الرسالة إلى العبرانيينعينة
اليوم 12: المحتوى المتكرر (دعم من العهد القديم)
تُظهر معظم الحسابات أنّه يوجد في الرسالة إلى العبرانيين نحو مئة اقتباس من العهد القديم أو إشارة أو تلميح إليه. وهذا التفاعل مع أسفار العهد القديم كان مهمّاً جداً بالنسبة إلى قصد الكاتب لدرجة أنّه يظهر في كلّ جزء أساسي من الرسالة. وبالطبع ليس من الصعب أن نفهم السبب. فلكي يتصدّى لتعاليم المجتمع اليهودي المحلّي، لجأ كاتب العبرانيين إلى مرجع يؤمن جميع الأطراف بمصداقيّته ويعتبرونه مقدساً وهو العهد القديم.
هناك خمسة طرق أساسيّة تناول فيها كاتب العبرانيين بشكلٍ متكرّر اقتباسات من العهد القديم.
1) خلفيّات واقعيّة:
استعاد الكاتب بعض التفاصيل التاريخيّة الواردة في الأسفار المقدسة العبرية مقتبسًا بضع عبارات. ثمّ دمج الوقائع التي تدل عليها في تقديمه للإيمان المسيحي. على سبيل المثال، في العبرانيين 7: 2 شرح الكاتب أنّ اسم "ملكي صادق، ملك ساليم"، الوارد في التكوين 14: 18، يعني "ملك البرّ" و"ملك السلام". فهذه الخلفيّة الواقعيّة عزّزت المقارنة بين يسوع وملكي صادق. كمثال آخر، في العبرانيين 12: 20–21، ذكر الكاتب ارتعاد إسرائيل على جبل سيناء الوارد في الخروج 19: 12–13 والتثنية 9: 19. ثمّ قابل بين خوف إسرائيل وفرح أتباع المسيح في أورشليم السماوية.
2) آراء لاهوتيّة:
ذكر الكاتب آراء لاهوتيّة ثابتة حول الله ومسائل أخرى تتعلق به مباشرة نشأت في العهد القديم وكانت لا تزال متداولة حتّى في زمنه ذاك. فمثلاً في العبرانيين 1: 5، ذكر الكاتب ما جاء في 2 صموئيل 7: 14 أو ما يوازيه في 1 أخبار الأيام 17: 13. هنا، أعلن الله أنّ كلّ ملك في سلالة داود سوف يُدعى "ابن" الله من أيّام داود فصاعدًا. وفي العبرانيين 1: 7، اقتبس الكاتب من المزمور 104: 4حيث وُصفت الملائكة بأنّها أرواح خادمة. وفي العبرانيين 2: 6–8، استشهد كاتب العبرانيين بـالمزمور 8: 4–6 وناقش مسألة تعيين الله البشرَ ليكونوا أقلّ من الملائكة، وذلك فقط إلى النهاية حين سيملك البشر، لا الملائكة، مع المسيح على كلّ الخليقة.
أمّا في العبرانيين 2: 13 فثمّة إشارة إلى إشعياء 8: 17–18. حيث تبرهن هذه الأعداد أنّ بركات تبرير الله سوف تكون من نصيب سلالة إبراهيم، أَي البشر وليس الملائكة.
وفي العبرانيين 6: 13–14، ذكر الكاتب قَسَم الله لإبراهيم الوارد في التكوين 22: 17، وبه برهن الله أنّ وعده لإبراهيم باقٍ ومستمرّ حتّى في أزمنة العهد الجديد.
وفي العبرانيين 12: 29، اقتبس الكاتب من التثنية 4: 24 واصفًا الله بالنار الآكلة. وقد ذكر هذا العدد ليدعم تعليمه ويؤكّد على أنّ الله لا يزال نارًا آكلة بعد المسيح.
وأمثلة مشابهة ترد في العبرانيين 4: 4–7، 8: 5، 9: 20، 10: 30–31، 10: 38، 13: 5. في هذه المقاطع كلّها، شدّد كاتب العبرانيين على كون بعض الآراء اللاهوتيّة التي نشأت في العهد القديم لا تزال حقيقة حتّى في أزمنة العهد الجديد.
3) فرائض أخلاقيّة:
أورد كاتب العبرانيين أيضًا فرائض أخلاقيّة ثابتة. يبيّن الكاتب، فيما يورده، أنّ الله كان قد وضع على شعبه مطالب أخلاقيّة معيّنة في زمن العهد القديم. وهذه الالتزامات لا بدّ أن تستمرّ مقياسًا أخلاقيًّا لشعب الله في أيّام العهد الجديد. على سبيل المثال، أشار الكاتب في العبرانيين 3: 7–15 إلى أنّ المزمور 95: 7–11 يعلّم شعب إسرائيل عدم التمرّد على الله. أمّا ما ورد في العبرانيين 12: 5–6 فيُظهر لنا أنّ ما جاء في الأمثال 3: 11-12 يحثّ شعب إسرائيل على عدم اليأس عند تأديب الله لهم. وفي العبرانيين 12: 13 يعلّم الكاتب مستلمي رسالته أن يتبعوا كلام الأمثال 4: 26 ويتمسّكوا بمسالك الاستقامة. وفي العبرانيين 13: 6، يقتبس الكاتب من المزمور 118: 6-7، ويحثّ مستلمي رسالته على إعلان ثقتهم في الله.
كلّ هذه المراجع تبيّن أنّ الفرائض الأخلاقيّة في العهد القديم لا تزال تنطبق بقوّة على أتباع المسيح.
4) النبوّات حول الأمور الأخيريّة:
استشهد الكاتب بعددٍ من النبوّات حول الأمور الأخيريّة من العهد القديم، حيث أعلن كتّاب العهد القديم عمّا سيصنعه الله عندما سيعود شعب إسرائيل نهائيًّا من السبي وينتشر ملكوت الله الظافر في العالم أجمع. فيستخدم كاتب العبرانيين نبوّات عديدة عن الأيّام الأخيرة اقتبسها من العهد القديم ليظهر أنّ دينونة الله وبركاته النهائيّة قد تحقّقت في المسيح.
على سبيل المثال، يقتبس كاتب العبرانيين 1: 6 من التثنية 32: 43 كما ترد في الترجمة السبعينيّة، وهي الترجمة اليونانيّة للعهد القديم. ويخبرنا في هذا العدد أنّ الملائكة سوف تسجد بخشوع حين يحقّق الله انتصاره النهائي على أعدائه.
بطريقة مماثلة، يقتبس الكاتب في العبرانيين 1: 10–12 من المزمور 102: 25–27. يتنبّأ هذا المقطع بأنّ الترتيب الحالي للخليقة، الذي تُعظَّم فيه الملائكة، سوف يزول في نهاية الأيّام.
ويقتبس الكاتب في العبرانيين 1: 13 من المزمور 110: 1 ليُظهر أنّ نبوّة داود عن السيادة الشاملة للابن الذي يأتي من نسله ترفع المسيح فوق الملائكة.
وفي العبرانيين 5: 6 و7: 17 يشير الكاتب إلى المزمور 110: 4، ويركّز على النبوّة القائلة بأنّ ابن داود لن يأخذ كهنوته الملكي بنفسه، لكن سيُعطى له من الله.
في العبرانيين 8: 8–12 يقتبس الكاتب من إرميا 31: 31–34. تتنبأ هذه الأعداد، أنّه بعد السبي، سينتصر العهد الجديد على مشكلة فشل الإنسان في العهد الذي قطعه الله مع موسى.
ويستشهد الكاتب في العبرانيين 10: 16-17 مرّةً أخرى بـإرميا 31 ليُظهر كيف أنّ العهد الجديد في المسيح أزال كلّ حاجة إلى المزيد من الذبائح.
كما يستعين الكاتب بنبوّات مشابهة عن الأيّام الأخيرة ونهاية الأزمنة أو الدهر الأخير (الأخيري)، في العبرانيين 7: 21، 10: 37، 12: 26.
5) المُثل العليا للسلالة الحاكمة:
يشير الكاتب إلى عددٍ من المُثل العليا للسلالة الحاكمة التي وضعت لذرّيّة داود في المزامير.
تعبّر هذه المقاطع عن معايير الأمانة لله وخدمته التي يجب أن يلتزم بها كلّ فرد في سلالة داود الحاكمة. لكن في أحسن الأحوال، لم يعشْ المتحدرون من سلالة داود في العهد القديم، على مستوى هذه المعايير، إلّا جزئيًّا. فيشدّد كاتب العبرانيين على أنّ يسوع هو الإتمام الكامل والأسمى للمُثل العليا لبيت داود الملكي.
على سبيل المثال، في العبرانيين 1: 5، يقتبس الكاتب من المزمور 2: 7 ومن 2 صموئيل 7: 14. وهذه الأعداد تشير إلى أنّ الله اختار سليلًا لداود بصفته ابنه الملكي ليسود على الشعوب التابعة.
ويستشهد العبرانيين 1: 8-9 بالمزمور 45: 6–7. هذا المزمور الذي قيل في مناسبة زواج الملك يُشيد بمُلك الله على الجميع من خلال تمجيد ملك من سلالة داود يحبّ البرّ ويبغض الإثم.
ويشير الكاتب في العبرانيين 2: 11-12 إلى المزمور 22: 22. حيث تعهّد داود بأن يشارك بهجة تزكيته مع باقي شعب إسرائيل. وقد استخدم الكاتب هذا العدد ليُظهر أنّ يسوع قد حقّق بشكلٍ تامّ هذه السلالة النموذجية بـمشاركة تزكيته مع نسل إبراهيم.
وفي العبرانيين 10: 5–7، يشير الكاتب إلى المزمور 40: 6–8. في هذه الأعداد، تعهّد داود بـأن يكرّس كامل جسده لله بدلاً من ذبائح الحيوان. وقد طبّق الكاتب هذا الكلام على يسوع الذي كانت ذبيحة جسده على الصليب المثال الأعظم والتحقيق النهائي لهذا المثال.
الكلمة
عن هذه الخطة
تعد الرسالة إلى العبرانيين أحد أكثر الأسفار تحدّياً في العهد الجديد. فمن الصعب فهم العديد من موضوعاتها وأفكارها الرئيسية وهي تميل إلى تناولها بشكل مختلف عما تقوم به أسفار العهد الجديد الأخرى. ولكن من المفيد أن ندرك أن القرّاء الأصليين كانوا يواجهون الاضطهاد وتجربة الارتداد عن المسيح. لهذا السبب ركّز كاتب العبرانيين على الثبات القوي في الإيمان، ولذلك تعد هذه الرسالة من أكثر الأسفار ذات قيمة وتشجيعاً للمسيحيين في كل عصر. في هذه الخطة نتعرّف على خلفية الرسالة إلى العبرانيين ورسالتها الرئيسية. كما نقوم بتلخيص بنية ومحتوى الرسالة إلى العبرانيين، ومعناها الأصلي، والتطبيق المعاصر لها.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: