أسفار موسى الخمسةعينة
اليوم 2: المنهجيات النقديّةِ الحديثة (هُويّة الكاتب)
اعتقد المفسّرون النقديون أنّ إيمانَ شعبِ إسرائيل بدأ تدوينه فقط في زمنِ مُلوك إسرائيل. وطبعًا، يعني هذا الافتراض أنّ موسى لم تكن له يدٌ في كتابةِ الأسفارِ الخمسة. عِوضاً عن ذلك، نشأت هذه الأسفار نتيجةَ عمليّةٍ طويلةٍ ومعقّدة بدأت بتقاليدٍ شفويّةٍ قديمة، ثم تم جمعُها وتدوينُها في وثائقٍ عديدة خلالَ فترةِ حكم الملوك. وكان فقط في فترةِ سبي إسرائيل، وما بعدها، أنه تمَ تحريرُ هذه الوثائق وتجميعُها في شكل الأسفار الخمسة التي نعرفُها الآن. واليوم حين يسمعُ دارسو الكتابِ المقدس، لأولِ مرة، اعتقاد العديد من العلماء بهذا التاريخ الطويل لتطوّرِ الأسفارِ الخمسة، يتساءلون دائماً، ما الدليل الذي يدعمُ ذلك. يوجد ثلاثة أدلة رئيسية قدمها علماء النقد.
1) أسماء الله:
لاحظَ المفسّرونَ النقديّونَ الأوائلَ أنّ أسفارَ موسى الخمسة تحوي مجموعةً متنوّعةً من أسماءِ الله. وحاولوا أن يُبرهِنوا أنّ هذا التنوّعَ هو دليلٌ على المراحلِ الطويلةِ لتطوّرِ إيمانِ إسرائيلِ. على سبيلِ المثال، تستخدمُ الأسفارُ الخمسةُ ببساطةٍ أحياناً الكلمة العبريّة "إيلوهيم" אֱלֹהִים أو الله. وفي أحيانٍ أخرى، يُدعى الله "يهوه" יהוה أو الربّ. ونرى في الأسفارِ الخمسة ضمّاً لهاتَين الكلمتَين معاً أو لكلماتٍ أخرى أيضاً على غِرار "يهوه إيلوهيم" أو الربّ الإله، و"يهوه يِرْأَهْ"، أو "الربّ يُدبِّر". ومن أسماءِ الله أيضاً "إيل عِليون" أو "الله ُالعليّ"، و"إيل شَدّاي"، ويُترجَم غالباً إلى "اللهُ القدير".
من المهمِ أن نلاحظ، أنّه بالرغم من أن الأسفار الخمسة تُظهِرُ تنوّعاً في أسماءِ الله، فذلك ليس أمرًا غيرَ عادي. فقد أشارت أبحاثٌ أُجريت في القرن العشرين حول أسماءِ الله عند سائر ديانات الشرق الأدنى القديم، أنّ نفس الكتّاب استخدموا أيضاً أسماءً متنوّعة حين كتبوا عن آلهتِهِم. ومع ذلك، ما زال علماء النقد الأوائل يعتقدون أنّ هذا التنوّع في أسماءِ الله، في الأسفارِ الخمسة، يكشفُ عن تاريخٍ طويلٍ من الكتابة. فهم يعتقدون أن الأسماء المختلفة لله هي إشارةٌ إلى إضافةِ مصدرٍ إلى مصدرٍ آخر، إلى أن تشكّلت في النهاية الأسفارُ الخمسة كما نعرفُها اليوم.
2) الروايات المُزدَوَجَة:
ليسَ من الصعبِ أن نرى أنّ عدداً من النصوصِ في أسفارِ موسى الخمسة تُشبه البعضَ الآخر، إلّا أنّ المفسّرين النقديين حاولوا أن يُظهِروا أنّ هذهِ النصوص تعكسُ تقاليداً شفويّةً مختلفةً تناقلتها جماعاتٌ مختلفةٌ، واستخدمت أساليباً مختلفةً لتدوينِ هذه الروايات في الأسفارِ الخمسة.
على سبيلِ المثال، لطالما أشارَ المُفسّرونَ إلى ما يُسمّونَه "بروايتَيّ الخلق" في (تكوين 1:1-2: 3؛ 2: 4-25). كما أشاروا أيضاً إلى التشابهِ بين روايتَيّ إبراهيم وإسحاق حين تَفوّها بالكذبِ وعرّضا زوجَتَيْهِما للخطرِ في (تكوين 12: 10-20؛ 20: 7-11). أوضحَ كلٌّ من المُفسرين التقليديين اليهودَ والمسيحيّين هذه التشابهاتِ بطرقٍ معقولةٍ، إلّا أنّ علماءَ النقد أصرّوا على أن هذه الرواياتِ تُمثّلُ تقاليداً شفويّةً مختلفةً دُوِّنَتْ فيما بعد وتمَّ ضَمُّها إلى الأسفارِ الخمسة.
3) التناقضات:
أشارَ علماءُ النقد إلى ما اعتقدوا أنّه تناقضاتٌ في الأسفارِ الخمسة. مثلاً أشاروا إلى الاختلافاتِ بين ترتيباتِ الفِصح في (خروج 12: 1-20) وبين (تثنية 16: 1-8). ولفتوا الانتباهَ إلى الاختلافاتِ بين الوصايا العشر في (خروج 20: 1-17) وتلكَ الموجودة في (تثنية 5: 6-21). ومرّة أخرى، بَيّنَ المُفسّرونَ التقليديّون اليهودُ والمسيحيّون كيفَ يُمكنُ التوفيقُ بين هذه الاختلافات وغيرها. لكنْ رأى المُفسّرون النقديّون أنها تعكسُ تاريخاً طويلاً ومُعقّداً من التقليدِ الشفوي والمصادرِ المكتوبةِ التي حُبِكت معاً لتشكّلَ الأسفار الخمسة كما نَعرِفُها اليوم.
الكلمة
عن هذه الخطة
تدعى أول خمسة أسفار في العهد القديم عادة أسفار موسى الخمسة. وهي تروي قصة شعب اسرائيل من الخلقية إلى الاعداد لامتلاك أرض الموعد. ولكن هل أسفار موسى الخمسة هي مجرد سرد تاريخي لشعب الله المختار؟ أم هي شيء أكثر من ذلك؟ نتعرّف في خطة القراءات هذه على الأسفار من التكوين إلى التثنية، من خلال البحث في سبب كتابتها، ما قصدته لقرّائها الأصليين، والطريقة التي يجب بها أن نتجاوب معها اليوم. نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر للأسفار من التكوين إلى التثنية. كما نشرح كيف كان لقرّاء موسى الأصليين أن يفهموا الروايات القصصية الواردة في أول خمسة أسفار في الكتاب المقدس، وماذا تعني هذه القصص للمؤمنين المعاصرين.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: http://arabic.thirdmill.org