أسفار موسى الخمسةعينة
اليوم 6: وجهات النظر الإنجيلية الحديثة (المنهجيّات التفسيريّة)
توجدُ عِدةُ طُرقٍ لوصفِ المنهجيّاتِ التفسيريّةِ هذه، لكنّنا سنتأمل بثلاثةِ اتّجاهاتٍ يتّبعُها الإنجيليّون.
1) التفسير الموضوعي:
من خلالِ التفسيرِ الموضوعي، ننظرُ إلى أسفارِ موسى الخمسة بصفتِها مِرآةٌ تسلّطُ نوراً على قضايا تَهمُّنا. فقد شدّدَ الإنجيليّون بشكلٍ صحيحٍ على مواضيعٍ أو موضوعاتٍ مُعيّنةٍ في هذا الجزء من الكتابِ المُقدَّس. ولكن لكلِّ سفرٍ من الأسفارِ الخمسة أولويّاتَهُ الخاصّة. وهكذا، رُبّما رَكّزَ موسى أو لم يُركّز على هذه المواضيع. وتَظهر هذه المنهجيّة في كثيرٍ من التفسيرِ المسيحيّ لهذه الأسفار عبرَ الألفَي سنةٍ الماضية. إن قائمةَ المواضيعِ التي رَكّزَ عليها المسيحيّون طويلةٌ جداً. فقد شدّدَ البعضُ على المسائلِ الشخصيّةِ والجدالاتِ الحاليّة. واستخدمَ آخرون الأسفارَ الخمسةَ لدعمِ آرائَهم في صياغةِ اللاهوتِ النظامي الكلاسيكي. فمثلاً، تُعلِنُ الأسفارُ الخمسةُ أموراً كثيرةً عن الله، كما أنها تُكرِّسُ مساحةً كبيرةً في الحديثِ عن نواحٍ مختلفةٍ في الطبيعة البشريّة. وهي توجّهُ الكثيرَ من الاهتمام لبقيّةِ الخليقةِ عموماً.
لكنّ إحدى المآخذ الكُبرى في التفسيرِ الموضوعي هي أنّها كثيراً ما تُقلّلُ من حقيقةِ أن مواضيعَ موسى الأساسيّة كانت لبني إسرائيل الذين تَبِعوه نحوَ أرضِ الموعد. ولأن منهجيّةَ التفسيرِ الموضوعي لا تُوجّهُ الكثيرَ من الانتباهِ إلى السياقِ الأصلي، كثيراً ما يُقتصرُ ما تعلّمهُ على لفتِ الانتباه إلى مواضيعٍ ثانويّةٍ. ومع هذا، علينا أن نَتذكَّرَ دائماً أن العهدَ الجديد يُؤيِّدُ هذه المنهجيّةَ في النظرِ إلى الأسفارِ الخمسة. فقد نَظرَ المسيحُ وكُتّابُ العهدِ الجديد إلى أسفارِ موسى في تناولِهِم لمواضيعٍ مثل التبريرِ بالإيمان، الطلاق، الإيمان والأعمال، ومجموعة من المواضيعِ الثانويّةِ نسبياً التي تَرِدُ في هذا الجزء من الكتابِ المُقدَّس. وهكذا، طالما أنَّنَا حريصين على ألا نُقحمَ موضوعاتٍ على هذه النصوصِ الكتابيّة، يُمكنُ للتفسيرِ الموضوعي أن يكونَ منهجيّةً قيّمةً في التعاملِ مع الأسفارِ الخمسة.
2) التفسير التاريخي:
كثيراً ما نظرَ الإنجيليون إلى الأسفارِ الخمسة كوسيلةٍ لاكتشاف ما حدثَ في الماضي. يَتعاملُ التفسير التاريخي مع الأسفارِ الخمسة بصفتِها نافدةٌ إلى التاريخ. وننظرُ نحن من خلالِ أسفار موسى، إن جازَ التعبير، لاستكشافِ التاريخِ الكامنِ وراءَها. يَتتبّعُ سفرُ التكوين التاريخَ المُمتد من الخليقةِ وحتّى زمنِ يوسف. وتَمتدُّ روايةُ سفرِ الخروج من مَوتِ يوسف وحتّى الوقت الذي حَلَّ فيه شعبُ إسرائيل مع موسى عِندَ أسفلِ جبلِ سِيناء. أما سفرُ اللاويين، فيَشرحُ بعضَ الشرائعِ والطقوسِ التي تَلّقاها موسى حينَ كان في جبلِ سِيناء. ويَتبَعُ سِفرُ العدد مسيرةَ الجِيلَين الأول والثاني للخروجِ من جبلِ سِيناء وحتّى عربات موآب. ويتناولُ سفرُ التثنية بالتفصيل خطاباتِ موسى التي ألقاها أمامَ شعبِ إسرائيل في عربات موآب، بينما كانوا على وشكِ الدخولِ لأرضِ كنعان.
وبرَغم قيمةِ التفسيرِ التاريخي العظيمة، فإن هذه المنهجيّة لدراسةِ الأسفار الخمسة لها حدود. ويُشبهُ التفسيرُ التاريخي التحليلَ الموضوعيّ في كونِهِ لا يُوجّهُ إلا القليلَ من الانتباهِ إلى موسى وقرّائهِ الأصليّين. فتُركّزُ هذه المنهجيّةُ على ما عَمَله اللهُ في حَقباتِ التاريخِ المُختلفةِ قبلَ كتابةِ الأسفارِ الخمسة. ماذا عَمَل الله مع آدم وحواء؟ ما مغزى طوفانُ نوح؟ كيف تعاملَ إبراهيمُ مع الله؟ ما الذي حَقّقهُ اللهُ حين عبرَ شعبُ إسرائيلَ البحر؟ إن هذه المواضيع مشروعةٌ، لكنّها تُقلِّلُ من أهميّةِ موسى بصفتِه الكاتب، وشعبُ إسرائيلِ بصفتِهِم القرّاءُ الأصليّين لهذه الأسفار.
3) التفسير الأدبي:
يتعاملُ التفسير الأدبيّ مع الأسفارِ الخمسة كلوحةٍ – كعملٍ أدبيٍ فنّيّ هَدفهُ التأثيرُ في قرّائهِ الأصليّين بطرقٍ مُعيَّنة. والسؤالُ الجوهريُّ الذي يطرحهُ التفسيرُ الأدبيّ هو: كيفَ قصدَ موسى أن يُؤثِّرَ في قرّائهِ الأصليّين من شعبِ إسرائيل من خلالِ كتابتهِ للأسفارِ الخمسة؟ من المُنصِفِ أن نقول أنّه كان لموسى عِدّةُ أهدافٍ. لكن يُساعدُنا وَصْفُ هذه الأهدافِ بإطارٍ عامّ كثيراً، ولذا سنَصفُ قصدَ موسى بالطريقةِ التالية: بصفةِ موسى قائدُ شعبِ إسرائيلَ المُعيَّنِ من الله:
كَتَبَ موسى الأسفارَ الخمسةَ لإعدادِ شعبِ إسرائيلَ للخدمةِ الأمينةِ للهِ في الاستيلاءِ على أرضِ الموعدِ والاستيطانِ فيها.
يُقِرُّ التفسيرُ الأدبي أن موسى وقفَ بين فترتَين زمنيتَين حين كتبَ الأسفار الخمسة. فمن ناحيةٍ، كتبَ موسى عمّا يُمكنُنا دَعوتَه "ذلكَ العالم"، أي الأحداثَ التي تمّت في الماضي. فقد وقعت الأحداثُ المُدوَّنةُ في سفرِ التكوين قبلَ زمنِ موسى بفترةٍ طويلة. ويركزُ سِفرا الخروج واللاويين على الأحداثِ التي تَمّت في فترةِ الجيلِ الأولِ الخارجِ من مصر. أمّا سِفرا العدد والتثنية فيشملانِ على أحداثٍ تَتعلّقُ بالجيلِ الأولِ وحتى الجيلِ الثاني. فحينَ كتبَ موسى كلّ سفرٍ من الأسفارِ الخمسة، كانت هذه الحِقباتُ الزّمنيّةُ الماضيّةُ المختلفةُ في فكرِه. لكن من الناحيةِ الأخرى، كَتَبَ موسى أيضاً "لعالمِهِم"، أي لمخاطبةِ القرّاءِ الأصليّين في زمنِهِ. فقد أخَذَ موسى من ماضي "ذلكَ العالم" ليُعلّمَ قرّاءَهُ كيفَ ينبغي أن يُفكّروا ويسلكوا ويشعروا في خدمةِ الله في "عالمهم". ولتحقيقِ هذا الهدف، كتبَ موسى عن "ذلكَ العالم" بطرقٍ تربِطه "بعالمِهِم".
ربطَ موسى الماضي بقرّائهِ الأصليّين بثلاثِ طرقٍ رئيسيةٍ. فقد قَدّمَ لهم رِواياتٍ عن الماضي شّكّلت خلفيةَ أو أصولَ الخبراتِ الحاليةِ لقرّائهِ. كما قَدّمَ لهم نماذجَ ليَقتدوا بها أو يَرفضوها. وصاغَ رِواياتَه كظِلالٍ أو تلميحاتٍ إلى عالمِ قرّائه. في بعضِ الأحيان، جَعلَ موسى هذه الروابطُ بالحري واضحةً. فمثلاً، في التكوين 15: 12-16، أخبرَ موسى قرّاءَه عن خلفيةِ وعدِ الله بأن يُخرِجَهم من مصر. وتَحقّقَ هذا الوعدُ في يومِهِم. وفي التكوين 2: 24، أوضحُ موسى أن زواجَ آدم وحوّاء كان نموذجاً للزواجِ وَسْطَ شعبِ اللهِ الأمين. وفي التكوين 25: 23، ذَكرَ موسى أن الصراعَ الذي حَدَث بين يعقوب وعيسو في رحمِ أمّهما كان ظِلّاً للصِراعِ بين قرائهِ الأصليّين من شعبِ إسرائيل والأدوميّين في أيّامِهِم. تَظهرُ روابطٌ واضحةٌ بين "ذلكَ العالم" و"عالمَهُم" في أماكنٍ ومقاطعٍ مختلفةٍ في الأسفارِ الخمسة. ولكن هذه الروابطُ ضمنيةٌ في معظم الوقت. وهكذا، فإن إحدى المهامِ الرئيسيّةِ للتفسيرِ الأدبيّ هي معرفةُ كيفَ ربطَ موسى "ذلكَ العالم" من الماضي "بعالمِهِم" أي عالمَ قرّائِه الأصليّين.
رَكّزَ تفسيرُ الأسفارِ الخمسة، لآلافِ السنين، على المَنهجيَّتَين الموضوعيّة والتاريخيّة أكثرَ من تركيزهِ على التحليلِ الأدبي.
الكلمة
عن هذه الخطة
تدعى أول خمسة أسفار في العهد القديم عادة أسفار موسى الخمسة. وهي تروي قصة شعب اسرائيل من الخلقية إلى الاعداد لامتلاك أرض الموعد. ولكن هل أسفار موسى الخمسة هي مجرد سرد تاريخي لشعب الله المختار؟ أم هي شيء أكثر من ذلك؟ نتعرّف في خطة القراءات هذه على الأسفار من التكوين إلى التثنية، من خلال البحث في سبب كتابتها، ما قصدته لقرّائها الأصليين، والطريقة التي يجب بها أن نتجاوب معها اليوم. نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر للأسفار من التكوين إلى التثنية. كما نشرح كيف كان لقرّاء موسى الأصليين أن يفهموا الروايات القصصية الواردة في أول خمسة أسفار في الكتاب المقدس، وماذا تعني هذه القصص للمؤمنين المعاصرين.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: http://arabic.thirdmill.org