أسفار موسى الخمسةعينة
اليوم 14: المواضيع الرئيسية (نعمة الله لإسرائيل)
تشدّدُ قصةُ حياةِ يعقوب على نعمة الله لإسرائيل. سنتأمل في نعمةِ اللهِ لإسرائيل بطريقتين. فمن جهةٍ، سنرى كيف كان هذا الموضوعُ محورَ تركيزِ المعنى الأصليّ لموسى، وكيف أرادَ أن يؤثّرَ في قرّائهِ من بني إسرائيلَ في القديم. ومن جهةٍ أخرى، سنأخذُ بعينِ الاعتبارِ بعضَ النواحي التي يجبُ أن يؤثِّرَ من خلالِها موضوعُ النعمةِ الإلهيّةِ في تطبيقِنا المعاصِر لهذا الجزءِ من التكوين.
1) المعنى الأصلي:
بصورةٍ عامةٍ، وبغيةَ تعليمِ شعبِ إسرائيل عن نعمةِ اللهِ في حياتِهِم، شدّدَ موسى على النعمةِ الإلهيّةِ في حياةِ يعقوب بثلاثِ طرقٍ.
أ- النعمة السابقة: أشارَ موسى كيفَ أظهرَ اللهُ نعمةً سابقةً ليعقوب حتى قبلَ أن يُولَد. تلفتُ الحادثةُ الافتتاحيةُ لسيرةِ يعقوب انتباهَنا إلى هذه المسألة (التكوين 25: 23). في رومية 9: 11-12، علّقَ الرسولُ بولس بقولهِ إن يعقوبَ نالَ رحمةَ اللهِ حتى قبلَ أن يفعلَ خيراً أو شراً. وبالطريقة عينها، فإن نعمةَ اللهِ، لأسباطِ إسرائيلَ التي كانت تتبعُ موسى إلى أرضِ الموعدِ، تأسست على مراحمِ اللهِ في الماضي (التثنية 7: 7-8).
ب- النعمة المستمرة: في المقامِ الثاني، سلّطَ موسى الضوءَ على الحاجةِ إلى النعمةِ المستمرةِ للهِ في حياةِ يعقوب. وعلّمَ هذا بني إسرائيل عن حاجتِهِم الماسةِ إلى نعمةِ اللهِ المستمرةِ في حياتِهِم. ويَظهَرُ هذا التركيزُ أولاً في رِوايةِ ولادةِ يعقوب في التكوين 25: 24-26. دُعيَ يعقوبُ بهذا الاسمِ لأنه خرجَ عندَ الولادةِ "وَيَدُهُ قَابِضَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو". واسمُ يعقوب יַעֲקֹב، في العبرية، هو من نفسِ الجذرِ للكلمة المُترجمةِ "عَقَبَ" أو (عاقيڤ) עָקֵב في العبريّة. ويعني اسمُ يعقوبَ، فعليّاً، "يقبضُ على العَقِب". لكن كانَ لاسمهِ، في هذه الحالة، دلالاتُ التخريبِ والخِداعِ، لأن يعقوبَ سعى إلى كَسْبِ مركَزِ البَكوريّةِ منذُ يومِ ولادتهِ. حتى يمكننا القولُ إن اسمَ يعقوبُ يعني شيئاً مثلُ "المُخادع". ويُفسّرُ هذا ردةَ فعلِ عيسو في التكوين 27: 36 بعد أن خدعَ يعقوبُ إسحاق لينالَ منه بركةَ عيسو. فاسمُ يعقوب يتلاءمُ مع تصرفاتِهِ ويُظهِرُ بوضوحٍ حاجتَهُ إلى نعمةِ اللهِ المستمرةِ في كلِّ يومٍ من حياتِهِ.
غالباً ما لفتَ موسى الانتباهَ إلى إظهاراتٍ لنعمةِ اللهِ المستمرةِ والتي كانت وثيقةُ الصلةِ بصورةٍ خاصةٍ بقرّائهِ الأصليين. وعلى سبيلِ التوضح، في التكوين 26: 26-33، أظهرَ اللهُ رحمتَه إلى إسحاق، أبي يعقوب، بضمانِ سلامتهِ بين الفلسطينيّين. وعندما كتبَ موسى هذه الإصحاحات، كانَ الذينَ استلموا كلامَه من بني إسرائيلَ بحاجةٍ أيضاً إلى نعمةِ اللهِ ليَضمَنوا حمايَتَهم الشخصيةَ من الفلسطينيّين. بالإضافةِ إلى ذلك، في التكوين 34: 1-31، تَكرَّمَ اللهُ وأعطى يعقوب الانتصارَ على الكنعانييّن. من خلالِ هذا المثال، تعلّمَ قرّاءُ موسى الأصليّين أنهم بحاجةٍ إلى نعمةِ اللهِ المستمرةِ لتعطيهمُ النُصرةَ على الكنعانيّين في زمنِهِم.
ج. النعمة المستقبلية: في التكوين 25: 23، وَعَدَ اللهُ قبلَ ولادةِ يعقوب "شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى شَعْبٍ، وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ". ويشيرُ هذا الوعدُ إلى أنّ بني إسرائيل سَيَتَثَبّتونَ جيداً في أرضِ الموعِد، بحيث يمتدُ حكمُهم – وبالتالي – حكمُ الله - إلى أرضِ ذريّةِ عيسو أيضاً. وكان هذا الوعدُ بالبركةِ المستقبليّةِ بشكلٍ خاصٍ وثيقَ الصلةِ بالنسبةِ لقرّاءِ موسى الأصليَين في تعاملِهِم مع الأدوميّين في عصرِهِم. وقطعَ اللهُ عدداً من الوعودِ الأخرى حولَ النعمةِ المستقبليّةِ في سيرةِ حياةِ يعقوب. على سبيلِ المثال، في حُلُم يعقوب في بيتِ إيل، في التكوين 28: 10-22، أكّدَ اللهُ ليعقوب الكثيرَ من المراحِمِ المستقبليّةِ. ولاحقاً، عادَ اللهُ وأكَّدَ لهُ وعوداً مماثلةً بالنعمةِ أثناءَ عبادةِ يعقوب في بيتِ إيل في التكوين 35: 11-12. وهذه الوعودُ بالنعمةِ المستقبليّةِ ليعقوب، كَشَفت لقرّاءِ موسى الأصليّين المستقبلَ المشرقَ الذي أعدَّهُ اللهُ لهم، وهم يتقدّمونَ للاستيلاءِ على أرضِ كَنعان واستيطانِها.
2) التطبيق المعاصر:
هناك طرقٌ لا تُحصى في تطبيقِ موضوعِ نعمةِ اللهِ على حياتِنا كأتباعٍ للمسيح. لكن من أجلِ فائدتنا، سنفكرُ من ناحيةِ تأسيسِ ملكوتِ المسيح، استمراريّةِ ملكوتهِ عبرَ تاريخِ الكنيسة، واكتمالِ الملكوتِ عندَ عودتهِ بمجدٍ. وتمثِّل هذه المراحلُ الثلاثُ لملكوتِ المسيحِ بعضَ الطرقِ الرئيسيّةِ التي يُعلّمُها العهُد الجديدُ لأتباعِ المسيح، ليجدوا نعمةَ اللهِ في الماضي، النعمةَ المستمرةَ، والنعمةَ المستقبليّةَ في حياتِهِم.
أ- تأسيس الملكوت: كأتباعٍ للمسيح، عندما نرى إظهاراتٍ لنعمةِ اللهِ الماضيةِ في حياةِ يعقوب، يجب أن نتذكّرَ كيفَ أعلنَ اللهُ نعمتَهُ الماضيةَ لنا، لا سيما من خلالِ تأسيسِ ملكوتهِ في المسيح. فالمجيءُ الأولُ للمسيحِ يقفُ في آخرِ طريقٍ طويلٍ من تاريخِ النعمةِ الممتدِ عبرَ كلِّ العهدِ القديم. وكما تُشيرُ نصوصٌ مثلُ رومية 5: 20، أظهرَ اللهُ نعمتَهَ ورحمتَهُ عندَ المجيءِ الأولِ للمسيحِ أكثرَ من أيِّ وقتٍ سابقٍ.
ب- استمرارية الملكوت: تُذكِّرُنا نعمةُ اللهِ المستمرةُ في حياةِ يعقوب بأن نسعى وراءَ مراحمهِ المستمرةِ، ونتّكل عليها خلال استمراريةِ ملكوتِ المسيح. وكما يَردُ في نصوصٍ مثل العبرانيين 4: 16، حيث يُمكن لأتباعِ المسيحِ أن "يتقدموا بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ نِّعْمَةِ [الله] لِكَيْ يَجدوا نِعْمَةً [مستمرةً] وعَوْناً فِي حِينِهِ."
ج- اكتمال الملكوت: عندما نرى تأكيداتِ اللهِ ليعقوب بشأنِ النعمةِ المستقبليّةِ، يجب أن نتذكّرَ نعمةَ اللهِ المستقبليّةِ لنا التي ستَظهرُ عندَ اكتمالِ ملكوتِ المسيح. وكما تَعلّمَ قرّاءُ موسى الأصليّين عن نعمةِ اللهِ المستقبليّةِ في أرضِ الموعد، هكذا يتوقُ أتباعُ المسيحِ لتحقيقِ وعودِ اللهِ في الخليقةِ الجديدة. وتُذكِّرُنا نصوصٌ مثل أفسس 2: 7 بأنه عندَ رجوعِ المسيح، سنختبرُ "غِنَى [نِعْمَة الله] الْفَائِقَ".
الكلمة
عن هذه الخطة
تدعى أول خمسة أسفار في العهد القديم عادة أسفار موسى الخمسة. وهي تروي قصة شعب اسرائيل من الخلقية إلى الاعداد لامتلاك أرض الموعد. ولكن هل أسفار موسى الخمسة هي مجرد سرد تاريخي لشعب الله المختار؟ أم هي شيء أكثر من ذلك؟ نتعرّف في خطة القراءات هذه على الأسفار من التكوين إلى التثنية، من خلال البحث في سبب كتابتها، ما قصدته لقرّائها الأصليين، والطريقة التي يجب بها أن نتجاوب معها اليوم. نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر للأسفار من التكوين إلى التثنية. كما نشرح كيف كان لقرّاء موسى الأصليين أن يفهموا الروايات القصصية الواردة في أول خمسة أسفار في الكتاب المقدس، وماذا تعني هذه القصص للمؤمنين المعاصرين.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: http://arabic.thirdmill.org