أبونا إبراهيمعينة
اليوم 15: إبراهيم ويسوع: نسل إبراهيم
للأسف، يُطبّقُ المسيحيون، في كثيرٍ من الأحيان، حياةَ إبراهيم على الحياةِ العصرية بشكلٍ مباشرٍ إلى حدٍ ما. فنحن نقتربُ من قصصِ إبراهيم كقصصٍ أخلاقيةٍ بسيطةٍ تتحدثُ إلى حياتِنا بشكلٍ مباشرٍ. لكننا نعلمُ كمسيحيين أن هناك وسيطاً في علاقتِنا مع إبراهيم؛ فحياةُ إبراهيم وثيقةُ الصلةُ بنا لأننا انضممنا إلى نسلهِ الخاص، أي المسيح. فالمسيحُ يقفُ بيننا وبين إبراهيم. ولهذا السبب، علينا أن ننظرَ دائماً للقصصِ الكتابية المتعلقةُ بإبراهيم في ضوءِ شخصِ المسيح وما فعلَه.
الفردية:
أشار بولس في غلاطية 3: 16 إلى حقيقةِ أن الله أعطى وعوداً لإبراهيم ونسله أو ذريته في سفر التكوين. لكن لاحظ كيف علّق بولس على كلمة "نسل" بشكل خاص، قائلاً إن الله لم يعطي الوعود لإبراهيم وأنساله، أي لكثيرين، لكن لإبراهيم ونسله، أي لشخصٍ واحدٍ وهو المسيح.
وقد قدّم بولس حجتّه بالإشارة إلى أن الكلمة العبرية zera، والتي تُترجَم "نسل" وردت بصيغة المفرد. وينطبق الشيء ذاته على الكلمة اليونانية sperma في الترجمة اليونانية للعهد القديم والتي كانت موجودة في زمن بولس. وكما أشار بولس أن الله لم يقل لإبراهيم بأن الوعد كان له ولأنساله (في صيغة الجمع)، لكن لنسلك في صيغة المفرد.
صحيح أن كلمة "نسل" أو zera هي في صيغة المفرد، لكن في أحيان كثيرة في العهد القديم، بما في ذلك في قصص حياة إبراهيم، يجب اعتبار كلمة "نسل" بصيغتها المفردة على أنها مفردة في الصيغة جماعية في المعنى، أي أنها كلمة مفردة تشير إلى مجموعة. إن الكلمة العبرية zera أو "نسل" تشبه الكلمة الإنجليزية "offspring". فمع أن هذه الكلمة في صيغة المفرد، إلا أنها قد تشير إلى "نسل" واحد أو ذرية واحدة فقط، كما يمكن أن تشير إلى ذريات أو "أنسال" كثيرين بشكل جماعي. على سبيل المثال، إن مصطلح "نسل" أو zera هو حتماً جمع في معنى في تكوين 15: 13.
إذا كان بولس على علم بأن الصيغة المفردة لكلمة "نسل" يمكن أن تشير إلى أكثر من شخص واحد، لماذا شدّد إذاً على فرديتها؟ فكّر بولس، على الأغلب، بفقرة واحدة على وجه التحديد في حياة إبراهيم، تكوين 22: 16-18، حيث أشارت كلمة "نسل" في هذه الآيات إلى المعنى المفرد حتماً.
للأسف، يفسر العديد من الترجمات الحديثة هذه الفقرة وكأن كلمة "نسل" هي مفردة في الصيغة جماعية في المعنى. لكن علينا أن نتذكر أن هذه الآية هي جزء من قصة تقديم إسحاق كذبيحة. ولم تُشر كلمة "نسل" هنا إلى أنسال إبراهيم بشكل عام، لكنها أشارت إلى إسحاق، ابن إبراهيم. والفعل "يرث" هو في صيغة المفرد في اللغة العبرية، كما أن الضمير في عبارة "أعدائه" هو في صيغة المفرد أيضاً.
المسيح كالنسل:
لم يلفت بولس الانتباه في غلاطية 3: 16 إلى حقيقةِ أن نسل إبراهيم كان بصيغة المفرد فحسب، بل إلى أن النسل الوحيد لإبراهيم هو المسيح. بالنسبة للمعنى الأصلي لسفر التكوين، فإن نسل إبراهيم الوحيد والذي كتب عنه موسى هو إسحاق، ابن الوعد الخاص والمولود من سارة. كيف نفهم بولس إذاً عندما كتب أن نسل إبراهيم الوحيد هو يسوع؟
كان ميراث إبراهيم ميراثاً عائلياً ينتمي لأنساله. ولكن اختار الله، في عدد من النقاط الحاسمة في تاريخ الكتاب المقدس، عدة شخصيات رئيسية ليكونوا بمثابة ورثة خاصين، حصلوا على ميراث إبراهيم ووزعوه على الآخرين. ففي حالة إسحاق، كان إسحاق النسل الخاص المتميز عن أبناء إبراهيم الآخرين. وعندما وُلِدَ ابنا إسحاق، يعقوب وعيسو، اختار الله يعقوب ليكون النسل الخاص لإبراهيم واستثنى عيسو وأنساله. وأتى من يعقوب رؤساء الآباء الاثنا عَشَر لأسباط إسرائيل. لكن كان بين أسباط إسرائيل، عدة شخصيات هم بمثابة ورثةٍ خاصين لإبراهيم. حيث كان موسى على سبيل المثال قائداً ووسيطاً بين الله والشعب عندما انتقل بنو إسرائيل من مصر إلى أرض الموعد. وفي وقت لاحق، عندما أصبحت إسرائيل إمبراطورية متنامية، قام داود وأبناؤه بدور خاص كوسطاء في ميراث إبراهيم.
إن هذا الدور الخاص لداود وأبنائه دفع بولس للإشارة إلى المسيح على أنه نسل إبراهيم العظيم الأخير، لأن يسوع هو الوريث الشرعي لعرش داود، حيث اختاره الله ليكون الملك الأزلي لشعبه. إنه نسل إبراهيم الملوكي الأزلي العظيم، أي المسيّْا. ولهذا السبب، فإن المسيح هو الشخص الوحيد الذي يمكن لأي فرد أن يشارك بواسطته في ميراث إبراهيم. ولن يحصل أي شخص منفصل عن المسيح على وعود إبراهيم.
وهكذا، يُمكنُنَا تلخيصُ علاقةُ المسيح بالنسبةِ لإبراهيم بالطريقةِ التالية. إن المسيحَ، من وجهةِ النظرِ المسيحيةِ، هو نسلُ إبراهيم الفريد والنهائي. وكمسيحيين، عندما نَوَدُ تطبيقَ حياةَ إبراهيم على عالمِنا المعاصر، يجب أن نتذكرَ دائماً أن الرابط بين إبراهيم وعالمنِا هو انتقالُ بركاتِ إبراهيم العظيمة إلى المسيح عندما أسسَ ملكوتَه، وبينما يستمرُ في بناءِ ملكوتِه الآن، وعندما يحقّقُ اكتمالَ ملكوتِهِ.
يعلّم العهد الجديد أن المسيح يحصل على ميراث إبراهيم ويوزعه في ثلاث مراحل رئيسية. أولاً، في تأسيس ملكوته الذي حدث عند مجيئه الأول. ثانياً، في استمرارية ملكوته الذي يمتد في كل التاريخ بعد مجيئه الأول وقبل مجيئه الثاني. وثالثاً، عند اكتمال ملكوته في مجيئه الثاني المجيد. وهو يستمر في الحصول على ميراث إبراهيم وتوزيعه بمعايير متزايدة، بينما يملك على الجميع عن يمين الله الآب. وسيحصل يوماً ما، على ميراث إبراهيم ويوزعه كاملاً عندما يعود ثانية في المجد.
الكلمة
عن هذه الخطة
ينظر المسيحيون، والمسلمون، واليهود جميعا إلى أبونا إبراهيم كأب لمعتقداتهم. ولكن تستخلص هذه الديانات استنتاجات مختلفة جدا حول سيرته الذاتية. تبحث هذه الخطة في قصة حياة إبراهيم في سفر التكوين من وجهة نظر مسيحية واضحة من أجل الإجابة على أسئلة مثل: ماذا تعني هذه الأسئلة لأولئك الذين تسلموها أولاً؟ وماذا تعني لنا نحن اليوم؟ نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر لتكوين 12–25. كما شرح كيف خدمت حياة إبراهيم كنموذج لإسرائيل في أيام موسى.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: http://arabic.thirdmill.org/