أفاسوس مدخل
مدخل
قد يكون الحواري بولس هو كاتب هذه الرّسالة بين سنتي 60 و62 بعد الميلاد، وذلك أثناء إقامته الجبريّة في منزله في روما. وتمّ القبض عليه ليُحَاكَم بتهمة باطلة ألا وهي انتهاكه لقدسيّة حرم بيت الله في القدس.
واتّفق علماء الإنجيل أنّ هذه الرّسالة قد كُتبت إلى جماعة في منطقة تُعرف اليوم بغرب تركيا. ومن المرجَّح أنّها كانت موجَّهة إلى المؤمنين من غير اليهود في مدينة أفاسوس وغيرها من مدن المنطقة حيث كان من المفترض أن ينشروا الرّسالة فيما بينهم. وربّما تمّ إرسال هذه الرّسالة إلى مدينة أفاسوس أوّلا باعتبارها المدينة الرّئيسيّة في المنطقة. وقد قضى بولس حوالي ثلاث سنوات في تأسيس مجموعة أتباع السيّد المسيح (سلامه علينا) في مدينة أفاسوس (انظر سيرة الحواريّين 20: 31)، ولكن في الوقت الذي كتب فيه هذه الرّسالة ظهرت جماعات أُخرى في العديد من المدن والقرى في تلك المنطقة. ومن الواضح في هذه الرسالة أنه سمع عن إيمانهم دون أن يلتقيهم.
تشبه هذه الرسالة إلى حد كبير الرسالة التي كتبت إلى المؤمنين في مدينة كولوسي المجاورة لمنطقة أفاسوس. ومن المرجَّح أن هاتين الرّسالتين قد كُتِبتا في فترتين متقاربتين بالتّوازي مع كتابة رسالة بولس إلى فليمون. فمن الأفضل إذن قراءة كلّ من المدخل إلى رسالته إلى أحباب الله في كولوسي ومدخل رسالته إلى فليمون ومدخل هذه الرّسالة معًا.
نحن نعلم من خلال حديث الحواري بولس الموجَّه إلى شيوخ أفاسوس من المؤمنين أنّه حريص على وحدتهم في جماعتهم النّاشئة (انظر سيرة الحواريّين 20: 28 – 31). وكان يتطلّع إلى مواجهة كلّ من يعتبر غيرَ اليهود من المؤمنين مختلفين وأقلّ شأنًا من اليهود المؤمنين بالسيّد المسيح. إنّ هذا الالتباس يعكس العلاقات العرقيّة المتوتّرة بين اليهود وغيرهم التي انتشرت في الإمبراطورية الرّومانية في ذلك العصر. بالإضافة إلى ذلك فإنّ بولس كان مهتما بنمط حياة المؤمنين في أفاسوس، وسعى أن يكون نمط عيشهم مختلف عن نمط عيش الوثنيّين.
لقد كانت مدينة أفاسوس في زمن الحواري بولس إحدى المدن الرّئيسيّة في الإمبراطوريّة الرّومانية. ونظرا لأهمية موقعها الذي كان يمثّل مفترق الطّرق التّجارية فقد كان النّاس يتوجّهون إليها من كلّ الأصقاع. وكانت مدينة مشهورة بسبب وجود المعبد الهائل المخصّص للإلهة "أرطاميس" اليونانيّة (وتدعى ديانا عند الرّومان)، وكانت تُعرف بكثرة السّحرة والمشعوذين، وباعة التّعاويذ والتّمائم. وكان النّاس يقومون بهذه الممارسات السّحرية كي يحصلوا على القوّة الرّوحيّة، ويقاوموا هجوم الكائنات الغيبيّة عليهم. وارتبطت عبادة الإلهة "أرطاميس" بشكل وثيق بممارسات السّحر، وبكلّ ما يتعلّق به من معتقدات. وكان عبدة الإلهة أرطاميس يُمجّدونها باعتبارها تفوق بقيّة الآلهة قوّة وقدرة وسلطة، وكانوا يعتبرونها أيضًا أقوى من الشّياطين ومن الأفلاك ذات القوّة الرّوحيّة حسب اعتقادهم، بل إنّ اليهود في تلك المنطقة كانوا يمارسون السّحر ويستعينون بالملائكة للتغلُّب على الشّياطين.
وتؤكّد هذه الرّسالة على سلطة الله وعلى تفوُّق السيّد المسيح (سلامه علينا) على كلّ القوى الغيبيّة. وخصّص جزءا مطوّلا منها وجّه فيه بولس المؤمنين وأرشدهم إلى كيفيّة مواجهة هذه الكائنات الغيبيّة. وكان الحواري بولس يعالج دون شكّ احتياجات المؤمنين، الذين يعيشون في منطقة تطغى عليها أعمال السّحر والتنجيم والخوف من الموت ومن الشّياطين، وكانوا بذلك في صراع يوميّ مع هذا الخوف وهو ما جعلهم يلتجئُون أحيانًا إلى هذه الأعمال السّحريّة.
ويشير بولس في هذه الرّسالة إلى تفوُّق السيّد المسيح على جميع الكائنات الغيبيّة، ويؤكّد أن قوّة السيّد المسيح في متناول المؤمنين.
Currently Selected:
أفاسوس مدخل: TMA
Highlight
Share
Copy
Want to have your highlights saved across all your devices? Sign up or sign in
© 2021, Al Kalima