الرسالة إلى العبرانيينعينة

الرسالة إلى العبرانيين

يوم 11 من إجمالي 19

اليوم 11: المحتوى المتكرر (الأيام الأخيرة في يسوع)

وجّهة كاتب الرسالة إلى العبرانيين رسالته إلى كنيسة كانت مجرّبة بالعودة إلى التعاليم التي اعتقد بها المجتمع اليهودي المحلّي لكي تبقى في مأمن من الاضطهاد. وبهدف إقناعهم بالبقاء أمناء للمسيح، بذل الكاتب جهده لصياغة قضيّة مبنيّة على المعتقدات المشتركة بينه وبين مستلمي رسالته. 

كما ذكرنا قبلاً:

كان هدف كاتب العبرانيين أن يحضّ مستلمي رسالته على نبذ التعاليم اليهوديّة المحلّيّة وعلى بقائهم أمناء ليسوع.

ليحقق الكاتب هذا الهدف، لفت النظر إلى أنّ التاريخ وصل إلى أيّامه الأخيرة في يسوع. غالباً، عندما يسمع أتباع المسيح عبارة "الأيام الأخيرة"، تحملهم أفكارهم مباشرةً إلى أحداث متعلّقة بعودة المسيح في مجده. لكن حين نتكلّم عن "الأيام الأخيرة" في الرسالة إلى العبرانيين، في ذهننا ما هو أبعد بكثير من أحداث متعلّقة مباشرة بمجيء المسيح ثانية.

غالبًا ما يشير اللاهوتيون إلى تعليم الكتاب المقدّس عن الأيّام الأخيرة بالتعبير "إسكاتولوجي أو الأمور الأخيرية". وهذا المصطلح العلمي مشتقّ من الاسم اليوناني إسخاتوس (ἔσχατος) والذي يعني "الأخير" أو "النهائي". والأمر المثير للاهتمام هو أنّ مصطلح العهد الجديد هذا يظهر باكرًا في العهد القديم مع الحديث عن "آخِرِ الأَيَّامِ" في التثنية 4: 30. هناك حذَّر موسى بني إسرائيل من أنهم سيساقون إلى السبي إن هم تمرّدوا على الله. لكنّه أكّد لهم أنّه "في آخر الأيام"، إن هم تابوا، سيعودون من السبي ليختبروا بركات الله التي لا تُضاهى. كما تكلّم أنبياء العهد القديم عن أحداث مرتبطة بعودة إسرائيل من السبي على أنّها أحداث "الأيام الأخيرة". 

ليس من الصعب أن نرى من عبرانيين 1: 1–2 أنّ التعليم حول الأمور الأخيرية كان في ذهن الكاتب عندما كتب رسالته. لكي نفهم الأمور الأخيريّة في العبرانيين، لا بدّ أن نشق طريقنا عبر بعض المنعطفات والتحوّلات في تاريخ إسرائيل في الفترة نحو نهاية العهد القديم، وخلال حقبة ما بين العهدَين القديم والجديد. فخلال فترة الملكيّة، غاصت إسرائيل أكثر فأكثر في عصيانها لله، فأرسل الله أخيرًا جيوش الأشوريّين فسبوا معظم سكان المملكة الشماليّة. ثمّ بعد فترة، أرسل الله جيوش البابليين فلحق بيهوذا ما لحق بالمملكة الشماليّة. ثمّ حوالي العام 538ق.م عادت بقية من سكان إسرائيل ويهوذا إلى أرض الميعاد وهم يتوقعون أنّ الله سوف ينزل دينونته ويسكب بركات الأيام الأخيرة. لكن لم تحصل توبة على نطاقٍ واسع في صفوف الشعب، فحُكم على إسرائيل بالرزوح مدّة خمسة قرون تحت طغيان مادي وفارس، واليونانيين، وأخيرًا تحت نير الإمبراطورية الرومانية.

في فترة ما بين العهدَين، تمسّكت معظم الجماعات اليهوديّة بثبات بأملها بأنّ دينونات الله وبركاته النهائيّة المتعلقة بالأيام الأخيرة سوف تتم. وهذا الأمل كان مهمًّا جدًّا بالنسبة إليهم لدرجة أنّهم قسّموا التاريخ برمّته إلى حقبَتين كبيرتَين. فدعوا الزمن الذي كانوا يعيشون فيه "هذا الدهر"، دهر الخطيّة التي كانت نتيجتها سقوط إسرائيل وسبيها. وتكلّموا أيضًا عن "الدهر الآتي"، الدهر الذي سيصبّ فيه الله دينوناته النهائيّة على أعدائه ويغدق بركاته النهائيّة والمجيدة على شعبه الأمين. وانطلاقًا من نبوّات العهد القديم، علّموا أنّ الله سوف يرسل ابن داود العظيم، المسيح المنتظر، فتكون به مرحلة الانتقال من هذا الدهر إلى الدهر الآتي.

بتركيزه على الأمور الأخيريّة، انطلق كاتب العبرانيين من فكرٍ مشترك بينه وبين مستلمي رسالته والمجتمع اليهودي الأوسع وبنى عليه. لكنّه في الوقت عينه، أراد مرّة أخرى أن يوضّح أنّ ثمّة من آمن بيسوع وثمّة من لم يقبله، وهذان طريقان منفصلان. فاليهود غير المؤمنين تمسّكوا بالرأي القائل بإنّ مجيء المسيح المنتظر سوف يُحدِث تحوّلاً جذريًّا ويقلب الأمور رأسًا على عقب بين هذا الدهر والدهر الآتي. لكنّ أتباع يسوع تعلّموا أنّ يسوع يحقق الأيّام الأخيرة على ثلاث مراحل: الأولى، تدشين ملكوته المسيحاني بمجيئه الأول، واستمرار ملكوته المسيحاني طوال تاريخ الكنيسة، واكتمال ملكوته المسيحاني عند عودته في مجده. يصف كُتَّاب العهد الجديد هذه المراحل الثلاث جمعاء على أنّها "الأيام الأخيرة" في مقاطع مثل أعمال الرسل 2: 17 و2 بطرس 3: 3.

يمكننا أن ندرك أهمّيّة هذا الموضوع عندما نلاحظ أنّ كاتب العبرانيين استخدم تعابير مألوفة للإشارة إلى "الأيام الأخيرة" في ستّ مناسبات على الأقلّ. فكتب في العبرانيين 2: 5 عن "العالم العتيد" حين سيعود المسيح في مجده. وفي 6: 5، أشار إلى "قوّات الدهر الآتي" التي اختبرها العديد من قرّائه. وكتب في 9: 11 عن المسيح كرئيس كهنة "للبركات السماوية (التي) قد تحققت" (ترجمة كتاب الحياة) وأشار في 9: 26، إلى زمن خدمة يسوع الأرضيّة بعبارة "انقضاء الدهور". أمّا في 10: 1، فتحدّث عن البركات التي هي نتيجة ذبيحة المسيح مستخدمًا عبارة "الخيرات العتيدة". وفي 13: 14، وصف الرجاء النهائي لأتباع المسيح بـ"المدينة العتيدة". إنّ تكرار هذه التعابير المألوفة للإشارة إلى الأيام الأخيرة أعطانا لمحة عن مدى أهمّيّة هذا الموضوع بالنسبة إلى قصد الكاتب.

يوم 10يوم 12

عن هذه الخطة

الرسالة إلى العبرانيين

 تعد الرسالة إلى العبرانيين أحد أكثر الأسفار تحدّياً في العهد الجديد. فمن  الصعب فهم العديد من موضوعاتها وأفكارها الرئيسية وهي تميل إلى تناولها  بشكل مختلف عما تقوم به أسفار العهد الجديد الأخرى. ولكن من المفيد أن ندرك  أن القرّاء الأصليين كانوا يواجهون الاضطهاد وتجربة الارتداد عن المسيح.  لهذا السبب ركّز كاتب العبرانيين على الثبات القوي في الإيمان، ولذلك تعد  هذه الرسالة من أكثر الأسفار ذات قيمة وتشجيعاً للمسيحيين في كل عصر. في هذه الخطة نتعرّف على خلفية الرسالة إلى العبرانيين ورسالتها الرئيسية. كما نقوم بتلخيص بنية ومحتوى الرسالة إلى العبرانيين، ومعناها الأصلي، والتطبيق المعاصر لها. 

More

نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: 

http://arabic.thirdmill.org/seminary/course.asp/vs/heb