سفر صموئيلعينة

السنين الأولى لصموئيل (1 صموئيل 1: 1-2: 11)

على نطاقٍ واسعٍ، تتشكَّلُ كلٌّ مِنَ البنيةِ والمحتوى وتمهيدِ صموئيلَ للمملكةِ منْ خطوتينِ رئيسيَّتَينِ. فهي تبدأُ بـالسنينَ الأولى لصموئيلَ في 1 صموئيلَ 1: 1-2: 11. ثمَّ ينتقلُ إلى القيادةِ الانتقاليَّةِ للاويِّينَ منْ عالي وأبنائهِ إلى صموئيلَ في 2: 12-7: 17. في أثناءِ السنينِ الأولى لصموئيلَ، كشفَ كاتِبُنا أنَّهُ، بوصولِ صموئيلَ، بدأَ الرَّبُّ زمنًا جديدًا لإسرائيلَ.

تركِّزُ الروايةُ الخاصَّةُ بـ السنينَ الأولى لصموئيلَ على ميلادِ صموئيلَ وتكريسهِ لعبادةِ الرَّبِّ في الهيكلِ في شيلوه. تظهرُ هذهِ الروايةُ الفريدةُ في 1 صموئيلَ 1: 1-28 مع خاتمةٍ قصيرةٍ في الإصحاحِ 2: 11. في وَسَطِ هذهِ الروايةِ نجدُ مُدمَجًا سردًا مُطوَّلاً لـتسبحةِ حَنَّةَ في الإصحاحِ 2: 1-10.

تبدأُ قصَّةُ ميلادِ وتكريسِ صموئيلَ بامرأةٍ تُدعى حَنَّةَ. إنَّ زوجَ حَنَّةَ، ألقانةَ، كانتْ له زوجتَانِ. فَنِنَّةُ كانَ لها أولادٌ كثيرونَ، لكنْ حَنَّةُ كانتْ عاقرًا. وكانتْ عائلتهُمْ تحضرُ الأعيادَ بانتظامٍ في هيكلِ شيلوهَ. وفي هذهِ الأعيادِ، كانتْ فَنِنَّةُ تستهزئُ بحَنَّةَ بقسوةٍ لكونِها عاقرًا. بل وأكثرُ من ذلكَ، ألقانةُ لم يكنْ يتفهَّمُ حزنَ حَنَّةَ بل وكانَ يشتكي قائلاً بأنَّهُ هوَ نفسُهُ يجبُ أن يكونَ كافيًا لها.

في أحدِ هذهِ الأعيادِ، كانت حَنَّةُ مغمورةً بالحزنِ لدرجةِ أنَّها انسحبتْ وبكتْ للرَّبِّ. لقدْ وعدتْ الرَّبَّ بأنَّهُ إنْ أعطاهَا ابنًا، فأنَّها سوفَ تكرِّسُهُ لخدمةِ الرَّبِّ كلَّ أيَّامِ حياتهِ. في الإصحاحِ 1: 11 قالتْ: "ولا يَعلو رأسهُ موسى"، بمعنى أنَّهَا سوفَ تتبعُ شريعةَ النذيرِ المتعلِّقةَ بالتكريسِ لخدمةِ الرَّبِّ المذكورةَ في سفرِ العددِ 6: 1-21. لاحظَ الكاهنُ عالي حُزنَ حَنَّةَ الشديدَ في أثناءِ صلاتِها وافترضَ أنَّها كانتْ ثَملةً. لكنْ حَنَّةُ دافعتْ عنْ براءتِها. وبعدَ سماعِهِ لقصَّتِها، أكَّدَ لها عالي أنَّ الرَّبَّ سوفَ يُكرمُها بطفلٍ.

بعدَ وقتٍ ليسَ ببعيدٍ منْ هذا المشهدِ، حَمَلَتْ حَنَّةُ وولدتْ ابنًا. ودَعَتهُ صموئيلَ "شي-مو-إيل" (שְׁמוּאֵל) بالعبريِّ. كانَ هذا الاسمُ يعنى في الأغلبِ "الاسمُ هو إيلُ"، مشيرًا إلى أنَّها دَعَتْ باسمِ الرَّبِّ لأجلهِ. عندما فُطِمَ صموئيلُ، حافظتْ حَنَّةُ على نذرِها وأعطتهُ لخدمةِ الرَّبِّ كخادمٍ شخصيٍّ لعالي في الهيكلِ.

إذا نظرنَا لقصَّةِ سنواتِ صموئيلَ الأولى في ذاتِهَا، سوفَ نرى فيها روايةً عن سيِّدةٍ متَّضعةٍ مِنَ اللاويِّينَ نالت استجابةً معجزيَّةً لصلاتِهَا وتجاوبتْ بتكريسٍ للرَّبِّ. لكنْ تجربةُ حَنَّةَ تحملُ معنى أبعدَ من حياتِهَا الشخصيَّةِ. لقد كشفَ كاتبُنَا هذا المعنى الأوسعَ عندمَا وضعَ معَ روايتهِ لـميلادِ وتكريسِ صَموئيلَ، تسجيلاً لـتسبحةِ حنَّةَ للرَّبِّ.

تُعطي تسبحةُ حنَّةَ اهتمامًا خاصًّا بلعناتِ وبركاتِ عهدِ الرَّبِّ التي بدَّلتْ أحوالَ كلٍّ مِنَ الشرِّيرِ والمتواضعِ. بصفةٍ خاصَّةٍ، سبَّحتْ حَنَّةُ الرَّبَّ على ما صنعَهُ من خلالِ ميلادِ وتكريسِ ابنِهَا. إنَّ قوَّةَ الرَّبِّ المُغيِّرةَ تلعبُ دورًا هامًّا على مدارِ سفرنَا لدرجةِ أنَّ تسبحةَ حنَّةَ تقدِّمُ فعليًّا جدولاً لمحتوياتِ سفرِ صَموئيلَ بأكملهِ.

انظر إلى الطريقةِ التي عبَّرتْ بهَا عنْ الأمرِ في العددِ 10:

مُخاصِمو الرَّبِّ يَنكَسِرونَ. مِنَ السماءِ يُرعِدُ علَيهِمْ. الرَّبُّ يَدينُ أقاصيَ الأرضِ، ويُعطي عِزًّا لمَلِكِهِ، ويَرفَعُ قَرنَ مَسيحِهِ (1صموئيل 2: 10).

في الوقتِ الذي كانتْ إسرائيلُ تواجهُ فيِهِ التخبُّطَ والمشاكلَ بسببِ الغزاةِ الأجانبِ، كانتْ حنَّةُ تُبدي إيمانًا استثنائيًّا. وهَذاَ الميلادُ المعجزيُّ لصَموئيلَ أكَّدَ لهَا أنَّ "مُخاصِمُو الرَّبِّ يَنكَسِرونَ" وأنَّ الرَّبَّ "مِنَ السماءِ يُرعِدُ علَيهِمْ". بلْ وأكثرُ من ذلكَ، كانتْ حنَّةُ واثقةً أنَّ الرَّبَّ "يَدينُ أقاصيَ الأرضِ". إنَّهُ سوفَ ينشرُ سلطانَهُ الملكيَّ خارجَ حدودِ إسرائيلَ من خلالِ قضائهِ على الأممِ. لكنْ لاحظَ أيضًا الطريقةَ التي آمنتْ حنَّةُ أنَّ الرَّبَّ سوفَ يمدُّ ملكوتَهُ من خلالِهَا إلى العالمِ كلِّهِ. فهو سيُعطي "عِزًّا لمَلِكِهِ" و"يَرفَعُ قَرنَ مَسيحِهِ" في انتصارٍ على أعدائِه. قبلَ زمنِ صَموئيلَ، لم يكنْ لإسرائيلَ ملكٌ بشريٌّ. لكنْ من خلالِ كلماتِ التسبيحِ الخاصَّةِ بحنَّةَ، قامَ الكاتبُ بتقديمِ أبرزِ مساهمةٍ لصموئيلَ في تاريخِ إسرائيلَ. منذُ ولادتهِ، دُعِيَ صموئيلُ من قِبَلِ الرَّبِّ لكي يقودَ إسرائيلَ إلى العصرِ الملكيِّ.