رسالة يعقوبعينة
اليوم 02: الحكمة والفرح – يعقوب 1: 2-18
إحْدَى الطُّرُقِ الْمُفِيدَةِ جِدَّاً لِتَلْخِيصِ الغرض الرَّئِيسِيِّ ليعقوب هِيَ النَّظَرُ إلَى رسالة يَعْقُوبَ 1: 2-4.
وَكَمَا يُشِيرُ هَذَا الْمَقْطَعُ، كَانَ قُرَّاءُ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ يُواجِهُونَ تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ. وَلَكِنَّ يَعْقُوبَ دَعَاهُمْ إِلَى أنْ يَكُونَ لهم كل فَرَحٌ فِي تَجَارِبِهِم. كما يقول إن هَذِهِ التَّجَارِبِ تنشئ صَبْراً. ومن يَصْبِرُونَ سَيَصِيرُونَ تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ. وَلَكِنّ الْمُفْتَاحَ الْحَقِيقِيَّ لِفَهْمِ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ يَرِدُ فِي الْعَدَدِ التَّالِي بالتحديد.
فَفِي الْعَدَدِ 5، يُرِينَا يعقوب لب الرِّسَالَةِ كَامِلَةً. فَلِاخْتِبَارِ كل فَرَحٍ وَسَطِ التَّجَارُبِ، اُطْلُبْ مِنَ اللهِ حِكْمَةً، وَسَيُعْطَى لَكَ. آخِذِينَ هذا بعَيْنِ الْاِعْتِبَارِ، يُمْكِنُنَا أنْ نُلَخِّصَ غرض رِسَالَةِ يَعْقُوبَ الرَّئِيسِيَّ كمَا يَلِي: دَعَا يَعْقُوبُ قُرَّاءَهُ أن يَطْلُبُوا الْحِكْمَةَ مِنَ اللهِ ليكون لهم الْفَرَح فَي تَجَارِبِهِم.
كَانَ يلزم أنْ يَسْمَعَ قُرَّاءُ يَعْقُوبَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ. فَكَمَا قُلْنَا سَابِقاً، لم يعد قُرَّاءُ يَعْقُوبَ في فِلِسْطِينَ. وَكَانُوا يَعِيشُونَ "مُشَتَّتِينَ وَسَطَ الْأُمَمِ" بَعِيداً عَنْ أوْطَانِهِم. لا شَكَّ أنه لم يكن من السهل عليهم أن يجدوا الفرح في وسط تجاربهم. وَيَبْدُو أنَّ هَذَا قَادَ بَعْضَهُمْ لِلتَّخَلِّي عَنْ وَلائِهِم لِلْمَسِيحِ.
تناول تركيز يَعْقُوبَ عَلَى الْحِكْمَةُ التأمُّلِيَّةِ اِحْتِيَاجِ قُرَّاءِ رِسَالَتِهِ فِي ظُرُوفِهِمْ الصَّعْبَةِ. كَمَا قَدَّمَ لَهُمْ هَذَا التركيز الْإرْشَادَ الْلازِمَ.
فِي 1: 6-8 يَرْبِطُ يعقوب بين الصَّلاةَ لطلب الْحِكْمَةِ والْإيمَانِ، وألح يَعْقُوبُ على أنْ تُقَدَّمَ الصَّلَوَاتُ لطلب الْحِكْمَةِ بإيمان. وَإلَّا فَإنَّنَا نَكُونُ أُنَاسًا ذَوِي رَأيَيْنِ.
نَرَى أنَّ يَعْقُوبَ لا يَقْصِدُ شَخْصًا كَانْتْ تَعْوِزَهُ الثِّقَةُ في استجابة الله لصَلاتَهُ، بَلْ قصد الْإنْكَارِ التَّامِّ لِصَلاحِ اللهِ. فَوَاضِحٌ أنَّ بَعَضَ قُرَّاءُ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ كَانُوا يَلُومُونَ اللهَ عَلَى إخفاقاتهم. وَكَانَ مَنْطِقُهُمْ هُوَ أنَّ اللهَ قد أرْسَلَ التجارب التي تعرضوا لها، وَلِذَا فَلا بُدَّ أنَّ اللهَ شِرِّيرٌ لِأنَّهُ كَانَ يجربهم لِلْوُقُوعِ فِي الْخَطِيَّةِ. كان هَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّمَرُّدِ الْفَاضِحِ وَالشَّنِيعِ عَلَى اللهِ هو مَا أشَارَ إلَيْهِ يَعْقُوبُ بِكَوْنِ الْإنْسَانَ "ذَي رَأيَيْنِ".
فَإنَّ الصَّلاةَ بِالْإيمَانِ طَلَبًا لِلْحِكْمَةِ، وعدم كون الْإنْسَانُ ذي رأيين، يعني التَأكِيد عَلَى أحَدِ التَّعَالِيمِ الْكِتَابِيَّةِ الأساسية: صَلاحِ اللهِ. عَلَيْنَا ألَّا نَشُّكُ في صَلاحِ اللهِ بَيْنَمَا نَطْلُبُ مِنْهُ الْحِكْمَةَ فِي الظُّرُوفِ الصَّعْبَةِ. وَإلَّا لن يَكُونُ لَدَيْنَا ما يدعونا أن نؤمن بِأنَّ اللهَ سَيُعْطِينَا الحكمة.
يُعَبِّرُ يَعْقُوبُ عَنْ هَذَا فِي 1: 17، "اللهُ هُوَ "أبُو الْأنْوَارِ". إنَّهُ لا يُعْطِي سِوَى العطايا "الصَّالِحَةِ" وَالمواهب "التَّامَّةِ". وَهَكَذَا، فَإنَّ قَصْدَهُ من وراء تجاربنا دائماً صَالِحٌ وتام. يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ مَوْقِفَنا الإيماني الراسخ بَيْنَمَا نتبع طَرِيقِ الْحِكْمَةِ التَّأمُّلِيَّةِ.
حِينَ يَحْتَمِلُ شَعْبُ اللهِ الضِّيقَ، فَإنَّهُمْ يَنْمُونَ لِيَصِلوا إلَى ملء ما قَصَدَ اللهُ لَهُمْ. وَلَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ، كَثِيراً مَا يَكُونُ صَعْباً، حَتّى على أكْثَرِ الْمُؤمِنِينَ إخْلاصَاً، أنْ يرى كَيْفَ يُمْكِنُ حدوث هَذَا وَسَطَ الْألَمِ. لِهَذَا يَقُولُ يَعْقُوبُ فِي الْعَدَدِ التَّالِي مباشرة لِقُرَّائِهِ أنْ يَطْلُبُوا الْحِكْمَةَ مِنَ اللهِ.
كَمَا يُوَضِّحُ يَعْقُوبُ هُنَا في 1: 12، فَإنَّ كَلَّ الَّذِينَ يحتملون التجارب سيتزكون. وَهَؤلاءِ سَيَنَالُونَ إكْلِيلَ الْحَيَاةِ، إكْلِيلَ الْحَيَاةِ الْأبَدِيَّةِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ الْمَجِيدِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ. فِي جَمْعِ يَعْقُوبُ لِكُلِّ هَذِهِ الأبعاد مَعًا، قَدَّمَ لِقُرَّائِهِ حِكْمَةً تَأمُّلِيَّةً عَمِيقَةً. فَقَدْ قَدَّمْ لَهُمْ الْإرْشَادَ لِفَهْمِ التَّجِارِبِ الَّتِي كَانُوا يُوَاجِهُونَهَا. وَفِي الْوَاقِعِ، كُلُّ تَجْرِبَةٍ هِيَ هِبَةٌ مِنْ اللهِ تَهْدِفُ لِخَيْرِهم الْأبَدِيِّ.
اَلَّذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَخْتَبِرُوا كل فرح بَيْنَمَا يقاسون التَّجَارِبِ يَنْبَغِي أنْ يَطْلُبُوا مِنَ اللهِ بَصِيرَةً. فَإنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ لِلْحِكْمَةِ لِمُسَاعَدَتِهِمْ فِي فَهْمِ كَيْفَ يُمْكِنُ لِتَجَارِبِهِمْ أنْ تَقُودَ إلَى الْأفْضَلِ لَهُمْ. وَإنْ طَلَبْنَا هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْحِكْمَةِ مِنَ اللهِ، فَإنَّهُ سيُعطى لَنَا. كما قَالَ يَعْقُوبُ لاحِقَاً، فِي 1: 17 إنَّ اللهَ يُعْطِي عَطَايَا صَالِحَةً وهبات تامة لِشَعْبِهِ. وَيَخْتِمُ يَعْقُوبُ هَذَا الْقِسْمَ فِي 1: 18 بِهَذَا التَّأكِيدِ.
حِينَ نَنَالُ الْحِكْمَةَ لِفَهْمِ كَيْفَ يَعْمَلُ اللهُ مِنْ خِلالِ التَّجَارِبِ، نَسْتَطِيعُ أنْ نَكُونَ فَرِحِينَ. الْحِكْمَةُ تُقَوِّي ثِقَتَنَا بِأنَّ اللهَ عَيَّنَ لَنَا بَرَكَةَ الْخَلاصِ الْأبَدِيِّ.
إنَّ أحَدَ الْأُمُوُرِ الَّتِي نَرَاهَا كَخَيْطٍ مشترك فِي كُلِّ رِّسَالَةِ يعقوب هُوَ الْكَلِمَةُ "حِكْمَةٌ". وهو يقدر الْحِكْمَةِ بشدة - الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقٍ في مُقَابِلِ الْحِكْمَةِ الَّتِي مِنْ أسْفَلٍ. وَهذا يجعلنا نُفَكِّرُ بِأنَّ هُنَاكَ تَأثِيراً عَظِيمَاً لكِتَابَاتِ الْحِكْمَةِ التي جاءت قبله على حَيَاتِهِ. ونَرَى هَذَا الْأمْرَ بِوُضُوحٍ تَامٍّ فِي اِقْتِبَاسِهِ مِنْ سِفْرِ الْأمْثَالِ وَاسْتِخْدَامِهِ لَهُ، وَكَذَلِكَ فِي الطَّرِيقَةِ الَّتِي يَتَذَكّر بِهَا كَلِمَاتِ ربِّنَا يَسُوعَ، الَّذِي كَثِيرَاً مَا تَكَلَّمَ فيِ سِياقِ الْحِكْمَةِ. وَبِالْإضَافَةِ إلَى هَذَا، فَقَدْ حَصَلَ تَطَوُّرٌ فِي فِكْرِ الْحِكْمَةِ وَكِتَابَةِ الْحِكْمَةِ، إلى نوعٍ أدبيٍ من كتابات الحكمة ينتمي إلى فَتْرَةِ مَا بَيْنَ الْعَهْدَيْنِ. وَأعْتَقِدُ أنَّنَا نَرَى من خلال أدب الحكمة في رِسَالَةِ يَعْقُوبِ البَعْضَ من الموضوعات نفسها. وَبَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ، نَرَى الْبُنْيَةَ نَفْسَهَا. وَلَكِنَّنِي أظُّنُ أنَّ الْكَثِيرَ مَنْ الْمَوَاضِيعِ تَعُودُ فِي أصْلِهَا إلَى سفر الْأمْثَالِ وَإلِى يَسُوع أيْضًا. وَلِذَا، فَإنَّنِي أعْتَقِدُ أنَّ أكْبَرَ مَصْدَرَيْنِ أثَّرَا عَلَى يَعْقُوبَ هُمَا كَلامُ يَسُوعَ وسفر الْأمْثَالِ. وَلَكِنَّ ذلك النوع الأدبي، وَأهَمِّيَةَ حِكْمَةِ الْأمْثَالِ، خِلالَ يَهُودِيَّةِ الْهَيْكَلِ الثَّانِي وزَمَنِ يَسُوعَ، كَانَ بَالِغُ الْأهَمَّيَّةِ أيْضًا في رِسَالَةِ يَعْقُوبَ.
— د. ديڤيد تشاپمان
الكلمة
عن هذه الخطة
إن رسالة يعقوب هي رسالة عمليّة للغاية لقرّائها في أي زمان. فقد اعترف قرّاء يعقوب الأصليّين بإيمانهم بالمسيح، ولكن لم يكن العديد منهم يعيشون الحياة التي تعكس إيمانهم. وللتعامل مع هذا التفاوت، تناول يعقوب قضايا حياتيّة حقيقيّة مازالت تخاطبنا اليوم. تنظر هذه السلسلة إلى خلفية رسالة يعقوب، وبنيتها، ومحتواها، كما تبحث في الحكمة والتعليم العملي في رسالة يعقوب الذي لا يزال وثيق الصلة بالقرّاء المعاصرين.
More
:نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات، يرجى زيارة الموقع http://thirdmill.org