أسفار موسى الخمسةعينة
اليوم 5: وجهات النظر الإنجيلية الحديثة (هُويّة الكاتب)
لفحصِ وجهاتِ النظرِ الإنجيليّةِ بشأنِ هُويّةِ كاتبِ الأسفارِ الخمسة سننظرُ في اتّجاهَين.
1) الأدلّة الكتابيّة:
يحتوي الكتابُ المُقدَّسُ على أدلّةٍ كتابيّةٍ أكثرُ من كافيةٍ على الرأيِ الكلاسيكيّ بكون موسى هو كاتبُ الأسفارِ الخمسة. على سبيل المثال: في لوقا 24: 44، أشارَ لوقا بوضوحٍ تامٍّ إلى أن المسيحَ ربطَ الأسفارَ الخمسةَ، أو التوراة، بموسى. وفي يوحنا 5: 46، أشارَ المسيحُ إلى موسى بصفتِه كاتبُ الأسفارِ. بالإضافةِ إلى شهادةِ المسيح، تشيرُ نصوصٌ أخرى في العهدِ الجديد إلى مقاطعٍ مُحدّدةٍ في الأسفارِ الخمسة، بصفتِها جاءت من موسى (مَرْقُس 7: 10؛ يوحنا 7: 19؛ رومية 10: 5؛ 1 كورِنثوس 9: 9). إن دعمَ العهدِ الجديد لفكرةِ كونِ موسى هو الكاتب مَبنيٌّ على أساسِ شهادةِ العهدِ القديم. ففي مناسباتٍ عديدةٍ، تَربطُ أسفارُ العهدِ القديم الأسفارَ الخمسةَ بموسى (2 أخبارُ الأيامِ 5: 4).
إن معظمَ الأسفارِ الخمسة لا تشيرُ إلى كاتبِها. وباستثناءِ العددِ الأول من سفر التثنية، لا يُذكَرَ موسى في بدايةِ أو نهايةِ أيٍّ من هذه الأسفار بطريقةٍ تُشيرُ إلى كونه كاتِبِها. ولكنْ لم يكن ذلك أمراً غيرُ شائعٍ في الشرقِ الأدنى القديم. كما لم يكن هذا أمراً غيرُ اعتياديٍّ في الكتابِ المُقدَّس. وفي الحقيقة، تَتكلّمُ الأسفارُ الخمسة نفسَها بتصريحاتٍ واضحةٍ تُؤكّدُ على أن موسى تَلقّى إعلاناتٍ من الله، وأنّه كان المسؤول عن كتابةِ الأسفارِ الخمسة. فمثلاً، يُخبِرُنا خروج 24: 4 أن موسى كتبَ كتابَ العهد الذي يُوجَد نَصُّهُ في خروج 20: 18-23: 33. وفي لاويّين 1: 1-2، نقرأُ عن كونِ الأحكامِ الواردةِ في سفرِ اللاويين قد أُعطيَت لإسرائيلَ من خلالِ موسى. وفي تثنية 31: 1؛ 32: 44، نَعرفُ أن موسى هو قائلُ الخطاباتِ الواردةِ في سفرِ التثنية. وهكذا، نُلخِّصُ الأمرَ بأنّ الأسفارَ الخمسةَ تقولُ بوضوحٍ وصراحةٍ إن موسى كان مُشارِكاً بفاعليّةٍ في تَلقِّي ونقلِ محتوياتِ الأجزاءِ الرئيسيّةِ في الأسفارِ الخمسة. من الواضحِ أن الكتابَ المُقدَّس لا يُؤيّد محاولاتَ إعادةِ البناء النقديّة التي تفترضُ أن الأسفارَ الخمسة كُتِبت بعدَ فترةٍ طويلة من حياةِ موسى. فإن قبِلنا شهادةَ العهدَين القديم والجديد، فسنكون على يقينٍ بضرورةِ ربطِ الأسفارِ الخمسة بموسى.
2) التأليف المُوسَوي الجوهري:
في منتصفِ القرن العشرين، أصبحَ التَكلّمُ عن "التأليفِ الموسوي الجوهري" للأسفارِ الخمسة أمراً شائعاً. لخّص إدوارد يَنج هذا المفهوم في كتابِه مُقدّمةٌ إلى العهدِ القديم، والذي صَدرَ في عامِ 1949:
حينَ نُؤكّدُ على أن موسى كتبَ... الأسفارَ الخمسة، فإننا لا نَقصدُ أنّه بالضرورةِ كَتَبَ كُلَّ كلمةٍ... قد يكون استخدمَ أجزاءً أو مقاطعاً من وثائقٍ مكتوبةٍ سابقةٍ. وكذلك، رُبّما بقيادةِ الوحي الإلهي كانت هُناكَ إضافاتٌ قليلةٌ لاحقةٌ، بل وبعضُ التعديلاتُ أيضاً. ولكنْ بشكلٍ جوهري وأساسي، إن الأسفارَ الخمسةَ من إنتاجِ موسى.
فَهِمَ الإنجيليّون تَفاصيلَ هذا المفهوم بشأنِ كتابةِ موسى للأسفارِ الخمسةِ بطرقٍ عدّة. ولكن بدرجةٍ أو بأخرى، نَحنُ نَتكّلمُ عن "التأليفِ الموسَوي الجوهري" لتذكيِرِ أَنفُسِنا بثلاثةِ عناصرَ ينبغي أن نَتذكَّرها دائماً:
1. المصادر: يُخبِرنا الكتابُ المُقدَّس أن اللهَ أعَلنَ نَفسَه لموسى بطرقٍ عديدة. فمثلاً، كَتبَ اللهُ الوصايا العشرةِ الأصليّةِ بإصبعِهِ. ويحتوي كتابُ العهدِ على الشرائعِ التي أعطاها الله لموسى على جبلِ سِيناء. ولكن، كما هو الحال في أجزاءٍ أخرى كثيرة في الكتابِ المُقدَّس، توجدُ أدلّةٌ على أنّ موسى استخدمَ أيضاً مصادرَ إضافيّةً في كتابتِهِ للأسفارِ الخمسة. فمن ناحيةٍ، على الأرجحِ أَنّه استَقى من عدّةِ تقاليدٍ شفويّة. فمثلاً، مُحتملٌ جداً أنّه تَعلّمَ عدّةَ أمورٍ من أمّهِ التي وَلَدَتهُ ومن عائلتِهِ الأكبَر في فترةِ طفولتِهِ. كما نرى في خروج 18: 17-24، تَقبَّلَ موسى التعليم من حميِهِ يَثرون المِديَاني. ففي خروج 3: 13-16، أخبرَ الله موسى بأن يُشيرَ إليهِ بكونهِ "الرب" أو يهوه -"إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ". لابدّ أن شخصاً ما عَرَّفَ موسى عن الاسمِ الإلهي يهوه وعن تقاليدِ الآباء. وإلا فإن كلمات الله هذه كانت ستُثيرُ أسئلةً لا حَصْرَ لها في ذهنِ موسى. لكن كما نرى هنا، كان موسى مُستعدٌّ تماماً لتلقّي توجيهاتِ الله، بحيثُ لم يطرحَ أيّةَ أسئلةٍ بشأنِ هذا الأمر.
كما يُمكنُنَا أن نَكونَ أكثرَ يَقيناً بأن المصادر التي اعتمَدَ موسى عليها اشتمَلَت على وثائقٍ مُستقلّةٍ حين كتَبَ الأسفارَ الخمسة. ونرى هذا في مواضعٍ مثل خروج 24: 7. يُشيرُ هذا العدد إلى أن موسى كتَبَ "كتابَ العهدِ" كوثيقةٍ مُستقلّةٍ ضَمَّها لاحقاً إلى سفرِ الخروج. وفي سفرِ العدد 21: 14-15، اقتَبَس موسى مواقعاً جغرافيةٍ من كتابٍ كان معروفاً يُدعى "كتابُ حروبِ الرب".
بالإضافةِ إلى هذا، نَقرأُ في تكوين 5: 1، ما يُحتمَلُ أنْ يكونَ إشارةً واضحةً إلى مصدرٍ أدبيٍّ خارجيٍّ يُدعى "كتابُ مواليدِ آدم". وكما تُظهِرُ هذه الترجمةُ الحرفيّة، أشارَ موسى على الأرجحِ إلى معلوماتٍ حصلَ عليها من "كتابٍ" أو "دَرْجٍ" حقيقي — (سِيفِر) "סֵ֔פֶר" في العبريّة — عن نسلِ آدم.
2. العملية: في البدايةِ، قدّمَ موسى الكثيرَ من محتوى الأسفارِ الخمسة من خلالِ التلاوةِ الشفويّةِ قبلَ أن تُكتَب بالفعل. وتُعتَبَرُ خطاباتُه الواردةُ في سِفرَي الخروج والتثنية مثالان واضحان على هذا. ويُحتَمَلُ أن أجزاءً أخرى كثيرة في الأسفارِ الخمسة قد قُدِّمَت لإسرائيل شفويّاً في البداية، ثمّ كُتِبَت لاحقاً.
كما يُحتَمَلُ أن يكونَ موسى قد استعانَ بكتبةٍ أو أمناءِ سرٍّ أو نُسّاخٍ في كتابتِهِ الأسفار الخمسة. فنحنُ نعرفُ أن موسى تَعلّمَ في بلاطِ مِصر المَلَكي. وبهذا، فقد كانَ يَألفُ مُمارسةً شائعةً في تلكَ الأيّام وهي استخدامُ أمناءِ السّرّ والنُّسّاخِ في تدوينِ وكتابةِ الوثائقِ الرسميّةِ. وبصفةِ موسى قائد شَعبِ إسرائيل، فعلى الأرجحِ أنّهُ أوكلَ لكتّابِ بكتابةِ الكثير من الأسفارِ الخمسة، إن لم يكن كلها، تَحتَ إشرافِهِ.
والكتابُ المُقدس واضحٌ بأن كُتّاباً آخرين للكتاب المُقدس استخدموا نُسّاخاً. فمثلاً، نرى في إرميا 36: 4 أن النبي إرميا أخبرَ تلميذَهُ باروخ بأن يَكتبَ كلامَه. كما نرى دليلاً على هذه الممارسةِ بشكلٍ أساسيٍّ في الأساليبِ الأدبيّةِ المختلفةِ في الأسفارِ الخمسة. فمثلاً، تختلفُ أساليبُ روايةِ القصصِ الواردةِ في الأجزاءِ المختلفةِ من سفرِ التكوين بعضُها عن بعضٍ. ونرى اختلافات لافتة بين العبريّةِ المُستخدمة في سفرِ التثنية في صياغتِها وتكراراتِها وعبريّةِ الأسفار الأخرى ضِمنَ الأسفار الخمسة. وعلى الأرجحِ أن هذه الاختلافات وما يشابهَها تَعكِسُ عمَلَ نُسّاخٍ مختلفين.
3. الإضافة: يتعاملُ المُفسِّرونَ النقديّون مع كلِ الأسفارِ الخمسة باعتبارِ أنّها وصلت لشكلِها النهائي بعد عودةِ شعبِ إسرائيل من السّبي. ولكن أقرّ الإنجيليّون بأن الأسفارِ الخمسة تعودُ إلى أيّامِ موسى. ومع ذلك، فإن بعض الأجزاءِ في أسفارِ موسى الخمسة تُظهِرُ تحديثاً تحريريّاً طفيفاً حدثَ بعدَ أيّامِ موسى. ينبغي أن نكونَ حذرين جداً في تحديدِنا تواريخَ أجزاءٍ مُعيّنةٍ في الأسفارِ الخمسة. خضعت لغةُ الأسفارِ الخمسةِ لشيءٍ من التحديث مع تطوُّرِ اللغةِ العبريّة. فتُشيرُ الأبحاثُ الحديثةُ بقوّةٍ إلى أن موسى كتَبَ بلغةٍ يَدعوها العلماءُ "العبريّة الأوليّة". وتوضّحُ الأدلةُ المستقاةُ من وثائقٍ دوليّةٍ تمّ اكتشافُها في مِصر، وتُعرَفُ باسمِ "رسائلِ تل العمارنة"، إلى أن هذه العبريّة كانت مرتبطةً ارتباطاً وثيقاً باللهجاتِ الْكَنْعَانِيَّةِ التي كانت مُستخدَمةً في زمنِ موسى. ولكنَّ هذه اللغةَ أقدَمُ بكثيرٍ مما نَجدُهُ في النصِ العبريّ الكِلاسيكي للأسفار الخمسة. يبدو أن العبريّةَ الأوليّةَ التي استخدمها موسى نفسَه قد تَطوّرت إلى العبريّةِ القديمة. ثم تم تحديثها لاحقاً إلى العبريّةِ الكلاسيكيّة كما تَظهرُ اليوم في العهدِ القديم بنصِّهِ العبري.
الكلمة
عن هذه الخطة
تدعى أول خمسة أسفار في العهد القديم عادة أسفار موسى الخمسة. وهي تروي قصة شعب اسرائيل من الخلقية إلى الاعداد لامتلاك أرض الموعد. ولكن هل أسفار موسى الخمسة هي مجرد سرد تاريخي لشعب الله المختار؟ أم هي شيء أكثر من ذلك؟ نتعرّف في خطة القراءات هذه على الأسفار من التكوين إلى التثنية، من خلال البحث في سبب كتابتها، ما قصدته لقرّائها الأصليين، والطريقة التي يجب بها أن نتجاوب معها اليوم. نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر للأسفار من التكوين إلى التثنية. كما نشرح كيف كان لقرّاء موسى الأصليين أن يفهموا الروايات القصصية الواردة في أول خمسة أسفار في الكتاب المقدس، وماذا تعني هذه القصص للمؤمنين المعاصرين.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: http://arabic.thirdmill.org