شخصية حسب قلب اللهعينة
الشخصيّة المُنتِجَة
ضمن سلسة حول "بناء الشخصية المستقيمة والناجحة"، تحدَّثْنا في حديث أوَّل عن معنى الاستقامة وبِناء الثقة، ثمّ تحدَّثنا عن القراءة الصحيحة للواقع. وهما صفتان ضروريّتان للتوجُّه دائمًا نحو النجاح في الحياة والمجتمع. واليوم نتحدَّث عن الشخصيّة المُنْتِجَة (أي التي تُحقِّق النتائج العظيمة). وبكلّ تأكيد، الإنتاج صفة ضروريَّة ومُكمِّلَة أيضًا للشخصيَّة المُستقيمة والناجحة.
فَلْنَتَخَيَّلْ شجرةً مثمِرَة (شجرة درّاق، أو تين، أو كرمة...) نامية جيّدًا في بستان، والبستانيّ يَتعهَّدها بعنايته، فيُلقي لها الزِبل، ويَنقب حولها، ويَسقيها، ويقطع أغصانها اليابسة، ولكنّها سنة بعد سنة لا تثمر! فكم سنةً سينتظر البستانيّ حتّى يُبادِر ويَحُلّ المشكلة؟ وبالتوازي، يصعب علينا أن نقتنع من أن يكون لِشخص شخصيَّة مُستقيمة ومُتكاملة، إذا كان لا يًحقِّق نتائج منظورة في حياته.
قال المسيح: "مِن ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنبًا أو من الحسك تينًا؟ كلُّ شجرة جيّدة تُثْمِر ثمارًا جيدّة، أمّا الشجرة الرّديَّة فتصنع أثمارًا رديَّة. لا تقدر شجرة جيّدة أن تصنع أثمارًا رديَّة، ولا شجرة رديَّة أن تصنع أثمارًا جيّدة، وكلّ شجرة لا تُثمر ثمرًا جيّدًا، تُقطَع وتُلقى في النار. فإذًا من ثمارهم تعرفونهم" (متى 7: 16-20). لاحظوا هنا كلمة الإنجيل: "لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارًا رديَّة".
وفي لوقا 13: "6 قالَ هذَا الْمَثَلَ: «كَانَتْ لِوَاحِدٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَغْرُوسَةٌ فِي كَرْمِهِ، فَأَتَى يَطْلُبُ فِيهَا ثَمَرًا وَلَمْ يَجِدْ. 7 فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ آتِي أَطْلُبُ ثَمَرًا فِي هذِهِ التِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا! لِمَاذَا تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضًا؟ 8 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدُ، اتْرُكْهَا هذِهِ السَّنَةَ أَيْضًا، حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلاً. 9 فَإِنْ صَنَعَتْ ثَمَرًا، وَإِلاَّ فَفِيمَا بَعْدُ تَقْطَعُهَا." (مهمٌّ جدًّا أن تُعطِيَ فرصةً، ولكن إذا بَقِيَ الوضعُ على حاله، عليكَ عندئذٍ أن تتصرَّف بِما تقتضيه الظروف).
تتبادر إلى أذهاننا تساؤلات عديدة: لماذا بعض الناس "يُثمِرون" في كلّ المستويات العلميّة والمهنيّة و... وكلّ المجالات الروحيّة، والاجتماعيّة و... ويُحقِّقون نتائج جيّدة فيما يفشل آخرون؟ (مثلًا، ميكانيكيّان لهما ذات مستوى العلم وسنوات الخبرة، ويعملان في الشارع ذاته، فيكون عمل الأوّل متوسّطًا، وعمل الثاني ناجحًا وتُقبِل إليه الناس بِكثرة). صحيح أنّ هناك عددًا من الأسباب (غير مُلِمٍّ بمهنته، غير مُتْقِنٍ حِرْفَته التي يعمل بها، غير ذكي...)، لكنّ الأكيد أنّ الشخصيَّة المنسجمة والمتكاملة تَلعب الدور الأكبر في تحقيق النجاحات الباهرة.
هناك ثلاث مراحل يعتمدها الضابط مع جنوده، قبل أن يأمرهم بإطلاق النار: "استعِدّ، صَوِّبْ، وأَطْلِقِ النار". وإذا أَنْعَمْنا النظر فيها، نَستطيع أن نعتمدها لِبناء شخصيّة منسجمة ومتكاملة وناجحة. وإذا طبَّقْناها بتوازن، نجد أنّ الإنجازات تتحقَّق سريعًا وبِوضوح (مثلًا، إذا أردْتَ أن تقطع غصن شجرة، أوّلًا، تستعِدّ للقيام بالعمل؛ ثانيًا، تنظر جيّدًا من أين ستقطع الغصن؛ وأخيرًا، تبدأ بالتنفيذ).
أوّلًا اِسْتَعِدّ: كلمة "استعِدّ" تعني "كُنْ جاهِزًا": أي لا تسمح لاندفاعك أن يبدأ بأيّ عمل قبل أن تكون جاهِزًا. وتأكيدًا على ذلك، إذا راقَبْتَ الأشخاص الناجحين، ترى أنّهم لا يأخذون قرارات متسرِّعة، بل ينتظرون، وينظرون إلى الأمور من زواياها كافَّةً، ثم يقومون بالعمل. واعلَمْ أنّ الفائزين يستعدّون للربح قبلَ الربح. وإل جانب ذلك، كم من الناس يتحسَّرون قائلين: "كم تمنَّيْتُ لو أنّي تمهَّلْتُ قليلًا قبل توظيف هذا الشخص، أو قبل الزواج!؟" تريد أن تتزوج؟ هناك دورات إرشاد قبل الزواج، اِذهَبْ واشترِكْ فيها. تريد إنجاب أولاد؟ هيِّئْ نفسك لتُربِّيَهم جيّدًا.
يُحكى عن حطّاب كان يتبارى مع حطّاب آخر، في مَنْ يقطع أغصانًا أكثر من الآخر. فراح الحطّاب الأول بعضلاته المفتولة يعمل بلا كلل... فيما كان الثاني يتوقَّف من وقت إلى آخر عن قطع الأغصان، ثم يتابع عمله. وفي نهاية السباق، فوجئَ الأوّل بأن رَبِح الثاني. فسأله كيف يمكن أن يكون ذلك، وأنا كنتُ أكثر نشاطًا وأسرع منك؟ فأجاب: "أنا كنت أتوقَّف من وقت إلى آخر، لاستعِدّ من جديد، فأشحذ الفأس، ليكون عملي أسهل وأسرع، وبذلك حقَّقْتُ النتيجة التي خطَّطْتُ لها". وأنتَ، عزيزي القارئ! هل تَستعِدّ للعمل قبل المباشرة به؟ (استعداد بالفكر، بالمهارات، بالتخطيط والتصميم على التحمُّل أكثر، والاستيعاب أكثر، والتعامل بالنعمة أكثر). انتبِهْ، إن لم تكن فأسُكَ مسنونةً جيّدًا، لن تنال النتيجة المرجوَّة!
ثانيًا صَوِّبْ: لا يكفي أن تكون مُستعِدًّا، بل عليك أن تُرَكِّز تفكيرك، وتُصوِّبه نحو الهدف، وتستجمع طاقاتك ومواهبك. بعض الناس يفعلون الكثير وينجزون القليل، لأنّ تركيزهم على العمل ضعيف.وربّما لأن ليس لديهم وضوح لهويَّتهم ودعوتهم؛ أو لا يعرفون نقاط قوَّة شخصيّتهم وضُعفها؛ أو لديهم مشكلة في وضع حدود وضوابط للأمور لِتحقيق غايتهم، فيضيع الوقت دون نتائج. لذا عليهم أن يتعلَّموا أن يقولوا "كلا" لكثيرٍ من الأمور، دون أن يُفكِّروا بأنّهم يخونون الآخرين، ويشعروا بالذنب ووجع الضمير من أنّهم "أساؤوا" إلى الآخر. بل عليهم أن يقرأوا الواقع بطريقة صحيحة، فأحيانًا يكون لديهم مفهوم خاطئ للعمل والنجاح، لدرجة التفكير في أنّهم موهوبون في كلّ شيء، فيُبعثرون طاقاتهم ولا ينجحون. إنّهم لا يقدرون أن يفعلوا كلّ شيء وينجحوا في كلّ شيء. و"الجيّد" هو عدوّ "الأفضل".
وأخيرًا، أَطْلِق النار: جميلٌ أن نُخطِّط جيّدًا، ونُصوِّب، ثمّ نقوم بالعمل. ولكنّنا نستعدّ أحيانًا، ونُصوِّب، ونخاف عندما يحين وقت الانطلاق في العمل (البعض يخاف إن وضَعَ البذرة أو النبتة في الأرض، ألّا تُمطر فيما بعد، أو أن يَسرِقها أحدهم!). هل بحثْتَ عن سبب الخوف هذا؟ربّما بسبب مخاوف معيّنة، أو خسارة في الماضي، أو جروحات سابقة، أو فقدان الأمان والقلق، أو...؛ مشكلة الخوف هذه التي تُسبِّب عدم الإنتاج، تكمن في الشخصيّة الضعيفة. أمّا الشخصيّة المنسجمة مع ذاتها، فإذا لاحظَتْ وجود خلل يجعل الأمور تسير بالشكل غير الصحيح، تُبادِر إلى التغلُّب على المشكلة مهما كانت، فهي لا تقبل بالفشل كخيار، إنّما تُذلِّل الصعوبة وتُفتِّش عن الحلّ. ونحن نطمح إلى شخصيّة تُوازِن بين الأمور، وتُحقِّق نتائج عالية.
يقول سفر الأمثال 19: 2 "وَالْمُسْتَعْجِلُ بِرِجْلَيْهِ يُخْطِئُ". ويقول إنجيل لوقا 14: 28وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ، هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟ 29 لِئَلاَّ يَضَعَ الأَسَاسَ وَلاَ يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ، فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ النَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ، 30 قَائِلِينَ: هذَا الإِنْسَانُ ابْتَدَأَ يَبْنِي وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَمِّلَ. 31 وَأَيُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ، لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاَقِيَ بِعَشَرَةِ آلاَفٍ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟"
فإن كنتَ ترغب أن تكون ناجحًا، اِسْعَ لأن تعرف ذاتك جيّدًا، واعمل على اكتساب شخصيّة متوازنة ومنسجمة. راقِبْ نفسك، واسألْ عن الخلل ؟ تَغَلَّبْ على خوفك، واطلب من أَعِزّاء لك أن يُساعِدوك. فالنجاح يتطلّب الاستعداد والتصويب والتنفيذ، ويحتاج إلى المثابرة، لأنّه لا يتِمّ بين ليلة وضحاها. وتَيَقَّنْ من أنّ الله زرع حولك كنيسة، فعليك ألّا تعيش حياتك لوحدك. بل استنجد بالآخرين لِيُساعدوك. (ربما أنت من النوع الذي يُصوِّب جيّدًا لكنّك بحاجة إلى مَن يُعلِّمك إطلاق النار، اُدْعُ إذًا شخصًا يُحِبُّ التنفيذ لِيُرشِدك في عملك. فهناك كثيرون يقولون: "قُلْ لي تمامًا ما تُريد وأنا أفعله". فاتَّخِذْ لك رفيقًا في حياتك يُساعِدك). فتُحقِّق النتائج المُرْضِية. ولا تنسَ أنّ الشخصية المستقيمة الناجحة هي شخصية مُنتجة. لِنُصَلِّ.
الكلمة
عن هذه الخطة
التغيير هو مشروع عمل من بين مشاريع كثيرة يمكننا أن نقوم بها، ولكنّ المشروع الأهمّ هو"بناء" شخص. الذين يُغيّرون العالم هم أشخاص، أمّا المشاريع فتتبع. الكلُّ اليوم لديه مشاريع يقوم بها، لكنّ مشروعنا نحن هو الإنسان، هو "أنت". لكي تكون ناجحًا تحتاج إلى شخصيّة مُستقيمة مُتكاملة. وسنتأمل بخصائصها وميزاتها لأنّها عمليَّة جدًّا، وإذا اعتمدناها نتفوَّق وننجح في كلّ ما نقوم به.
More
نود أن نشكر Resurrection Church على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: https://www.rcbeirut.org/