رحلة نحو التميّزعينة

رحلة نحو التميّز

يوم 4 من إجمالي 6

مسيحيّون مميَّزون ومُبدِعون

الله هو المُبدع الخلّاق والجوّاد. فقد خلق الإنسان ووضعه في الأرض لِيهتمَّ بالخليقة ويتسلّط عليها، ويُطوَّرها من خلال مهاراته وإبداعه، ويكون على صورة الله على الأرض.

وفي سلسلة أحاديثنا حول الجودة، نتأمل اليوم ببعض النواحي التي تَميّز بها بعضُ مسيحيّي الشرق والغرب. وأبدأ بالجودة التي قدّمها أتباع المسيح في الشرق...

* حقبة ما قبل الإسلام:

تميَّز كثيرٌ من المسيحيّين العرب في العصور التي سبقت الإسلام. فتوزَّعوا في أماكن عديدة، منها مثلًا: نجران في شبه الجزيرة العربية، في الحيرة في العراق، وفي بلادنا، بلاد الشام. فحوالى العام 520 للميلاد، اختار في نجران مثلًا 200 رجل مسيحيّ و100 امرأة الموت على إنكار إيمانهم، فكانوا متميّزين جدًّا. وتميّز شعراء عرب مسيحيّون بشعرهم، أمثال عُدَي بن زيد، هو أحد شعراء الجاهلية الذي كان يعترف بمسيحيّته بكلّ جرأة. كما كان المسيحيّون أوّل من كتبَ باللّغة العربية، وخير شاهد على ذلك نقش دير هند في الحيرة الذي يعود إلى ما قبل الإسلام. أخيرًا، كانت معظم الممالك العربيّة آنذاك مسيحيّة، أمثال مملكة الغساسنة على التخوم البيزنطيّة، ومملكة اللخميّين (وعاصمتها الحيرة) على التخوم الفارسيّة، ومملكة كِندة في قلب شبه الجزيرة العربيّة. وكان هناك مسيحيّون حتّى في مكة، يُذكر منهم ورقة بن نوفل الذي لعب دورًا مهمًّا في حياة النبيّ محمّد فيما بعد.

* حقبة القرون الأولى بعد انتشار الإسلام:

وتميّز مسيحيّون كثيرون أيضًا، في القرون الأولى بعد الإسلام، بإيمانهم، وسلوكهم، وتخصّصهم وأعمالهم. فهل تعرفون مثلًا، أنّ الفكر الهلّينيّ (الفلسفيّ والطبيّ والمتعلّق بالرياضيّات) انتقل إلى العرب بفضل المسيحيّين المشرقيّين والسُريان؟ الّذين لولاهم لما وصلَتْ، إلينا وإلى الغرب، فلسفة أرسطو وطبّ أبقراط والكثير من كتب الأطباء والعلماء والفلاسفة الإغريق.

فقد تولّى حُنين بن إسحق (808-873) مثلًا إدارة مدرسة الترجمة في بيت الحكمة. وقد جمع حوله تلاميذ ترجموا الكثير من الكتب التي اعتمد عليها الغرب في مجالات الطبّ والفلسفة وغيرها.

أمّا قسطا بن لوقا فكان مسيحيًّا ملَكِيًّا من لبنان، توفّي عام ٩١٢م. وقد تَرجم وأَلّف كتبًا في الهندسة والميكانيكا والرياضيات، وعلم الفلك، والفيزياء، والطب، والتاريخ، واللاهوت. وكان يُتقِن اللغات اليونانية والسُريانية والعربية. كما تَرجم مخطوطاتٍ عديدةً إلى العربيّة، ووضع في الطبّ فقط ٥٥ كتابًا.

وقد أبدع المسيحيّون في مجال الطبّ، ما بين 750-1050 للميلاد، فكانوا مُجَلّين من دون مُنازع. وكان من بينهم عدد كبير من الأطباء المشهورين. ويروي الجاحظ (توفّي عام 869) بطريقة ساخرة عن طبيب غير مسيحيّ سُئل يومًا: لمَ يُعاني البطالةَ في حين أنّ الوباء متفشّ، فأجاب أنا مسلم وأُدعى أسد، لكنّ الناس مقتنعون، حتّى قبل أن أولد، بأنّ الطبيبَ هو مسيحيّ، ويُدعى صليبا أو يوحنّا...

أمّا أبو الفرج عبد الله ابن الطيّب (توفي عام ١٠٤٣)، الذي كان متميّزًا، ومفكِّرًا مُتعدِّد الكفاءات. ومعروف أنّه كان أستاذ ابن سينا، إلّا أنّه لم يكن متخصِّصًا بالطبّ فقط، بل كتب كتبًا كثيرةً وشروحات لأبقراط وغيره، وأصبح رئيسًا لمستشفى بغداد الكبير، وتخرّج عن يده عدد من الأطباء الذين اشتُهِروا في ذلك العصر. ويُقال إنّ ابن سينا الذي انتقده كثيرًا، سلّم بتفوّقه في العلوم الطبيّة! وقد كتب ابن الطيّب أيضًا في الفلسفة والخَطابة والشعر، وشَرَح منطق أرسطو. وأكثر من ذلك، كان لاهوتيًّا مُتميّزًا، إذ وضع شرحًا كامل الجوانب وجامعًا للكتاب المقدس. ويُقال إنَّ عددًا من الفارِسيين الّذين تكبّدوا مشقّات السفر أسابيع طويلة للالتحاق بمدرسة ابن الطيّب، استغربوا حين وصلوا إليه وخابَتْ آمالهم، لأنّهم وجدوه في الكنيسة يُصلّي.

ولا ننسى أيضًا اللاهوتيّ العربيّ المسيحيّ يوحنّا الدمشقي في القرن الثامن، الذي كتب باليونانيّة وتُرجِمَتْ كُتبه. وهو من وضع كتاب: "التوحيد المُثلث"، وشَرَحَ سرَّ الثالوث الأقدس للمسلمين.

ونذكر ثيودورُس أبي قرة، وهو أسقف ملكيّ على مدينة حرّان، وصاحب عشرات الكتيّبات اللاهوتيّة. أول من وضع كتبًا لاهوتيّة مطوَّلة بالعربيّة. وقد وضع في آخر عمره عام 825 كتابًا اسمه "جامع وُجوه الإيمان" (الغنيّ بالمعلومات والعلوم، ووجود الله، التوحيد، الثالوث المقدس الخ).

وهناك أيضًا أبو رائطة حبيب بن حُذيفة التكريتي، وكثيرون غيرهم.

* الفترة المعاصرة، ابتداءً من القرن التاسع عشر:

برز في هذه الفترة عدد كبير من المسيحيّين المتميّزين من كلّ الطوائف، الأقباط، الكاثوليك، الأرثوذكس، الموارنة، السُريان، والإنجيليّين. وكان لهم دور فعّال في الحياة الروحية والاجتماعية والتربوية. فقد قام المرسلون الإنجيليّون بأعمالٍ رياديّة:

- فـأسّسوا مدارس ابتدائية لتعليم الإناث، وكانت الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط بأكمله. وأوّل مدرسة كانت في إسطنبول عام 1833، ثمّ تلتها أخرى في بيروت عام 1835. وقد وصل عدد المدارس الإنجيلية في عام 1885 نحو 390 مدرسة، وكانت تضمّ حوالى 13800 طالبًا.

- كما أسّس المرسل الإنجيلي دانيال بلس "الكلية السورية الانجيلية" في بيروت عام 1866، والتي أصبحت في ما بعد "الجامعة الأميركية في بيروت". (وهذه واحدة من عشر جامعات أنشئت في أراضي الدولة العثمانية). ومع نهاية القرن التاسع عشر وصل عدد خرّيجيها إلى 2213 خريجًا، منهم 175 طبيبًا. كما يُمكِننا أيضًا أن نذكر كلّية القديس يوسف، وغيرها.

- وكان مُلفتًا أيضًا إنشاء المسيحيّين للمستشفيات التي كانت وما زالت متميّزة، ومنها مستشفى الجامعة الأميركيّة، وغيرها.

- وأخيرًا وليس آخرًا، نذكر تأسيس المطابع وأعمال الترجمة التي ساهمت بشكل كبير في تثقيف الناس. وكان كتاب "ميزان الزمان" أوّل كتاب عربي مطبوع في لبنان. وتمّت طباعته سنة 1734 للميلاد، وهو يبدأ بعبارة: "باسم الآب والابن والروح القدس الاله الواحد".

- ولو تسنّى لنا ما يكفي من الوقت لكنّا تكلّمنا في حديثنا هذا عن الشيخَين ناصيف اليازجي وإبراهيم اليازجي، والمعلم بطرس البستاني الذي عاون الدكتور كرنيليس فان دايك في ترجمة معظم أسفار العهد القديم.

ختامًا، تقول الأمّ تيريزا: ربما لا تستطيع أنت أن تقوم بأمورٍ عظيمة، ولكنّك تستطيع أن تقوم بأمور صغيرة، وإنّما بمحبّةٍ عظيمةٍ.

يوم 3يوم 5

عن هذه الخطة

رحلة نحو التميّز

رحلة نحو التميز، هي دعوة للانطلاق في مسار روحي عميق يسعى فيه الإنسان إلى التفوق في حياته من خلال الاقتداء بالرب يسوع المسيح والسير في طريقه، ليتمكن الفرد من تحقيق أهدافه بروح المحبة والخدمة، ليكون أداة للسلام والنور في هذا العالم.

More

نود أن نشكر Resurrection Church على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: https://www.rcbeirut.org/