الرسالة إلى العبرانيينعينة
اليوم 7: حدة التحذيرات الموجودة في الرسالة إلى العبرانيين
تتميّز رسالة العبرانيين عن سائر رسائل العهد الجديد بكثافة التحذيرات التي تظهر فيها. لننظر إلى حدة التحذيرات التي تتكرّر بشكلٍ بارز على طول الرسالة. ثم ندرس الغاية من هذه التحذيرات، وكيف كان الكاتب يأمل أن يتجاوب مستلمو الرسالة معها.
حدة التحذيرات:
بغية التعمق أكثر فيما نعنيه بحدّة تحذيرات الكاتب، سننظر في مسألتين: أوّلاً، تكرار التحذيرات في الرسالة، وثانياً، أسلوب الكاتب البلاغي الذي يتلازم مع هذه التحذيرات.
1) التكرار:
يساعدنا تكرار تحذيرات الكاتب على فهم الحاجة الملحة لهذه الرسالة. وردت هذه التحذيرات بطريقة ضمنيّة أحياناً، إلّا أنّها تظهر بشكلٍ واضح 30 مرّة على الأقلّ. ويستخدم الكاتب في مناسباتٍ عدّة ما يسمّيه علماء النحو اليونانيون بصيغة "التمني التشجيعية" “subjunctive” وصيغ الأفعال هذه تدعو إلى الحثّ أو المناشدة وهي غالباً ما تترجم إلى "لنفعل" هذا أو ذاك (مثلاً عبرانيين 4: 14 و16).
يحذّر الكاتب قرّاءه أيضاً باستخدام صيغة الأمر التي غالباً ما نترجمها على شكل أمرٍ مباشر (مثلاً عبرانيين 12: 12–16).
إن أحدَ الأسبابِ وراءَ أهميةِ التَنَبُهِ إلى تَحذيراتِ الكاتِبِ المباشرة إلى قرائه، هو أن التأملات اللاهوتية المُعَقَّدة في الرسالة غالباً ما تحجب قصد الكاتب من كتابته. فهو لم يرد فقط إبلاغ القرّاء تعليماً لاهوتيّاً. بل هو أراد من خلال التعليم إقناعهم بتبنّي مواقف والقيام بأعمال متنوعة. وهذا ما عناه بتسمية رسالته "كلمة الوعظ". ونحن إن لم نبقِ هذه الحاجة الملحة في أذهاننا فسوف تفوتنا ناحية مهمّة من الرسالة إلى العبرانيين.
2) الأسلوب البلاغي:
تستخدم الرسالة إلى العبرانيين العديد من الصور البلاغيّة التي اقترنت بالخطابات المقنعة أو النقاشات الملحّة في القرن الأوّل. ويظهر العديد من هذه الصور البلاغية من حينٍ إلى آخر في كتبٍ أخرى من العهد الجديد، إلّا أنّها الأكثر تكراراً في العبرانيين.
إنّ الرسالة إلى العبرانيين أفضل مثل لكاتب يتمتّع بمهارات بلاغيّة هامة. وقد ساعده ذلك في تحقيق الهدف الذي أراده. فهو يحاول أن يبرهن سمو المسيح والعهد الجديد على العهد القديم، وهو يقوم بذلك مستعيناً جزئًيا بحجج يصوغها بأسلوب أدبي شديد الإقناع. كما يعمد إلى استخدام العديد من الصيغ المختلفة في تركيب الجمل. فنرى نصّه مصاغاً بأسلوب مثير وبصور بلاغية يجذب بها القارئ كي يقنعه.
—الدكتور مارك إل. ستراوس
إحدى هذه الصور البلاغية، وتُسمى سينكريزِس synkrisis باليونانية، هي مقارنة مفصّلة بين أمرَين أو أكثر غايتها إقناع القرّاء بوجهة نظر المتكلّم. على سبيل المثال، تظهر السينكريزِس في الرسالة إلى العبرانيين في 7: 11–28. في هذا المقطع، يناقش الكاتب مسألة يسوع الكاهن-الملك على مثال مَلْكِي صَادَقَ وهذا الأخير هو كاهن وملك يرد ذكره في سفر التكوين. إلّا أنّ الكاتب لم يكتفِ فقط بالدفاع عن فكرته بل قدّم لقرّائه مقارنة مقنعة بين مَلْكِي صَادَقَ والمسيح تشتمل على ثماني نقاطٍ: الأصل، سلالة النسب، الولادة، الموت، المنصب، الأعمال، المنزلة والإنجازات. وكان يهدف بهذه المقارنات المفصّلة إلى إزالة كلّ الأفكار التي تشكّك بأن يسوع هو رئيس الكهنة الملكي العظيم.
نوعٌ آخر من الصور البلاغية التي نراها في الرسالة إلى العبرانيين يُعرف بإكزامبلا Exempla. والإكزامبلا هي إيضاحات أو أمثلة متتالية تهدف إلى إقناع الآخر بوجهة نظر معيّنة من خلال تقديم حجة مقنعة حول رأي محدّد. ويظهر هذا الأسلوب الخطابي في لائحة المؤمنين المألوفة في العبرانيين 11. حيث ذكر الكاتب بالأسماء كلّاً من: هابيل، أخنوخ، نوح، إبراهيم، سارَة، إسحاق، يَعقوب، يوسُف، موسى، بني إسرائيل، راحاب، جِدْعُون، باراق، شَمشُون، يفْتاح، داوُد، صموئيل والأنبياء. وكانت الغاية من هذه اللائحة الطويلة إقناع القرّاء بأنه ينبغي على خدّام الله أن يثبتوا في إيمانهم وأمانتهم في أوقات الاضطهاد.
نوع ثالثٌ من الصور البلاغية التي استخدمها كاتب العبرانيين يُعرف بالتعبير العبريّ قول واهومير. هذا التعبير معروفٌ جدّاً في التقليدَين اليوناني -الروماني والرابيني، ويمكن أن يترجم من "الخفيف إلى الثقيل"، أو "من الأصغر إلى الأعظم"، أو "من البسيط إلى المعقّد". وهذا النوع من الجدل يبدأ بمقدّمة منطقيّة بسيطة لا يختلف حولها القرّاء. ثمّ تتّجه نحو خلاصة أكثر تعقيداً كانت محور شكٍّ لدى القرّاء في البداية، إلّا أنّهم الآن باتوا أكثر قبولاً حيالها. وبطرح مثل هذا البرهان يمكننا أن نبيّن أنّه بما أنّ المقدّمة البسيطة هي صحيحة، إذاً لا بدّ للخلاصة الأصعب من أن تكون صحيحة أيضاً. انظر إلى الطريقة التي تظهر فيها هذه الصورة البلاغيّة في العبرانيين 10: 28 و29:
مَنْ خَالَفَ نَامُوسَ مُوسَى فَعَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَمُوتُ بِدُونِ رَأْفَةٍ. فَكَمْ عِقَاباً أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ؟ (عبرانيين 10: 28–29)
هنا يبدأ الكاتب بمقدّمة منطقيّة متفق عليها لدى القارئ: إنّ مخالفة ناموس موسى عاقبتها الموت. ثمّ ذهب بالقرّاء أبعد من ذلك حين ناقش كم عقاباً أشدّ يستحقّ الذين داسوا من هو أعظم من موسى– ابن الله.
الكلمة
عن هذه الخطة
تعد الرسالة إلى العبرانيين أحد أكثر الأسفار تحدّياً في العهد الجديد. فمن الصعب فهم العديد من موضوعاتها وأفكارها الرئيسية وهي تميل إلى تناولها بشكل مختلف عما تقوم به أسفار العهد الجديد الأخرى. ولكن من المفيد أن ندرك أن القرّاء الأصليين كانوا يواجهون الاضطهاد وتجربة الارتداد عن المسيح. لهذا السبب ركّز كاتب العبرانيين على الثبات القوي في الإيمان، ولذلك تعد هذه الرسالة من أكثر الأسفار ذات قيمة وتشجيعاً للمسيحيين في كل عصر. في هذه الخطة نتعرّف على خلفية الرسالة إلى العبرانيين ورسالتها الرئيسية. كما نقوم بتلخيص بنية ومحتوى الرسالة إلى العبرانيين، ومعناها الأصلي، والتطبيق المعاصر لها.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: