أبونا إبراهيمعينة

أبونا إبراهيم

يوم 9 من إجمالي 10

  اليوم 09: المسيح باعتباره النسل الوحيد – غلاطية: 3: 1 - 18

يوجد انطباع بأن إبراهيم هو أب كل المؤمنين على مدى التاريخ، سواء كانوا رجالاً، نساء، أو أطفالاً. فكلنا جزء من عائلته، أولاده، وورثته. لكن كما سنرى، يوضّح العهد الجديد بأننا نتمتع بهذا المركز لأننا انضممنا إلى المسيح، الذي هو نسل إبراهيم الخاص.

وقد تكون الآية الأكثر أهمية والتي تركّز على هذه القضية هي رسالة غلاطية 3: 16. حيث نجد هذه الكلمات:

‎ وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ: «وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ. (غلاطية 3: 16).

أشار بولس في هذه الآية إلى حقيقةِ أن الله أعطى وعوداً لإبراهيم ونسله أو ذريته في سفر التكوين. لكن لاحظ كيف علّق بولس على كلمة "نسل" بشكل خاص، قائلاً إن الله لم يعطي الوعود لإبراهيم وأنساله، أي لكثيرين، لكن لإبراهيم ونسله، أي لشخصٍ واحدٍ وهو المسيح. 

وقد قدّم بولس حجتّه بالإشارة إلى أن الكلمة العبرية zera، والتي تُترجَم "نسل" وردت بصيغة المفرد. وينطبق الشيء ذاته على الكلمة اليونانية sperma في الترجمة اليونانية للعهد القديم والتي كانت موجودة في زمن بولس. وكما أشار بولس أن الله لم يقل لإبراهيم بأن الوعد كان له ولأنساله (في صيغة الجمع)، لكن لنسلك في صيغة المفرد.

قد تبدو وجهة نظر بولس صريحة. حيث انتقل ميراث إبراهيم إلى نسل واحد لأن الكلمة هي في صيغة المفرد. لكن حجة بولس عن فرديّة كلمة "نسل" أثارت صعوبات كثيرة بالنسبة للمفسّرين. ويمكن طرح المشكلة بهذه الطريقة. صحيح أن كلمة "نسل" أو zera هي في صيغة المفرد، لكن في أحيان كثيرة في العهد القديم، بما في ذلك في قصص حياة إبراهيم، يجب اعتبار كلمة "نسل" بصيغتها المفردة على أنها مفردة في الصيغة جماعية في المعنى، أي أنها كلمة مفردة تشير إلى مجموعة. إن الكلمة العبرية zera أو "نسل" تشبه الكلمة الإنجليزية "offspring". فمع أن هذه الكلمة في صيغة المفرد، إلا أنها قد تشير إلى "نسل" واحد أو ذرية واحدة فقط، كما يمكن أن تشير إلى ذريات أو "أنسال" كثيرين بشكل جماعي.

على سبيل المثال، إن مصطلح "نسل" أو zera هو حتماً جمع في معنى في تكوين 15: 13. حيث نقرأ هناك الكلمات التي تحدث بها الله إلى إبراهيم:

اعْلَمْ يَقِيناً أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيباً فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ. فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ (تكوين 15: 13).

إن كلمة "نسلك" هنا هي ترجمة للكلمة العبرية المفردة zera، لكن من الواضح أن الكلمة أتت بمعنى الجمع. وتتحدث هذه الآية عن النسل "لَيْسَتْ لَهُمْ" في صيغة الجمع، والأفعال "وَيُسْتَعْبَدُونَ لهم فَيُذِلُّونَهُمْ" والتي هي أيضاً في صيغة الجمع في اللغة العبرية.

وبالطبع، عرف بولس أن صيغة المفرد لكلمة "نسل" أشارت عدة مرات إلى أكثر من شخص واحد في سفر التكوين. في الواقع، استخدم بولس بنفسه كلمة نسل بصيغة الجمع في رسالة غلاطية 3: 29، حيث كتب الكلمات التالية:

فَأَنْتُمْ إِذاً نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ (غلاطية 3: 29).

تُترجم عبارة "أَنْتُمْ" في هذه الآية إلى este في اللغة اليونانية، وهي فعل في صيغة الجمع. وعبارة "نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ" مرادفة لكلمة "ورثة" kleronomoi والتي هي في صيغة الجمع أيضاً. 

وفي ضوء هذا يتعين علينا أن نطرح هذا السؤال. إذا كان بولس على علم بأن الصيغة المفردة لكلمة "نسل" يمكن أن تشير إلى أكثر من شخص واحد، لماذا شدّد إذاً على فرديتها؟ فكّر بولس، على الأغلب، بفقرة واحدة على وجه التحديد في حياة إبراهيم، تكوين 22: 16-18، حيث أشارت كلمة "نسل" في هذه الآيات إلى المعنى المفرد حتماً. اصغِ إلى الترجمة الحرفية لهذه الآيات:

بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ. أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ ... لَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ. وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ. مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي (تكوين 22: 16–18).

للأسف، يفسر العديد من الترجمات الحديثة هذه الفقرة وكأن كلمة "نسل" هي مفردة في الصيغة جماعية في المعنى. لكن علينا أن نتذكر أن هذه الآية هي جزء من قصة تقديم إسحاق كذبيحة. ولم تُشر كلمة "نسل" هنا إلى أنسال إبراهيم بشكل عام، لكنها أشارت إلى إسحاق، ابن إبراهيم. والفعل "يرث" هو في صيغة المفرد في اللغة العبرية، كما أن الضمير في عبارة "أعدائه" هو في صيغة المفرد أيضاً.

أمضى تكوين 22 والإصحاحات التي تليه وقتاً في التمييز بين إسحاق ابن سارة وبين أبناء إبراهيم الأخرين، أي أبناء هاجر وأبناء قطورة. كان إسحاق نسل الوعد الخاص، الشخص الذي اختاره الله ليكون وريث إبراهيم الوحيد. وهكذا، وقبل ولادة إسحاق، يتحدث سفر التكوين عادة عن "نسل" إبراهيم في صيغة الجمع، أي "أنسال" في صيغة الجمع. لكن تركز الكلمة هنا على إسحاق على أنه النسل الوحيد الخاص الذي سيرث وعود إبراهيم.

في ضوء هذا، يمكننا أن نفهم نقطة بولس الأساسية عندما أشار إلى نسل إبراهيم الوحيد. وأشار بولس في تكوين 22 إلى أن الله لم يعطي الوعود لإبراهيم ومباشرةً لجميع أنساله. لكنه بيّن أن فردية كلمة "نسل" في تكوين 22: 16-18 تشير إلى أن الوعود أُعطيت إلى إسحاق، ابن إبراهيم الخاص ووريثه.

يوم 8يوم 10

عن هذه الخطة

أبونا إبراهيم

ينظر المسيحيون، والمسلمون، واليهود جميعا إلى أبونا إبراهيم كأب لمعتقداتهم. ولكن تستخلص هذه الديانات استنتاجات مختلفة جدا حول سيرته الذاتية. تبحث هذه السلسلة في قصة حياة إبراهيم في سفر التكوين من وجهة نظر مسيحية واضحة من أجل الإجابة على أسئلة مثل: ماذا تعني هذه الأسئلة لأولئك الذين تسلموها أولاً؟ وماذا تعني لنا نحن اليوم؟

More

نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات، يرجى زيارة الموقع http://thirdmill.org