويلُ نسبيّاً إلى ثلاثةِ أحداث. أوّلاً، في الخروج 17: 1-7، قامَ الشعبُ بتجربةِ اللهِ عندما تذمّروا مرّةً أخرى حول الماء. وكان ردًّ اللهِ على هذا التذمّرِ بالطلبِ من موسى أن يأخذَ معهُ شيوخَ إسرائيلَ إلى جبلِ سِيناء. أمرَ اللهُ موسى هناك بضربِ الصخرةِ فخرجَ منها ماءٌ. ورَغم هذه المعجزةِ، ازدادَ تذمّرُ بني إسرائيل على اللهِ أكثرَ فأكثر. فتساءَلوا في العدد 7 بروح تحدّي وتمرُّد، "أَفِي وَسْطِنَا الرَّبُّ أَمْ لاَ؟". فحسمت هاتان الحادثتان المسألة.

حتى نفهم كيف تُجيب هاتان الحادثتان عن هذا السؤال، نحتاجُ أن نتذكّرَ أمراً يعرفهُ بنو إسرائيل جيّداً. في التكوين 12: 3، وعدَ اللهُ إبراهيم بأنّه سيُبارك مباركيّ إسرائيل ويلعنُ لاعنِيهم. لهذا وتماشياً مع هذا الوعد، في الخروج 17: 8-16، عندما هاجمَ عماليق بني إسرائيل، هزمَهُم اللهُ ولعنَ عَمَالِيق. ثمّ في آخرِ حادثةٍ وردت في هذا المقطع، في 18: 1-27، أتى يَثرون إلى موسى مُسالِماً. وقد باركَ اللهُ يَثرون، لأنه كان بركةً لبني إسرائيل. تُبيِّن هاتانِ الحادثتان دونَ أدنى شكّ أنّ اللهَ كان في وسطِ شعبِ إسرائيل تماماً كما وعدَ إبراهيم. وإذ تَبِعَ جيشُ إسرائيلَ موسى، حصلوا على حمايةِ حضورِ الله القويِّ في وسَطهم.

يوم 26يوم 28

عن هذه الخطة

أسفار موسى الخمسة

تدعى أول خمسة أسفار في العهد القديم عادة أسفار موسى الخمسة. وهي تروي  قصة شعب اسرائيل من الخلقية إلى الاعداد لامتلاك أرض الموعد. ولكن هل أسفار  موسى الخمسة هي مجرد سرد تاريخي لشعب الله المختار؟ أم هي شيء أكثر من  ذلك؟ نتعرّف في خطة القراءات هذه على الأسفار من التكوين إلى التثنية، من خلال  البحث في سبب كتابتها، ما قصدته لقرّائها الأصليين، والطريقة التي يجب بها  أن نتجاوب معها اليوم. نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر للأسفار من التكوين إلى التثنية. كما نشرح  كيف كان لقرّاء موسى الأصليين أن يفهموا الروايات القصصية الواردة في أول  خمسة أسفار في الكتاب المقدس، وماذا تعني هذه القصص للمؤمنين المعاصرين.

More

نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع:  http://arabic.thirdmill.org​​​​​​​