أسفار موسى الخمسةعينة
اليوم 22: المواضيع الرئيسية (التركيزات المشتركة)
هناكَ أربعةُ مواضيعٍ رئيسيّةٍ تَظهَرُ في الرواياتِ التي تناولت حياةَ كلٍّ من إبراهيمِ وإسحاقِ ويعقوب. وتظهرُ هذه المواضيعُ عينَها في قصّةِ يوسفَ وإخوته:
1) نعمة الله لإسرائيل:
يستخدمُ الكتابُ المقدّسُ مصطلحات محدّدةً للإشارةِ إلى النعمةِ، الرحمةِ، والرأفةِ الإلهيّةِ، لكنّنا نادراً ما نُصادِفُ هذه المصطلحاتُ في قصّةِ يوسف. مع ذلك، نجدُ موضوعَ نعمةِ اللهِ في كلِّ هذه الإصحاحات. فيما سندعوهُ "ذلكَ العالمُ" في زمنِ يوسف، كان اللهُ من حينٍ إلى آخر يُذكِّرُ يوسفَ وعائلتَهُ بنعمتهِ في الماضي، أي النعمةِ التي أظهَرَها قبلَ زمنهم. كما أظهرَ اللهُ أيضاً نعمتهُ المستمرّةُ ليوسفَ وعائلتَهُ عندَ كلِّ منعطفٍ. وعندما أنبأ اللهُ بحدوثِ أمورٍ مستقبليّةٍ، كان في أكثرِ الأحيانِ يُعلنُ عن نعمتهِ المستقبليةِ التي ستكونُ من نصيبِ يوسفَ وعائلته يوماً ما، بالأخصِّ نعمةِ الرجوعِ إلى أرضِ الموعد. إلّا أنّ أشكالَ هذه النعمةِ الثلاثةِ لم تُشكِّل قصّةَ يوسفَ فقط. فقد كتبَ موسى عن نعمةِ اللهِ في عالمِ يوسفَ حتّى يتأمّلَ قُرّاؤهُ الأصليونَ بالطرقِ العديدةِ التي أظهر اللهُ لهم بها النعمةَ في "عالمهم". بالطريقةِ نفسِها، بإمكانِنا كأتباعِ المسيحِ أن نجعلَ النعمةَ التي أظهرَها اللهُ ليوسفَ وعائلتَهُ تَنطَبِقُ على عالَمِنا نحنُ أيضاً. وهناكَ طرقٌ عديدةٌ لتحقيقِ ذلك، لكن من المفيدِ لو نظرنا إلى الأمرِ من ناحيةِ مراحلِ ملكوتِ المسيحِ الثلاث. فمن وجهةِ نظرِ العهدِ الجديد، إنّ نعمةَ اللهِ التي ظهرت ليوسفَ وإخوتَهُ في الماضي تنطبقُ علينا لأنّها ظَهرَت في المجيءِ الأوّلِ للمسيح، في تأسيسِ ملكوتِه. وفي كلّ مرّةٍ نرى فيها نعمةَ اللهِ المستمرّةِ في قصّةِ يوسف، نتذكّرُ نعمتهُ المستمرّةُ في حياتِنا اليوميّةِ من خلالِ استمراريةِ ملكوتِ المسيح. وتماماً، كما توقّعَ يوسفُ وعائلتُه نعمةَ اللهِ المستقبليةِ، بإمكاننا أن نترجّى مراحمَ اللهِ عندَ اكتمالِ ملكوتِ المسيحِ في السماواتِ الجديدةِ والأرضِ الجديدة.
2) ولاء إسرائيل لله:
إن إحدى أبرزِ الميزاتِ الاستثنائيةِ في سَردِ موسى عن ذلكَ العالم، أي عالمِ يوسفَ وإخوتَهُ، هي أنّ موسى لم يَذكُر أيّةَ تعليماتٍ أو وصايا صادرةٍ عن الله. بل عِوضاً عن ذلك، توقّعَ موسى من بني إسرائيل أن يُقيّموا ولاءَ يوسفَ للهِ في ذلكَ العالم في ضوءِ الشريعةِ التي أُعطيت لهم في عالمهم. طبعاً، عَلِم موسى أنّ الآباءَ ما كانوا ليَحصَلوا على الخلاصِ من خلالِ ولائِهم لشريعةِ الله. فلطالما كان ذلك أمراً مستحيلاً. إلّا أنّ طاعتَهم وعصيانَهم في كلِّ مرحلةٍ من مراحلِ القصّةِ، كَشَفا حقيقةَ قلوبِهم. ودعا موسى قرّاءَهُ إلى فحصِ قلوبِهم في ضوءِ قصّةِ يوسف.
على سبيلِ المثال، من الناحيةِ السلبيّةِ، لم يكن موسى بحاجةٍ إلى التحدثِ مباشرةً عن استنكارِ اللهِ لتخطيطِ إخوةِ يوسفَ لقتلهِ. إذ كان قرّاءُهُ على علمٍ أنّ في هذا الأمرِ خَرقاً للوصيّةِ السادسةِ التي تُنهي عن القتلِ والواردةِ في الخروج 20: 13. لكن من الناحيةِ الأكثرُ إيجابيةٍ، اعتمدَ موسى أيضاً على معرفةِ قرّائِهِ بشريعةِ اللهِ حتّى يُميّزوا إن كانَ يوسفَ وإخوته أمناءَ مع اللهِ.
يُمكِننا أن نرى أنّه عندما وصفَ موسى الولاءَ وعدمَ الولاءِ لله في ذلكَ العالم، أرادَ أن يلفتَ النظرَ إلى ولاءِ وعدمِ ولاءِ قرّائِهِ الأصليين من بني إسرائيلَ في عالمهم. كمسيحيّين معاصرين، هناك ثلاثُ طرقٍ أساسيّةٍ على الأقلّ ينبغي أن نتناولَ بها الولاءَ وعدمَ الولاءِ للهِ في قصّةِ يوسف. أوّلاً، ينبغي أن نقُارِن ونَقابِل بينَ هذه الأمثلةِ وطاعةِ المسيحِ الكاملةِ لله، خصوصاً خلالَ تأسيسِ ملوكتهِ. ثانياً، علينا أن نكون مستعدّينَ لتطبيقِ المبادئِ الأخلاقيّةِ في قصّةِ يوسفَ في حياتِنا اليوميّةِ مع استمراريةِ ملكوتِ المسيح. وأخيراً، يجب أن يلفتَ مطلبُ الولاءِ في قصّةِ يوسفَ انتباهَنا إلى ما سيَحصُل في المجيءِ الثاني للمسيحِ عندَ اكتمالِ ملكوتِهِ. في ذلك الوقت، كلُّ من كان لهم إيمانٌ خلاصيٌّ بالمسيح، سيتحوّلونَ بالكامل إلى خدّامٍ للهِ كاملين في الطاعةِ في السماوات الجديدة والأرض الجديدة.
3) بركات الله لإسرائيل:
بالنسبة "لذلك العالم" الذي عاشَ فيه يوسفُ وإخوتَهُ، لابدّ أن نَذكُرَ أنّ الله أغدقَ بركاتهِ أحياناً بالرُغم من عدمِ ولاءِ الآباءِ وأحياناً أخرى نتيجةً لولائِهم. وقد هدفَ موسى من خلالِ عرضهِ لموضوعِ بركاتِ اللهِ لشعبهِ في ذلكَ العالم إلى جَعْل قرّائِهِ الأصليين يُدرِكونَ كم من مرّةٍ بارَكَهم اللهُ في عالَمِهم - بالرغُم من عدمِ ولائِهم وأيضاً نتيجةً لولائهم. وبنفسِ الطريقة، تَنطبِقُ بركاتُ اللهِ في قصّةِ يوسفَ وإخوتَهُ على عالمنا اليوم. أحياناً ننالُ هذه البركاتِ بالرُغم من عدمِ ولائنا وأحياناً أخرى ننالُها نتيجة لولائنا. ونجدُ الترابُطَ بين قصةِ يوسفَ وحياتَنا عندما نُدرِكُ البركاتِ التي سَكَبَها اللهُ على شعبهِ في تأسيسِ ملكوتِ المسيح. ونُدرِكُ أيضاً كيف يُبارِكُنا الآن في استمراريةِ ملكوتِ المسيح. ونترقّبُ بركاتِ اللهِ الآتيةِ عندَ اكتمالِ ملكوتِ المسيح.
4) بركات الله من خلال إسرائيل:
تُخبِرُنا نصوصٌ مثلُ التكوين 12: 3؛ 22: 18؛ 26: 4 أنّ اللهَ باركَ إسرائيلُ وكلّفَ إبراهيمَ ونسلَه بنَشْرِ ملكوتهِ وبركاتِهِ إلى سائرِ الأمم. ويَظهَرُ هذا الموضوعُ في عالمِ يوسفَ ذاك، أوّلاً، من خلالِ حُكمِ يوسفَ في مصر الذي كان بركةً للآخرين. على سبيلِ المثال، كان يوسفُ بركةً لفوطيفار في التكوين 39: 5. وكان بركةً لرئيسِ بيتِ السِجنِ عندَ فرعون في التكوين 39: 22. كما باركَ يوسفُ فرعون عندما فسّرَ لهُ حُلُمَهُ في التكوين 41: 25. لكنّ أتت البركاتُ الأعظمُ في أوْجِ نُفوذِ يوسفَ عندما باركَ المصرّيين والعديدَ من الأمم (التكوين 41: 56-57).
من السهل ملاحظة أنّ موضوع بركات إسرائيل للآخرين ينطبق على "عالمهم"، أي عالم قرّاء موسى الأصليين. أوّلاً، بسماع قصة يوسف، لا بدّ وأن بني إسرائيل قد تشجّعوا حين علموا أنّ آباءهم باركوا آخرين بالفعل. لا بدّ وأن يكونوا قد أدركوا أيضاً أنّ الله قد دعاهم كي يحملوا بركات الله إلى الآخرين في زمنهم. كذلك لابد أن يكونوا قد تطلّعوا نحو المستقبل عندما ستحمل ذريّاتهم بركات الله إلى العالم أجمع. كما هو مُتوقَّعٌ، ينطبقُ هذا الموضوعُ أيضاً على عالمنا نحن. فقد وهبَ المسيحُ العالمَ بركاتهِ في تأسيسِ ملكوتهِ. وهو يباركِ العالمَ الآن من خلالِ كنيستهِ في استمراريةِ ملكوتهِ. ويوماً ما، سيُبارِكُ كلُّ قبيلةٍ وأمّةٍ في العالمِ عندَ اكتمالِ ملكوتهِ في الخليقةِ الجديدة.
الكلمة
عن هذه الخطة
تدعى أول خمسة أسفار في العهد القديم عادة أسفار موسى الخمسة. وهي تروي قصة شعب اسرائيل من الخلقية إلى الاعداد لامتلاك أرض الموعد. ولكن هل أسفار موسى الخمسة هي مجرد سرد تاريخي لشعب الله المختار؟ أم هي شيء أكثر من ذلك؟ نتعرّف في خطة القراءات هذه على الأسفار من التكوين إلى التثنية، من خلال البحث في سبب كتابتها، ما قصدته لقرّائها الأصليين، والطريقة التي يجب بها أن نتجاوب معها اليوم. نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر للأسفار من التكوين إلى التثنية. كما نشرح كيف كان لقرّاء موسى الأصليين أن يفهموا الروايات القصصية الواردة في أول خمسة أسفار في الكتاب المقدس، وماذا تعني هذه القصص للمؤمنين المعاصرين.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: http://arabic.thirdmill.org