شخصية حسب قلب اللهعينة

شخصية حسب قلب الله

يوم 2 من إجمالي 6

قراءة صحيحة للواقع والحقيقة

مَن مِنّا لا يُريد أن يُغَيَّر حياته نحو الأفضل؟ لكن هناك خطر أن يُغَيِّر الإنسان حياته نحو الأسوأ كما نحو الأفضل! لذا جعَلْنا هدف سلسلة الاستقامة تغيير شخصيّة الإنسان نحو الأفضل. وقد سبق أن عرّفنا أنّ الاستقامة مرتبطة بالسلوك والعلاقات الشخصية النَّزيهة. ثمّ دخلنا في العمق، وركزنا على صفة واحدة للشخصيّة المستقيمة الناجحة، وهي اكتساب الثِّقة في المجتمع.

ونتحدَّث اليوم عن الصفة الثانية للشخصيّة المستقيمة، وهي قراءة الواقع والحقيقة بشكل صحيح. لأنّ مَن يقرأ الحقيقة والواقع بشكلٍ خاطئ، يحمل خللًا ما في شخصيَّته، ولا يستطيع أن ينجح، إلّا إذا سعى لاكتشاف الخلل الكامن في حياته، وقراءة الواقع والأحداث التي تجري حوله بشكل صحيح، وعَمِل على منع العواطف من أن تُشكِّل ستارًا بينه وبين الحقيقة.

قراءة آدم للواقع كانت خاطئة : "وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ"( تكوين 2: 16-17).

ولكنّ الحيَّة في تكوين 3: 1ب -4 كان لها قراءة مختلفة للواقع. فقالَتْ للمرأة: "أَحَقًّا قال الله لا تأكلا من كلّ شجر الجنة؟ كلّا لم يقل الله كلّ شجر الجنَّة، بل من ثمر الشجرة التي في وسط الجنة لا تأكلا منها، بل إن أكلتما منها تموتان). "لن تموتا" هي قراءة غير صحيحة للواقع.

فرأت المرأة أنّ الشجرة جيّدة للأكل، وأنّها بهِجةٌ للعيون، وأنّ الشجرة شهيّة للنظر. فأخذَتْ منها، وأكلَتْ، ثمَّ أعطَتْ آدم، فأَكَل. وتعرفون باقي القصة... ولمّا سأل الله آدم، أجاب: "المرأةُ التي جعلتَها معي هي أعطتني"، فقال الله للمرأة: "ماذا فعلتِ؟" فأجابَتْ: "الحيَّة غرَّتْني فأكلت"... فتسبَّب آدم وحوّاء بالدينونة والموت على الجميع، ولم ينجحا لأنّهما انخدعا ولم يقرآ الواقع بالطريقة الصحيحة. وكم من مرّة دمَّرَتْ قراءةٌ خاطئة للواقع والحقيقة حياتَنا.

- جارُنا ضابط في الجيش، خدم وتعب وعمل، وأَمَّن احتياجات أولاده، ولكنَّه كان قاسيًا في بيته، ولم يكن يعطي الاهتمام اللازم لزوجته، ظنًّا منه أنّ كلّ شيء على ما يُرام. أحبّ خدمته وتفانى من أجلها، فَرُفِّع إلى مركزٍ عالٍ. وفي أحد الأيّام، وبينما هو في عمله، اتَّصل به جاره ليقول له: "زوجتك رمَتْ بنفسها من الطابق الرابع وماتَتْ". فكانَتْ الصدمة قويَّةً! وأثناء تَقبُّلِ التعازي بوفاة زوجته، قال: "لم يخطر ببالي أن تنتحر زوجتي يومًا!". لم تكُنْ قراءته للواقع صحيحةً، إذ ظنَّ أنّ المطلوب هو قضاء ساعاتٍ طويلة في العمل فقط! لِتأمينِ "كلّ شيء" لعائلته (إلّا الاهتمام بزوجته والنظر إلى حاجتها!).

- تلك هي حال معظم الذين يُوَجِّهون معظم اهتمامهم نحو عملهم فقط، فيحصدون الفشل في عائلاتهم! ويصل بعضهم إلى الطلاق. ولسان حال الجميع يقول: "لم أُفكِّرْ مرّة أن يحصل لي هذا الأمر". وتلك أيضًا قراءات خاطئة للواقع! وللأسف، أنّ هناك الكثير منها في حياتنا. فما المطلوب إذًا؟

المطلوب أن أبحث عن الحقيقة دائمًا، وفي كلّ مجالات الحياة (الشخصيّ، العائليّ، الكنسيّ، العمليّ)، وأن أُصَوِّب البوصلة نحو الحقيقة، ولا أتوهَّم أنّي امتلِكُها:

- سألت المرأة زوجها: كنتَ في العادة عندما تأتي إلى البيت، تُسلِّم عليّ وعلى الأولاد، فما بالك في اليومَين الأخيرَين، تدخل البيت والتلفون بيدك ولا تنظر إلى شيء سِواه ؟! حاول الزوج جاهِدًا أن يرفض ما سمعه، لكنّه ما لبث أن انتَبه أنّه يُنكِر الواقع، ويُحاول تغيير الحقيقة. وأنّ زوجته كانت على حقّ!

- في مؤسّسة مشهورة، لديها مُنْتَج غذائيّ معروف ومطلوب كثيرًا. أصبحت مبيعاته في فترة معيَّنة، قليلةً. فطرد صاحب الشركة مدير المبيعات، وأتى بشخص آخر، فغيَّر شكل المُنتَج الخارجي، وطرحه في السوق من جديد، لكن لم تتبدَّل النتيجة، لا بل بقيَت المبيعات قليلة. فغضب صاحب الشركة، وطرد مدير المبيعات الجديد، وأتى بأفضل مدير استراتيجي معروف. وقدّمتِ الشركة عيّنات مجانية للأولاد والأمهات، وخفَّضَتْ أسعار البضائع في السوق، ومع ذلك لم تتغيَّر النتيجة! فجمع صاحب الشركة كلّ فريق العاملين وقال لهم: "لا بُدّ أنّ هناك خللًا ما، أو أنّ أحدًا لا يقوم بمهامه كما يجب...". فوقف موظّف جديد وقال: "لا يُحِبّ الناس طعم منتَجِنا الغذائيّ!" فرفض صاحب الشركة ما قاله الموظَّف الجديد، وأصرّ على المتابعة بما لديه، فكانت النتيجة أن الشركة أغلقت أبوابها بعد فترة قصيرة. فكانت المشكلة في عِناد مدير الشركة رفضه مواجهة الحقيقة والتخلّي عن شيء "اعتاد عليه".

- قرأتُ، سنة 1996، كتاب "الكنيسة المنطلقة نحو الهدف" للقسّ ريك وورن، الذي تَعُدّ كنسيته اليوم 50 ألف شخص. فعندما ابتدأ الكنيسة، لم يستأجر مكانًا، بل ابتدأ بوعظ الناس ودعوتهم إليه، وسؤال الجيران والأصدقاء والأخصائيّين عمّا يُريدونه، وعن سبب عدم ذهابهم إلى الكنيسة، فكان فعله هذا مذهلًا! وأتى ثمرًا ثمينًا، لأنّ القسّ لم يعتبر نفسه مُلِمًّا بحاجات الناس ومقتنعًا بما عليه أن يفعل. وهكذا نجح، لأنَّه ذو شخصيَّةٍ مستقيمةٍ وواقعيَّةٍ تبحث دومًا عن الحقيقة.

وأنتَ يا أخي، ماذا عنك؟ هل تسعى دومًا نحو الحقيقة، أم تظنّ أنَّك تعرفها؟

- هناك اليوم، كنائس عديدة مقتنعة أنّها فعّالة، ولكنّها في الحقيقة ذاهبة نحو الاضمحلال. لأنّ قيادة الكنيسة ليست في الأمانة فقط، بل في العمل المُثمِر والمُنْتِج في كرم الربّ. والأسباب متعدِّدة: *فيمكن أن يكون الراعي أمينًا، لكنّه بعيد عن واقع كنيسته ؛ **هناك صلوات وترانيم ألحانها جميلة، ولكنّ كلماتها أصبحت غير مفهومة وبعيدة عن واقعنا اليوميّ؛ ***أسلوب القيادة في الكنيسة، وحبّ السيطرة، والتمسّك بالسلطة ربّما كان ناجحًا أيّام الحكم العثماني، ولكنّه لم يَعُدْ يجذب الجيل الجديد اليوم، ولا يُواكب واقعنا اليوم...

أمثلة أُخرى على قراءات خاطئة للواقع:

1. يقول في أعمال 12: 21-23 إنّ هيرودس لبس الحلّة الملوكية وجلس على كرسيّ المُلك، وراح يُخاطِب الشعب، فهتف الشعب: "هذا صوت إله لا صوت إنسانٍ!" ففي الحال ضربه ملاك الربّ، لأنّه لم يُعطِ المجد لله. فصار الدود يأكله، ومات. مشكلة هيرودس أنّه صدّق كلام الناس، واقتنع أنّه حقًّا "إله وليس إنسانًا". وهذه قراءة خاطئة لِما هو عليه، وسبب ذلك تملُّق الناس. فكانت النتيجة الفشل والموت.

2. يدّعي مرشح للانتخابات بأنّ يضمن تأمين 2000. وقد يحصل على 2500 صوت. فأتتِ النتيجة أنّه لم يحصل إلّا على 20 صوتًا فقط. وبحسب الاستقصاء، حتّى زوجته لم تنتخِبْه.

3. الصوت: صوت محطّة تلفزيون... سيّئ جدًّا، ولكنّ مجلس التحكيم يرفض ملاحظات المستَمِعين والمُتابِعين. ينصدم المجلس عندما يلمسون نتيجة الواقع، وننصدم أنّهم انصدموا.

4. الثقة: فاتَحَني أحدهم بأنّ الثقة بين الناس انعدمَتْ! كيف ذلك سألته؟ فأجابني: أقمْتُت عددًا من العلاقات... وكانت نتيجة كلّ منها الفشل! إذا كنتَ تعرّفت على 10 فتيات مثلًا، ولم تتّفِقْ مع أيٍّ منهنّ، وتسأل عن السبب؟ السبب هو أنت!

5. احتقار وإهانة: إذا شعرْتَ في كلّ مشروع تقوم به، أن ليس هناك مَن يفهمكَ، في وقت يشعر فيه الجميع باحتقارك لهم وإهانتهم، فاعلَمْ أنّ السبب فيك أنت!

6. تشعر أنّك الضحيّة: إذا كنتَ تشعر في الخدمة التي تُؤِدّيها، أو العمل الذي تقوم به أنّك الضحيّة دائمًا، وأنّك انت تُضحّي دائمًا والآخر لا يُقَدِّرك، أو أنّ الكلّ مستفيدٌ ما عداك، فالسبب هو أنت!

7. ليس لديّ أصدقاء: إذا كنتَ لم تَرَ، بين كلّ هذه الجماعة، صديقًا قريبًا منك. فهذا يعني أنّ توقّعاتك عالية ومتطلّباتك غير منطقية. والمشكلةُ إذًا هي عندك!

فإذا كنتَ تُريد إرضاء الله، وتَنشُد النجاح في حياتك، تعلَّم أن تقرأ ذاتك والواقع قراءة صحيحة. وأن تُصحِّح دومًا قراءتك للواقع الذي تعيش فيه. فالقراءة الخاطئة للواقع مُدَمِّرة للحياة، والعائلة، والشركة، والكنيسة...

- دعا الله يونان أن يذهب إلى نينوى، ويطلب منهم التوبة لأنّ "شرّهم قد صعد إليّ"، فهرب يونان إلى ترشيش... ولمّا وصل إلى نينوى وتاب أهلها عن شرّهم، نجّى الربّ المدينة. فغضب يونان لِشَفقة الربّ على المدينة، وقال له: "خُذْ نفسي مِنّي، لأنّ موتي خيرُ من حياتي". وخرج يونان من المدينة فوجد يقطينة أعدّها الله له ليستظلّ بها، وجلس قبالتها... ثم أعدّ الربّ دودةً ضربتها، فيبست. فغضب يونان من جديد، وقال لله: "موتي خير من حياتي!". لم يكن يونان قادرًا على فهم ما يُريده الله منه وما يُخطِّطه لِمدينة نينوى، وما يجري حوله، وعاطفة الله تجاه البشر! فشكَّلَتْ عواطفه وقناعاته المسبقة ستارًا وحاجزًا بينه وبين إرادة الله والحقيقة.

وكم مرّة لا نقرأ نحن ما يحدث من حولنا قراءةً صحيحة، لأنّ مشاعرنا وقناعاتنا تقف ستارًا بيننا وبين الله؟

- التهبَتْ أذن ابنتي بعد ما بدَّلنا الحَلَق، وتورَّمَتْ أذناها، فاضطُرِرْنا أن ننزع الحلق، فأتَتْ إليّ باكيةً وقالت: "بابا، لن أعود قادرة على وضع حلق في أذني بعد اليوم!" فأخذْتُها إلى المرآة وقلت لها" "انظري! ما زال لك أذن، فلا تقلقي!".

كم مرّة لا تُحقِّق مشيئة الله بسبب مشاعرك الخاطئة، كم مرّة تقول للرب "خُذْ عنّي خدمتي وحياتي"، بسبب كلمة شخص! وكم مرّة تفقد الثقة والحبّ، بسبب جروحات ماضية، وتتدهور علاقاتك بسبب الشكّ في محبّة الآخرين! فتكون غير واقعي بسبب مشاعرك، وقراءتك الخاطئة للواقع. فارفعِ الستار إذًا لِترى الجمال، جمال الآخر ومحبته.

وإليك بعض النصائح، لتُكوِّن شخصية مستقيمة وناجحة، وتمتلك قدرة القراءة الصحيحة لِلذّات وللواقع حولك:

* اِسْعَ وراء معرفة حقيقة وواقع الأمر، مُتَّخِذًا هذا الموقف في قلبك! واتَّجِهْ دومًا نحو تعلُّم الحقيقة، مثل دوّار الشمس الذي يَتَتَبَّع الشمس.

* افحَصْ نفسك باستمرار، ودَعْ كلمة الله، كما يقول يعقوب، تكون المرآة التي تكشفك من الداخل.

* اُدْعُ أصدقاءك الأوفياء، (زوجتك، ومن تُحِبّ من رفاقك) لِأن يكونوا أيضًا كذلك، مخافة الانحراف عن الصواب، ورغبة في البقاء ضمن خطّ الصواب.

* اضْبِطْ مشاعرك، ولا تُصْدِرْ حكمًا وتأخذْ قرارات مُتسرِّعة. ولا تسمَحْ لِمشاعرك أن تُصبح ستارًا يفصلك عن الحقيقة والواقع، وعمّا يريد الله منك (أحيانا لا نرى الحقيقية أو لا نُريدها بسبب كبريائنا، أو لأننا لا نريد نتائجها على حياتنا).

وفي الختام، لمّا جرَّب الشيطانُ المسيح قائلًا: "أُعطيكَ جميع ممالك العالم ومجدَها"، أجابه: "اذهَبْ عنّي يا شيطان"؛ ولمّا أتى الناسُ لكي يختطفوه ويجعلوه ملكًا، انصرف إلى الجبل وحده (يوحنا 6)، لأنَّ صوت الآب عند المعمودية: "هذا هو ابن الحبيب الذي به سُرِرْتُ" كان يكفيه. وأخيرًا، لمّا كان في بستان جَتسَماني يُصلّي قبل الصَّلْب ويحزن ويكتئب، قال: "نفسي حزينة حتى الموت..." (لأنّ كأس الصليب شديدة المَرارة). ثم خَرَّ على وجهه وقال: "يا أبتاه، إن أمكن فَلْتَعْبُرْ عنّي هذه الكأس ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت". لم يَنْقَدْ للعواطف، ولم يتراجع، ولم يتمرّد كآدم الذي خسر الحياة وأَوْرَثَنا الموت، لكنِ اجتاز الموت، موت الصليب، بِطاعةٍ كاملة. لذلك رفعه الله أيضًا وأعطاه الاسم الذي يفوق كلّ الأسماء، لكي تَجْثُوَ لاسمه كلّ ركبة، مِمَّنْ في السماء... ويعترف كلُّ لسان أنّ يسوع هو الربّ، تمجيدًا لله الآب.

حياة الاستقامة، أيّها الإخوة، تتطلّب قراءةً صحيحة للحقيقة وللواقع ولِلذّات، فَلْنَتَحلَّ بالجرأةً لاتِّخاذ الموقف الصحيح، ومُتابَعَة الطريق.

فَلْنُصَلِّ.

يوم 1يوم 3

عن هذه الخطة

شخصية حسب قلب الله

التغيير هو مشروع عمل من بين مشاريع كثيرة يمكننا أن نقوم بها، ولكنّ المشروع الأهمّ هو"بناء" شخص. الذين يُغيّرون العالم هم أشخاص، أمّا المشاريع فتتبع. الكلُّ اليوم لديه مشاريع يقوم بها، لكنّ مشروعنا نحن هو الإنسان، هو "أنت". لكي تكون ناجحًا تحتاج إلى شخصيّة مُستقيمة مُتكاملة. وسنتأمل بخصائصها وميزاتها لأنّها عمليَّة جدًّا، وإذا اعتمدناها نتفوَّق وننجح في كلّ ما نقوم به.

More

نود أن نشكر Resurrection Church على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: https://www.rcbeirut.org/