قصص الأنبياء - التّكوين 1

1
بسم الله تبارك وتعالى
قصّة الخلق
—•—
مدخل إلى قصّة الخلق
لقد اختار الله أن يخبر عن الكون منذ بدايته وحتى نهايته من خلال الوحي الذي أنزله على أنبيائه (عليهم السلام) ووردت قصّة الخلق في البداية في التوراة ثمّ جاءت في الكتب السماويّة التي تلتها، واستندت هذه القصة في تفاصيلها إلى ما جاء في التوراة. وتجدر الإشارة إلى أن الله أنزل وحيا وجّهه إلى بني يعقوب انطلق فيه من المعتقدات والمفاهيم السائدة في عصرهم ومحيطهم الذي عاشوا فيه. لقد فهم بنو يعقوب الله ربّهم وصفاته الحميدة اعتمادا على ما آمن به النّاس في ذلك المحيط. وكانت لديهم معتقدات كثيرة مشتركة مع غيرهم من الأمم في العالم القديم. ولم يخطر ببالهم أن يشكّكوا في معتقداتهم حيث لم توجد معتقدات بديلة في عصرهم.
وهذا لا يعني أنّ بني يعقوب قد قلّدوا أفكار الآخرين أو تبّنوها وإنّما كانت لديهم كثير من المعتقدات المنتشرة في العالم في عصرهم. وأكّد الله بعض هذه المعتقدات، وترك البعض الآخر دون تعليق، بينما عالج معتقدات أخرى منتقلا بالنّاس خطوة تلو الأخرى بعيدا عن المفاهيم المشوّهة للذات الإلهية ومتّجها إلى أفكار أسمى.
ومن بين هذه المعتقدات عند بني يعقوب اعتقادهم المتعلّق بنشأة العالم وشرح أسباب الأحداث الطّبيعية فيه. وفي سفر التكوين الذي هو فاتحة التوراة جاء الوحي ليخاطب الناس بمفاهيمهم ومعتقدات مألوفة لديهم حتى يعالج الأسئلة الأولى التي طرحها القدامى، فمثلا لم يدرك بنو يعقوب أنّ النّجوم هي في الحقيقة مثل الشمس وأنّ الأرض هي كروية الشكل تدور في مدارها في الفضاء وأنّ الشمس تبعد عن الأرض أكثر من القمر. كما آمنوا أنّ السّماء شيء جامد لا يتكوّن من غازات بل اعتقدوا أنّها عبارة عن حجاب أو سقف يتوارى خلفها الله والكائنات الغيبية، وتصوّروا أيضا أنّ السّماء سد منيع يمنع الأمطار من الهطول على الأرض، ولكن الله ترك هذه التصوّرات حتى يكتشف العلماء حقيقتها على مرّ العصور.
ويرى بعض المفسّرين المعاصرين أنّه من الضروري تفسير كتاب التكوين للناس وكأنّه يتضمّن محتويات الاكتشافات العلمية الحديثة أو ما يستند عليها. ولكن هذا المنهج الذي اتّبعه هؤلاء المفسّرون يجعل من التوراة تحتوي على أشياء دخيلة عليها، لأنّ التوراة في الأصل خاطبت أناسا عاشوا في ذلك العصر لا في هذا العصر. وهناك خطر في هذا المنهج التفسيري، حيث تتطوّر نظريات العلوم الطبيعيّة وتتغيّر باستمرار شأن مفاهيمها للكون. فإذا افترضنا مثلا أنّ الله أنزل الوحي بالعودة إلى مفاهيم العلوم الطبيعيّة، فهذا يعني أنّ الوحي مرتبط بعلم مرحلة معيّنة من التاريخ، وبالتالي لا يُفهم الوحي إلا لمن عاصر تلك الفترة. أمّا بالنسبة إلى من سبق تلك الفترة، فيصعب عليه فهم محتوى الوحي، بينما يبدو الوحي قديما ومثيرا للاستهزاء لكلّ من لحق تلك الفترة.
أمّا بخصوص القرّاء المعاصرين فإنّ إقبالهم على الكتاب المقدّس يرتبط عادة بطرحهم لأسئلة كثيرة. ولكنّ نص التوراة لا نتوقّع منه أن يحمل إجابات على أسئلتهم المعاصرة، ولا يمكن إخضاعه لمفاهيم القراء المعاصرين لأنّ الله أنزل الوحي في التوراة لأسباب تتعلّق بالناس في ذلك العصر. وهذا لا ينفي أنّ التوراة لا تحظى بأهمية فائقة لدينا بل علينا أن نفهمها كنص قديم يخاطب القدامى الّذين يختلفون عنّا في طرق متعدّدة من تفاصيل حياتهم. إنّ هذا هو المقصد الأساسي الذي أراده الله من خلال التوراة، لذلك علينا فهمها على هذا الأساس ولا يجب علينا أن نوظّف هذا النص لخدمة أهداف غريبة عنه، سواء كانت ثقافية أو حضارية أو سياسية.
أمّا بالنسبة إلى قرّاء التوراة القدامى، فمن أهمّ المسائل الملحّة لديهم هي هدف خلق الكون لا أصله المادّي. ومع أنّ كثيرا من قرّاء التوراة يحاولون فهم قصّة الخلق على أنّها قصّة تروي أصل الكون المادّي، يرى العديد من الباحثين في التوراة اليوم أنّه من المستحسن أن ننظر إلى قصّة الخلق في سفر التكوين باعتبارها وصفا لنشأة وظائف الكون. ويرى هؤلاء الباحثون في هذه القصة أنّها تصف تدشين الكون كبيت لعبادة الله على مدى سبعة أيام. ويخصّص الله عناصر الكون المختلفة ووظائفها لمصلحة البشريّة وغيرها من المخلوقات ليصبح الكون كلّه في النهاية لتمجيد الله وتسبيحه.#1‏.0 انظر جون ولتن، العالم الضائع للفصل الأول من سفر التكوين. Walton, John. The Lost World of Genesis One: Ancient Cosmology and the Origins Debate. Downers Grove, IL: Intervarsity Press. 2009.
—•—
كيف خلق الله السّماوات والأرض
1في البدء، عندما خلق الله السّماوات والأرض، 2كانت الأرض بلا شكل تعمّها الفوضى، ويهيمن عليها الظلام وتغطّي المياه أعماقها. وسرت نفحات روح الله على وجه المياه. 3وبكلمة من الله تعالى أمر النّور "كن" فيكون.#1‏.3 يذكر الإنجيل الشريف أنّ كلمة الله الأزلية صارت إنسانا، والمقصود بها السيد المسيح. ويؤكد الطبري هذه الحقيقة في تفسيره للآية 45 من سورة آل عمران، ويقتبس من ابن عبّاس الذي أكّد أيضا هذه الحقيقة. 4ورضي الله عن هذا النّور وفصل بينه وبين الظّلام. 5وسمّى النّور نهارًا والظّلام ليلا. وختم الله هذا اليوم بهبوط الليل وبزوغ الفجر، وهكذا انقضى اليوم الأوّل من الخلق.#1‏.5 انظر سورة فاطر: 13.
6‏-7وفي اليوم الثّاني، وبكلمة منه، خلق الله تعالى السقف المرفوع#1‏.6‏-7 انظر سورة الطور: 5 وسورة الأنبياء: 32. ووزّع المياه فوقه وتحته في أماكنها المناسبة. ثمّ أحدث الله فراغا تحت هذا السقف المرفوع 8وسمّاه جوًّا. وختم الله هذا اليوم بهبوط اللّيل وبزوغ الفجر، وهكذا انقضى اليوم الثّاني من الخلق.
9وفي اليوم الثّالث أمر الله المياه أن تتجمّع في مكان واحد لتظهر اليابسة. 10وسمّى اليابسة أرضًا وسمّى المياه بحارًا. ورضي الله عن الأرض والبحار. 11‏-12وبكلمة منه تعالى خلق في الأرض كلّ أنواع النبات وأشجار الفاكهة في هذه الدّنيا، والنبات الذي يحمل بذورًا على أنواعه، وكلّ شجر يحمل ثمارًا ذات بذورٌ لتأتي بمثلها وتتكاثر. ورضي الله عن هذه المخلوقات أيضًا. 13وختم سبحانه وتعالى هذا اليوم بهبوط الليل وبزوغ الفجر، وهكذا انقضى اليوم الثّالث من الخلق.
14‏-19وفي اليوم الرّابع، وبكلمة من الله، ظهرت الأفلاك في قبّة السّماء لتضيء الأرض وتميّز بين ضياء النّهار وظلام الليل، وقدّرها منازِل لحساب المواسم والأعياد والأيّام والسنين وضبط الليل والنّهار. وتمّ هذا كلّه بأمر منه تعالى. وسخّر الله من الأفلاك، الشمس لضبط النّهار والقمر#1‏.14‏-19 نلاحظ أنّ النص في اللغة الأصلية يتجنّب ذكر اسم الشمس واسم القمر ويطلق عليهما "النور الأكبر" و"النور الأصغر"، وربّما يعود السبب لكون الاسمين يرتبطان بإلهَي الشمس والقمر. وهذه الإشارة تدلّ على أنّ الشمس والقمر هما نورين لا أكثر خلقهما الله. لضبط اللّيل ومعهما أضاف النّجوم.#1‏.14‏-19 انظر سورة العنكبوت: 61، وسورة الإسراء: 12. ورضي سبحانه وتعالى عن جميع هذه المخلوقات. وختم الله هذا اليوم بهبوط الليل وبزوغ الفجر، وهكذا انقضى اليوم الرّابع من الخلق.
20‏-21وفي اليوم الخامس خلق الله بكلمة منه السّمك وكل أنواع الحيوانات التي تعيش في الماء، من صغيرها إلى عظيمها، فملأت البحار. وخلق الله الطّيور بأنواعها لتملأ السّماء، ورضي تعالى عن هذه المخلوقات أيضًا، 22وباركها وأمرها أن تتكاثر. وأمر سبحانه وتعالى السّمك أن يملأ البحار، والطّيور أن تملأ الجوّ. 23وختم الله هذا اليوم بهبوط الليل وبزوغ الفجر، وهكذا انقضى اليوم الخامس من الخلق.
24‏-25وفي اليوم السّادس خلق الله بكلمة منه كلّ أنواع الحيوانات التي تعيش على الأرض، من بهائم ووحوش وزواحف وحشرات، وتمّ هذا بأمر منه تعالى. ورضي الله عن جميع هذه المخلوقات.
26‏-28وفي الأخير خلق الله الإنسان وقال: "ها إنّنا نخلق الإنسان ليكون ظِلّنا في الأرض،#1‏.26‏-28 جاء في ترجمات أخرى لهذه القصّة أنّ الله خلق الإنسان "على صورته"، ولكنّ المفسّرين يجمعون على أنّ هذا التعبير مجازي ويشير إلى السلطة والحكم. وفي العالم القديم اعتبر الملوك أنفسهم ظلّ الله في الأرض، بينما أوحى الله تعالى أنّ هذه الميزة خصّ بها كلّ البشرية، ابتداء من آدم (عليه السلام). وبذلك تكون البشرية جمعاء خليفة الله في الأرض كما جاء في سورة البقرة: 30، وسورة الأنعام: 165. ذكرًا وأنثى نخلقه". وأعطى الله الإنسان سلطة على السّمك والطّير وكلّ الحيوانات. نعم، جعله مسؤولا على الأرض وعلى كلّ من فيها. وهكذا أصبح الإنسان خليفة الله في الأرض. وبارك الله الإنسان وأمره أن يتكاثر ويملأ الأرض.#1‏.26‏-28 انظر سورة الروم: 20. وأخبر الله الإنسان أنّه قد سخّر له هذه الأرض وجعلها تحت تصرّفه بما فيها من أسماك البحار وطيور السّماء وكلّ الحيوانات التي تدبّ على الأرض. 29وأخبره تعالى: "لقد وهبتك جميع النّباتات التي تحمل بُذورًا على سطح الأرض، وكل الأشجار التي تحمل فاكهة، لتكون لك طعامًا.#1‏.29 لم يسمح الله للبشر بأكل اللحوم إلا بعد الطوفان، شرط أن يأكلوه خال من الدماء. 30ووهبتُ العشب الأخضر طعامًا للحيوانات والطّيور". 31ثمّ عاين الله كلّ مخلوقات الأرض من إنسان وحيوان ونبات ورضي عن خلقه جميعًا، لأنّ كلّ ما خلقه تمّ في أحسن تقويم.#1‏.31 انظر سورة السجدة: 7. وختم الله هذا اليوم بهبوط الليل وبزوغ الفجر، وهكذا انقضى اليوم السّادس من الخلق.#1‏.31 انظر سورة غافر: 64.

Àwon tá yàn lọ́wọ́lọ́wọ́ báyìí:

قصص الأنبياء - التّكوين 1: TMA

Ìsàmì-sí

Pín

Daako

None

Ṣé o fẹ́ fi àwọn ohun pàtàkì pamọ́ sórí gbogbo àwọn ẹ̀rọ rẹ? Wọlé pẹ̀lú àkántì tuntun tàbí wọlé pẹ̀lú àkántì tí tẹ́lẹ̀