رحلة نحو التميّزعينة
أهمّية الآخر في حياتك ودورِه الفعّال
اليوم سوف نتأمل معاً عن أهمّية الآخر في حياتك ودورِه الفعال، لكي تُصبِح إنسانًا مُتميّزا في حياتك، وسلوكك، وأدائك. ومن دون الآخر لا تستطيع أن تستمر.
أذكر أنّي قرأت، سنة 1995، كتاب القسّ غسّان خلف وهو بعنوان "لبنان في الكتاب المقدس"، حيث يقول المؤلّف في المقدّمة، قبل أن يُقدِّم الشكر للَّذين عاونوه في وضع الكتاب، هذه العبارة: "الإنسان قليل بنفسه كثير بإخوته". وبقيَتْ هذا الجملة معي كلّ هذه السنين.
نهار الجمعة في 9 شباط، ابتدأت دورة الألعاب الأولمبيّة، واتَّجهَتْ كلّ الأنظار نحو المتبارين والرياضيّين وإلى مَن سيربح! وكلٌّ يُعلِن أنّ وراء كلّ رياضيّ متميّز يوجد مدرّبون، وموجّهون، وأطباء، ومتخصِّصون، وأحبّاء، وأصدقاء، ولولاهم لَكانَ مِن المستحيل أن يَتَسلَّق أيُّ رياضيّ سلَّم النجاح ببراعة.
وهكذا، كلّ واحد منّا يركض في هذه الحياة في ميدان المدرسة، الجامعة، العمل، تحصيل المال، العيش بسعادة، والحياة تركض أيضًا. وبولس يقول: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ، وَلكِنَّ وَاحِدًا يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا". (1 كور 9 : 24).
ولكي نتميّز في حياتنا، نحتاج إلى الآخرين. فَوجود أشخاص في حياتنا هو السرّ لِكي يَتميَّز كلّ إنسان في هذا العالم. يقول الرسول بولس في )2 كور 7 : 5(: "إننا لما أتينا إلى مكدونية لم يكن لجسدنا شيء من الراحة بل كنّا مكتئبين في كلّ شيء من خارج خصومات من داخل مخاوف لكنّ الله الذي يُعزّي المُتَّضعين عزّانا بِمجيء تيطس." لقد كانت لِبولس قوّة صنع المعجزات، ورغم ذلك كان يحتاج إلى قوّة الآخرين لكي يستمرَّ في تميُّزِه في حياته. وكذلك نحن، مهما كان لِكلّ واحد منّا من نقاط غامضة، من ضعف أو تقصيرات... أو أحيانًا شعور بالفشل والاستسلام، فييأس على إثره أو يتراجع أو يُخطئ! إلّا أنّنا نبقى في حاجة إلى الآخر لكي ننجح.
هانري كلاود، طبيب نفسي، مؤمن وخادم، يتحدّثفي كتابه "قوة الآخر" عن أهمّية الآخر في حياتنا. ويُعطي مثلين: عندما تسافر إلى بلد ما، تستعين بالهاتف لِتتَّصل بالعالم الخارجي، فإذا كنت بعيدًا عن نطاق الإرسال، تكون قدرات الهاتف محدودة جدًّا، ولكن عندما تدخل في نطاق الإرسال، تُصبِح لهذا الهاتف قدرات عظيمة جدًّا، فيُمكِّنك من الاتصال بِمن تشاء، ومعرفة ما يدور حولك! وهكذا الحال عندما تدخل في علاقة صحيحة، فيتضاعف نشاطك وتأثيرك.
ويخبرنا الكاتب قصّة جميلة عن رجل اسمه برايس، بعد أن نجح في كلّ مسابقات الامتحان الأخير، ولم يَبْقَ له سوى أن يسبح مدّة دقائق معدودة ويصل إلى الشاطئ، وهناك ينتهي الامتحان ويُصْبِح مغوارًا في القوات البحرية. وفيما هو لا يزال في المياه، على بُعد دقائق من الفوز في الامتحان. شعر فجأةً أنّ قواه الجسديّة قد خارت، ففكَّر في الانسحاب من السباق. لكن حانَتْ منه نظرة إلى الشاطئ، فرأى زميله الذي يُحِبُّه قد سبقه إلى الشاطئ، وكان واقفًا يُناديه بأعلى صوته ويحُثُّه مُلَوِّحًا بيديه، على متابعة الجهد لكسب السباق. فاستعاد برايس شجاعته، وتحرَّكت ذراعاه من جديد وتابع السباحة حتّى وصل إلى الشاطئ. وهنا نتساءل عمّا حصل: هذا الاتّصال غير المادي وغير المرئي بين شخصين أثر على الجسد الماديّ وعواطفه، فتصرَّف بشكلٍ آخر.
عندما يولد الطفل، يبحث عن اتصال مع العالم الخارجي، وينمو وينضج من خلال علاقته بأهله وأصدقائه. ويُؤكِّد العلم اليوم، أنّه حتّى لو أمَّنْتَ لِلفرد الطعام وحاجات الجسد كافّة، ولم تُأَمِّنْ له علاقات دافئة وصحيحة واحتكاكًا بالآخر، فلن ينمو كما يجب. وعلم الأعصاب يُعلِّمنا أنّ الولد الذي يكون منذ الصغر، في علاقة دافئة مع أهله، يؤثِّر ذلك على حجم الدماغ وتكوينه واكتماله، ويؤثِّر على جهار المناعة، وعلى الصحة بشكلٍ عام.
العلاقات السليمة إذًا، مهمّة جدًّا. وللأسف، ليست كلُّ علاقة سليمة. فهناك علاقات تُؤذينا ويجب أن نتجنَّبها، ويقول هانري كلاود، الإنسان مثل الهاتف، فهو يبحث عن اتّصال وعلاقات منذ لحظة مجيئه إلى الوجود. وأنت هاتف في هذا الكون يبحث عن اتّصال.
وكلّ إنسان يُمكِن أن يعيش أربعة احتمالات تخصّ العلاقات والاتصال بالآخرين:
1-الاحتمال الأوّل: وجودك في مكان لا وجود فيه لاتّصال عميق. صحيح أنّ حولك أشخاص كُثُر، ربما أهلك في البيت، موظَّفون في مكان العمل، زوج أو زوجة، أو أصحاب في المجتمع، ولكن من دون اتصال عميق مع أحد. فتتصرّف وتعيش في المجتمع وحيدًا. قد يكون السبب جراح من الماضي، عدم ثقة... والنتيجة تكون فقدان معنى الحياة وفرحها وروعتها ولذَّتها، وربّما أدّى ذلك إلى الإحباط.
2- الاحتمال الثاني: بعد اتصال سيّئ أو عنيف مع الآخر (مع الأهل، أو في العمل، أو في البيت...). تُنْهي لقائك بانزعاج، تشعر بعدم قبولك كما أنت، أو بِعلاقة مشروطة، أو بتوقّعات لا تستطيع تحقيقها، فتشعر بِدونيّة، أو أنّك لست على المستوى أو أنّك "مُقَصِّر". وربّما شعرْتَ بالعار أو بالذنب، أو باحتقار الآخر لك. وتكون النتيجة هروبكَ إلى الاحتمال الأوّل، فتتصرَّف بذلك مع الله والكنيسة.
3- الاحتمال الثالث: اتصال مزيّف، أو علاقة مزيَّفة، علاقة جنسيّة عابرة، كسب ترقية في الشركة، مبادرة جديدة، نيشان على صدرك، أو شيء مثل ذلك يجعلنك تَفرح، ويُعطيك شعورًا وقتيًّا بالفرح.
4- جميعنا في حاجة إلى احتمالٍ رابع: يتجلّى في شخص حقيقيّ وغير مزيَّف، وفي علاقة عميقة وغير مزيَّفة. كلّنا يحتاج إلى مساعدة، إلى علاقات دافئة عميقة، تجعلنا نفتح باب قلبنا، تسمح أن نكون جميعًا كما نحن، نُصوِّب ونُوَجِّه ونُساعِد ونُشجِع بعضنا بعضًا. فلا نقف في مكان واحد، بل يُمكننا أن نتجوَّل من مكان إلى آخر.
أمّا كيف نَجِد هذا الشخص؟ نبحث عنه، نعيش معه بصدق وبدون زيف، نرى فيه النعمة ورسالة من الله لا الدينونة، ونُصلّي من أجل بعضنا:
- يقول أحدهم: أنا رجل عصاميّ، أنا كوَّنْتُ نفسي بنفسي. وأستطيع أن أَحُلّ مشاكلي، والله يحميني. ولكن ننسى الحقيقة، وهي أنّ أشخاصًا كثيرين أثّروا في حياتنا.
- أمّي تشهد لمّا كنتُ في أوّل شبابي، كم مرّةً كنتُ مُرهَقًا من التعب والدرس والعمل وتأمين حاجة عائلتي! وكنتُ في كلّ مرّة أضع رأسي على حضنها، فَأَنالُ قوّةً من السماء تجعلني أستمرُّ وأُتابِع حياتي بنشاطٍ وعزم. واليوم أتصرَّف بالطريقة ذاتها مع زوجتي.
- لا أنسى أبي وكلمات التشجيع التي سمعتها منه، لمّا رسبْتُ في صفّي: ليس المهم أن ترسُبَ في صفِّك، بل المهم ألّا تبقى راسبًا. وما زلْتُ أسمع هذا الصوت كلّما ضعفْتُ ورسبْتُ، فأستمدّ منها القوّة.
- أذكر، عندما آمنت بالمسيح، أنّي زرْتُ أنا وابن عمي صحافيًّا لامِعًا، حاول بعد سنة أو أكثر أن ينتحر، لكنّه لم يَمُتْ. وحملْتُ له معي في زيارتي كتاب "كيف تصبح إنسانًا جديدًا". وعندما رآني من بعيد قال لي: "اقترب يا رجل الله!" فكانت هذه الكلمات دعوةً من الله لي. وعندما عدْتُ من أميركا سنة 1996، قال لي القس غسان خلف، وأنا أترك الكنيسة: "لما لا تدرس اللاهوت؟"، فكان أن غيَّرَتْ هذه العبارة حياتي. واليوم أستمدّ التوجيه والنُصْح من قادة كنيستي الذين يُعطوني ملاحظات بناءة.
نريد أن تأتي الحياة إلينا من الخارج، ويسوع أتى ليعطينا الحياة. الله يتعامل معنا من خلال بعضنا البعض. ويجب أن تكون مجموعة رفاق الحياة، كنيسةً لِتُحبَّك وتقف إلى جانبك، لا لِتدينَك. فأنت لا تنمو لوحدك: أستير الملكة كانت تحتاج إلى مردخاي لِيُشجِّعها على إنقاذ شعبها (4 : 14). وداود الملك الهارب من شاول، كان يحتاج إلى يوناثان لِيُشجِّعه ويقف إلى جانبه. وبطرس الناكر كان يحتاج إلى يسوع رفيقه، ليسأله: "أتحبّني، أتحبّني، أتحبّني؟!". وبولس المُنْدفِع كان يحتاج إلى تيطس في وسط الأزمات لِكي يُعزِّيَه.
وأنتَ، لكي تستمرّ وتنجح وتتميَّز في هذا العالم، يجب أن يكون لك أصدقاء مثل تيطس ومردخاي ويوناثان. فهم سبب تشجيع وتعزية لك.
ولكي تبقى علاقتك دافئة مع الآخرين، تجنَّبْ أربعة سموم:
1- لا تكن سببًا للانتقاد، فلا تكن إنسانًا لا يُفكِّر إلّا في نفسه!
2- لا تَزْدَرِ أحدًا، (زوجي أو زوجتي "بلا مخ")، فالناس يُحبّون التعامل باحترام، بدون تحقير، أو إذلال، أو سخرية، أو...
3- لا تُدافع عن نفسك أو تُبرِّرْ مواقفك (ما عملْتُ كذا لأنّ...).
4- لا تكُنْ سلبِيًّا ومتكبِّرًا فترفض التعاون مع الآخر لأنّه لا يروق لك مثلًا، أو لا يُعجِبك شكله أو كلامه، فلا تُسلِّم عليه ولا تردّ عليه... بل اِجلس معه، واحترِمْه، وحُلَّ المشكلة.
نحتاج إلى بعضنا البعض. فلن ننجح لوحدنا. والإنسان "قليل" عندما يكون وحيدًا، و" كثير" عندما يكون إخوته من حوله.
عن هذه الخطة
رحلة نحو التميز، هي دعوة للانطلاق في مسار روحي عميق يسعى فيه الإنسان إلى التفوق في حياته من خلال الاقتداء بالرب يسوع المسيح والسير في طريقه، ليتمكن الفرد من تحقيق أهدافه بروح المحبة والخدمة، ليكون أداة للسلام والنور في هذا العالم.
More
نود أن نشكر Resurrection Church على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: https://www.rcbeirut.org/