أسفار موسى الخمسةعينة
اليوم 30: المواضيع الرئيسية (رجل الحرب المنتصر، الخروج 5: 1-18: 27)
تُظهِرُ الاكتشافاتُ الحفريّةُ لكلِّ إمبراطوريةٍ رئيسيةٍ في زمنِ موسى كم كان شائعاً بالنسبةِ لمقامَي الملكِ البشريّ والإلهيّ أن يرتبطا بالانتصارِ في الحرب. من هنا، حتى التلميحُ البسيطُ إلى اللهِ كرجلِ حربِ إسرائيل المنتصر، كان بمثابةِ إشارةٍ إلى كونهِ ملك إسرائيل المنتصر أيضاً.
1) الله كملكِ إسرائيلَ رجلِ الحربِ المنتصِر في مصر (الخروج 5: 1-13: 16):
يَظهَرُ هذا الموضوعُ طولَ سِفرِ الخروج، لكنّنا نراهُ على وجهِ الخصوصِ في مرحلةِ تحريرِ إسرائيل في 5: 1-13: 16. فدينوناتُ اللهِ فوقَ الطبيعيةِ ضدَ مصر لم تُعزّز سُلطةَ موسى فحسب؛ بل أظهَرت انتصارَ اللهِ كملكِ إسرائيل رجلِ حربٍ. في الخروج 12: 12، لخّصَ اللهُ أهميّةَ ضربتهِ العُظمى، ضربةِ الفِصحِ. في هذا العدد، أعلن الله عن نفسِه بقولهِ "أنا الربّ"، أو "أنا يهوه". يُعرِّفُ اللهُ عن نفسِه هنا أيضاً كالذي يتذكّرُ عهده عن طريقِ تحقيقهِ له. فكملكِ إسرائيلِ رجلِ الحربِ المنتصر، سيَضربُ الله ُ"كُلَّ بِكْرٍ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ". بكلماتٍ أخرى، سيقومُ بتدميرِ المصريّين ومجتمعهم لأنّهم جعلوا أنفسَهم أعداءً له. وإلى جانب هذه الناحيةِ البشريّةِ للحكمِ الإلهيّ، "سيَصنع الله أحكاماً بكلّ آلهةِ المصريين". سيَهزمُ اللهُ الآلهةَ المزيّفةَ، تلك الأرواحَ الشرّيرةَ التي عبدَها المصريّون.
بإمكاننا أن نرى هذه الثنائيّةُ في دينوناتِ يهوه فوقَ الطبيعيةِ التي صنعها بفرعون والمصريّين. فغالبيّةُ هذه الدينوناتِ، إن لم تكن جميعها، حققت انتصاراً على إلهٍ أو أكثرَ من آلهةِ المصريّين المزيّفة. على سبيل المثال، عندما تحوّلت عصا هارون إلى ثعبان وابتلعت ثعابينَ سَحَرةِ فرعون، لم يكن ما حصلَ انتصاراً على فرعون فحسب، بل انتصارٌ على القوّةِ الإلهيّةِ الممثّلةِ بأفعى الكوبرا والتي تُزيّنُ تاجَ فرعون. وعندما حوّلَ اللهُ مياهَ النيلِ إلى دمٍ، أثبتَ جبروتَهُ على آلهةِ وإلاهاتِ المصريّين التي ارتبطت بالنيل مثل حابي وسوبيك المصوّرَين في هيئةِ تمساح، وخنوم وحات محيت المرموزِ إليهما بالسمكة. وأظهرت ضربةُ الضفادعِ قوّةَ اللهِ على حقات الإلهةَ المصريّةَ المصوَّرةَ بامرأةٍ برأسِ ضفدع. لسنا نعلمُ عن آلهةٍ مصريةٍ ارتبطت بصورةٍ مؤكَّدةٍ بضربةِ البعوض. لكن قدّم العلماءُ بعضَ الاقتراحاتِ في هذا الموضوع، مثلُ أن تكون هذه الضربةُ موجّهةً لهزيمةِ جب، إلهُ الأرض. وربما كان الغرضُ من هذه الضربةِ إذلالاً لكهنةِ المصريّين وسَحَرَتِهم. أمّا ضربةُ الذبّان فربما كانت موجّهةٌ ضدّ الإلهِ خبري الذي يُصوَّر غالباً في هيئةِ الخنفساءِ الطائرة. وأظهرَ موتُ المواشي قدرةَ اللهِ على مجموعةٍ من الآلهةِ المصوَّرةِ في هيئةِ عجولٍ مثلِ أبيس، وبوخيس، ومنفيس، وبتاح ورع وأيضاً إيزيس ملكةُ الآلهةِ وحتحور إلهةُ الجمالِ والحبّ. فهاتانِ الإلهتانِ مصوّرَتانِ في هيئةِ بقرةٍ. كذلك كانت ضربةُ الدماملِ إعلاناً عن قدرةِ اللهِ على سخمت وإمحوتب اللذيْن كانا مرتبطَين بالمرضِ والشفاء. أظهرت ضربةُ البَرَد قدرةَ اللهِ على نوت إلهةُ السماءِ وشو الإلهُ الذي حملَ السماء. وكان الجرادُ تحدّياً لسينهيم الإلهُ الذي يَحمي من الأوبئة. بينما أظهرت ضربةُ الظلامِ قدرةَ يهوه على رع أو أمون رع إلهُ الشمسِ العظيم. أمّا الضربةُ الختاميّةُ التي جلبتِ الموتَ على كلِّ مولودٍ بِكرٍ في مصر كانت تحدّياً لمين وإيزيس الآلهةُ المرتبطةُ بالإنجاب. فكما تُشيرُ هذه الروابطُ، لم تثبت دينوناتُ اللهِ فوقُ الطبيعيةِ في مصر انتصارهُ على أعدائهِ البشريّين فحسب، بل أيضاً على أعدائهِ الروحيّين، على قِوى الشيطان.
2) الله كملكِ إسرائيلَ رجلِ الحربِ المنتصِر في المسيرة (الخروج 13: 17-18: 27):
لا شك، أنّ حقيقةَ قيادةِ اللهِ لجيشِ إسرائيلَ وسطَ المشقّاتِ في الطريقِ إلى جبل سيناء تُظهِرُ اللهَ كملكِ إسرائيل رجلِ الحرب. لكن ربّما الطريقةُ الأفضلُ لشرحِ هذا الجانبِ من سِفرِ الخروج هي بالعودةِ مجدّداً إلى الأنشودةِ التي رنّمها موسى عند البحرِ الأحمر (خروج 15: 3-4). يعرّف موسى يهوه هنا بكلِّ وضوحٍ "كرجلِ الحربِ"، ثمّ يعودُ ويكرّرُ أنّ "يهوه اسمه". كان هذا الارتباطُ الوثيقُ بين اسمِ اللهِ واللهِ كرجلِ الحربِ أساسَ العبارةِ المألوفةِ التي نقرأها في العهد القديم "ربّ الجنود" أو "يهوه الجيوش". وكما يُشيرُ اسمهُ، اللهُ، الملكُ رجلُ الحربِ، هو من صنعَ الجنودَ أو الجيوش، وهو هزمَ أعداءَهُ. وهزمَ في هذه الحالة، "مركباتِ فرعون وجيشه" بإلقائِهم "في البحر".
ثمّ في الخروج 15: 11، يعرّفُنا موسى أيضاً على الناحيةِ الروحيّةِ لانتصارِ الله. لم يُظهِر انتصارُ اللهِ قدرتَهُ على جيشِ المصريّين من البشرِ فحسب، بل أعلنَ أيضاً عن انتصارهِ على آلهةِ المصريّين المزيّفة.
شدّدَ سِفرُ الخروجِ على انتصارِ يهوه على فرعون وآلهتهِ المزيّفةِ ليمنحَ الجيلَ الثاني من القُراءِ ثقةً بالله. فاللهُ قادرٌ على هزيمةِ أعدائهم البشريّين والروحيّين أيضاً. عرفوا كيف حاربَ اللهُ عن أسلافهم في الأزمنةِ الماضية. وبذلك صاروا على يقينٍ بأنّه سيَجلبُ لهم النصرَ في المستقبلِ بينما يدخلون لامتلاك أرض كنعان. بالطريقةِ ذاتِها، بينما يتعلّمُ المسيحيّون عن انتصارِ الله في سِفر الخروج، يمكننا أن نتأمّلَ في تعليمِ العهدِ الجديد عن انتصارِ المسيح. يعلّمُ العهدُ الجديد في مقاطعٍ مثلِ متى 12: 28-29، يوحنا 12: 31، وكولوسي 2: 15، أنّ المسيحَ لعبَ دورَ إلهنا الملكُ رجلُ الحربِ عندما أسسَ ملكوته. لكن عندما غلبَ يسوعُ الشيطانَ وآلهةَ العالمِ المزيّفةِ، منحَ برحمتهِ جميعَ الذين أسلموا أنفسَهم إليهِ الغفرانَ والمصالحةَ مع الله.
ونعلمُ من مقاطعٍ مثلِ 1 كورنثوس 15: 25، العبرانيين 1: 3، و1 بطرس الأولى 3: 22 أنّ يسوعَ هو ملكُنا المنتصرُ رجلُ الحربِ خلالَ فترةِ استمراريةِ ملكوته. لذا نحن مدعوّونَ عبرَّ تاريخِ الكنيسةِ أن نَحذو حَذوَ المسيحِ في هزيمةِ الشيطانِ وسائرِ الأرواحِ الشريرةِ في العالم. ونحن مدعوّونَ أيضاً للاستمرارِ في منحِ الغفرانِ والمصالحةِ مع اللهِ من خلالِ الإيمانِ بالمسيح.
أخيراً، في مقاطعٍ مثلِ 2 تسالونيكي 1: 6-7، العبرانيين 10: 27، و2 بطرس 3: 7، نجدُ أنّه عندَ اكتمالِ ملكوتهِ، سيَعود المسيحُ مرّةً أخرى كالإلهِ الملكِ رجلِ الحرب. لكن عندَ عودتهِ، سينتهي عرضُ المسيحِ الرحومِ للمصالحة. وسيواجه الذين رفضوا المجيءَ للمسيحِ المصيرَ نفسَه الذي للشيطانِ وأتباعه ِ-دينونةُ اللهِ الأبديّة.
الكلمة
عن هذه الخطة
تدعى أول خمسة أسفار في العهد القديم عادة أسفار موسى الخمسة. وهي تروي قصة شعب اسرائيل من الخلقية إلى الاعداد لامتلاك أرض الموعد. ولكن هل أسفار موسى الخمسة هي مجرد سرد تاريخي لشعب الله المختار؟ أم هي شيء أكثر من ذلك؟ نتعرّف في خطة القراءات هذه على الأسفار من التكوين إلى التثنية، من خلال البحث في سبب كتابتها، ما قصدته لقرّائها الأصليين، والطريقة التي يجب بها أن نتجاوب معها اليوم. نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر للأسفار من التكوين إلى التثنية. كما نشرح كيف كان لقرّاء موسى الأصليين أن يفهموا الروايات القصصية الواردة في أول خمسة أسفار في الكتاب المقدس، وماذا تعني هذه القصص للمؤمنين المعاصرين.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: http://arabic.thirdmill.org