قصص الأنبياء - التّكوين 2
2
خاتم أيّام الخلق
1وهكذا خلق الله السّماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام.#2.1 اختلف الدارسون حول تحديد نوعية زمن الأيام الستّة. فمنهم من رأى أنّ زمن هذه الأيام يُقاس بالزمن الميقاتي الذي نعرفه، وهناك من رأى أن هذه الأيام رمزية وتشير إلى فترات طويلة من الزمن تفوق كثيرا الزمن الذي نعرفه. بينما رأى آخرون أنّ هذه الأيام ليست أيّاما فيها خلق الله كلّ شيء من عدم، بل هي فترة حدّد فيها الله كلّ شيء في الكون إلى أن يكون بمثابة بيت مقدّس لتعظيمه وعبادته تعالى. 2وفي اليوم السّابع توقّف الله عن عمل الخلق كلّه، ثمّ استوى على العرش#2.2 عبارة "استوى" هنا، تعوّض بمصطلح "استراح" في ترجمات أخرى، لارتباط المصطلح الأصلي بمعنى مجازي والمقصود به الاستقرار والسكينة وبداية الحكم، كما نرى في كتاب النبي صموئيل الثاني، 7: 1، حيث ترد إشارة إلى أن الله "أراح داود" من أعدائه وكيف استقرّ (عليه السلام) على العرش. وهنا سكن الله ليبدأ حكمه في الكون، بعد أن دبّر كل العناصر فيه ونظّمها من أجل خدمته وتمجيده. انظر مثلا سورة الفرقان: 59، وسورة الأعراف: 54. . 3وهكذا صار اليوم السّابع يومًا مميّزًا عند الله ومقدّسًا، إذ فيه أتمّ عمليّة الخلق.
4aوهذه هي مراحل خلق الكون من سماوات وأرض وما بينهما.
بسم الله تبارك وتعالى
قصّة آدم وحواء
—•—
مدخل إلى قصّة آدم وحواء
آدم وحواء هما شخصيتان أساسيتان في الديانات الإبراهيمية الثلاث لأنهما أوّل من خلق الله من البشر. واسم آدم في اللغة العبرية يعني الإنسان بينما اسم حواء مشتق من كلمة حياة. ولم ترد أيّ إشارة في قصّة آدم وحواء هنا إلى مكان دفنهما، بينما أشارت إلى عمر آدم عند وفاته إذ عاش 930 سنوات (انظر سفر التكوين 5: 5).
جاء في قصّة خلق آدم وحواء أنه تمّ خلقهما كظل الله، ويقابل تعبير ظل الله في التوراة تعبير صورة الله. وهذا التعبير مجازي يشير إلى السلطة والحكم من عند الله. وفي العالم القديم اعتبر الملوك أنهم ظل الله في الأرض بينما أكّد الله في التوراة أنه منح هذه الميزة لكل البشرية رجالا ونساء ابتداء من آدم، لذا فإنّ الناس جميعا بلا تفرقة هم خلفاء الله في الأرض كما تؤكد ذلك سورة البقرة أيضا، الآية 30، وسورة الأنعام الآية 165.
خلق الله أوّل امرأة من جسد رجل، وهذا يعني ((أنهما باقترانهما يؤلفان عائلة جديدة ويصبحان واحدا)) [التوراة، سفر التكوين 2: 24]. لهذا السبب فإنّ ولاء أحدهما نحو الآخر يجب أن يكون أقوى من ولائهما لوالديهما. واقتبس السيد المسيح من هذه الكلمات في التوراة حين تكلّم عن مسألة الزواج والطلاق قائلا: ((باقترانهما يصبحان واحدا، فما جمعه الله لا يفرّقه إنسان)) [الإنجيل، متّى 19: 6].
وهناك موضوع آخر جدير بالذكر في سفر التكوين، وهو صلة الربط بين آدم والأرض ونراه في استعمال الكلمتين آدم وأديم وما يجمعهما من مشترك لغوي. فعندما عصى آدم وحواء الله لحقت بالأرض لعنة. ومنذ ذلك الوقت كان آدم (عليه السلام) مجبرا على العمل بجهد لكي يكسب رزقه، وربّما كانت هذه اللعنة سببا في الغربة بين البشر والأرض. وأخبر الله آدم بعقابه، إذ سيأكل طعامه ((بجهد جهيد)) [التكوين 3: 17]. وستلقى حواء عقابا موازيا لِما سيحلّ على آدم إذ ستلد ((بجهد)) [التكوين 3: 16]. ورغم هذا العقاب الذي أرسله الله على آدم وحواء، يحقّق الله وعده في النهاية بحلول المملكة الربانية ((فلا لَعنةَ تُلاحِقُ أهلَ هذِهِ المَدينةِ المَحروسة بَعدَ الآنَ)) [كتاب الرؤيا 22: 3]. وقد أوحى الله على لسان النبي أشعيا ((فيسكن الذئب مع الخروف ويرقد النمر مع الجدي ويكون العجل والخروف في أمان مع الأسد ويقودهم جميعا طفل صغير...وفي جبل الله المقدّس لا شيء يؤذي ولا شيء يضرّ لأنّ الأرض ستمتلئ بالعارفين بالله امتلاء البحار ماء)) [كتاب النبي أشعيا 11: 6، 9].
ونرى إشارة إلى خطيئة آدم وحواء في القرآن في سورة طه 121. ونستطيع أن نفهم عاقبة عصيان آدم وحواء بطرق متعددة، فمثلا كتب الحواري بولس ما يلي: ((كان آدم أول من أذنب من الناس، ففتح باب الإثم على الدنيا، ونتج عن ذلك الموت، وسرى الهلاك إلى كل الناس لأنهم خطاؤون جميعا)) [رسالة بولس إلى أحباب الله في روما 5: 12]. ويذكر بعض الباحثين الذلّ الذي حلّ على آدم وحواء وكيف لحق بكلّ ذريّتهم مع أنّهم لم يرتكبوا الخطيئة ذاتها التي ارتكبها آدم وحواء.
وعندما استمع آدم وحواء إلى وسوسة الحيّة (وجاء تفسيرها في الديانات الإبراهيمية بأنها رمز الشيطان) غلبتهما بحيلها وفتحا بابا لتأثير الشّيطان عليهما ولأذاه عليهما وعلى نسلهما. وأوحى الله أنه سيجعل عداوة بين الحيّة والمرأة، ((وسيسحق نسل المرأة رأس الحية)) وبين نسلها وبين ما ينحدر من الحيّة. أمّا بالنسبة إلى نسل حواء فقال الله إنّ نسلها سيسحق رأس الحية. ويؤكّد الحواري بولس إتمام هذا الوعد بخصوص السيّد المسيح إذ قال: ((واللهُ الّذي يَهبُ السّلامَ، سيَجعَلُ الشَّيطانَ تَحتَ أقدامِنا قَريبًا)) [الرسالة إلى أحباب الله في روما 16: 20]. وجاء هذا تحقيقا لوعد الله المتعلّق بحواء ونسلها.
وبعد مرور قرون من الزمن، وعند عودة بني يعقوب من سبيهم في بلاد بابل حيث أرسلهم الله عقابا على ذنوبهم، أخذوا ينظرون إلى أنفسهم كأنّهم جميعا بمثابة آدم الثاني. فكما عصى آدم ربّه ثم طُرد من الجنة كذلك عصى بنو يعقوب الله وطُردوا من أرض الميعاد. أمّا في الإنجيل فنستطيع أن نرى كيف تتطوّر هذه الفكرة، ولكنّ السيد المسيح هنا بمثابة آدم الجديد لكن بطريقة مختلفة. فالسيد المسيح أطاع الله وبطاعته جعل أمّة الله تعود إلى الجنة. وكتب الحواري بولس بهذا الخصوص ما يلي: ((فلقد جاءَ في التَّوراةِ: "فكانَ آدمُ، الإنسانُ الأوَّلُ، كائِنًا حيًّا". أمّا سَيِّدُنا عيسى فهو بمَثابةِ آدمَ الأخيرِ ورُوحِ اللهِ وهو مَن سيُحيي أَرواحَنا.. وهكذا تَرَونَ أنّ الجِسمَ الدُّنيَويَّ يأتي أوَّلاً، أمّا الجِسمُ النّورانيُّ فيأتي لاحِقًا، وإنّ آدمَ، الإنسانَ الأوَّلَ، أرضيٌّ مِن تُرابٍ، أمّا السَّيِّدُ المَسيحُ، الإنسانُ الثّاني، فهو مِن السَّماءِ)) [رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنتوس 15: 45-47].
—•—
خلق آدم وحواء
4bعندما بدأ الله خلق السّماوات والأرض، 5لم يكن في الأرض شجر ولا عشب، لأنّ الله لم يرسل بعد مطرًا ليسقي الأرض ولم يخلق الإنسان بعدُ ليفلَحها. 6وإنّما كانت عيون الماء تفيض من جوف الأرض فتسقيها. 7وخلق الله الإنسان من أديم الأرض، من تراب خلقه،#2.7 يذكر الطبري في تفسيره أن بعض العلماء أكّدوا ما يلي: "ومن ثم سمي آدم لأنه خُلق من أديم الأرض". انظر أيضا سورة ص الآية 71 وسورة الروم الآية 20. ونفخ فيه من روحه، فأصبح آدم (عليه السّلام) إنسانا ينبضُ بالحياة. 8وجعل الله سبحانه وتعالى بستانا خصيبا في الأرض ناحية عدن من جهة الشرق، وفيه وضع تعالى الإنسان الذي خلقه. 9وكان هذا البستان جميلا جدّا، مليئا بكلّ أنواع الأشجار، ما حسُن مَنظرها وما لذّ مأكلها. وهذا المكان بمثابة جنّة الله في الأرض، تتوسّطه شجرتان، شجرة الخلد ومَن يأكل منها يعيش أبدًا، وشجرة معرفة الخير والشرّ. 10ويجري من عدن نهرٌ يسقي الجنّة، ويتفرّع إلى أربعة أنهار. 11-12فيشون اسم النّهر الأوّل، ويمرّ بأرض الحَويلة الغنيّة بأجود أنواع الذّهب والصّمغ الفوّاح وحجر العقيق. 13وجيحون اسم النّهر الثّاني، ويمرّ بأرض كوش.#2.13 يبدو أنّ اثنين من هذه الأنهار الأربعة، فيشون وجيحون، لم يعد لهما وجود. ويعتقد بعض الباحثين أنّ جنّة عدن كانت تقع في المنطقة التي صارت مع مرور الوقت الخليج العربي، وأنّ النهرين المذكورين كانا يصبّان في هذه المنطقة. 14ودجلة اسم النّهر الثّالث، ويجري شرق أشّور. والفرات هو اسم النّهر الرّابع.
15وجعل الله سبحانه وتعالى آدم (عليه السّلام) في هذه الجنّة الخصبة ليعتني بها ويحميها، 16وأمره:#2.16 ذكر الطبري في تاريخه أن أبا ذر وهو أحد الصحابة، قال: قلت، يا نبي الله، أنبيًا كان آدم؟ قال: "نعم، كان نبيًا، كلّمه الله قبلا". "لك أن تأكل من كلّ شجر الجنّة، 17إلاّ شجرة معرفة الخير والشرّ، إنّك إن تأكل منها تلقى الهلاك لا محالة".#2.17 قارن سورة البقرة: 35.
18ثمّ قال اللهُ: "لا خير في بقاء هذا الإنسان وحيدًا. سأَخلق له نظيرا يؤنسه ويشاركه حياته". 19وقدّم الله أمام آدم (عليه السّلام) كلّ الحيوانات والطّيور التي خُلقتْ من تراب مثله، حتّى يختار لها أسماء.#2.19 انظر سورة البقرة: 31. 20ففعل ذلك، ولم يكن من بين كلّ هذه المخلوقات من يؤنس آدم ويشاركه حياته. 21فأغشاه الله في سُبات عميق وأخرج من جنبه ضلعًا وملأ مكان الضلع لحمًا. 22وجعل الضلع امرأة وأعطاها لآدم لتكون له زوجة ورفيقة. 23فقال آدم (عليه السّلام):
"هذه عظمٌ من عظامي،
ولحمٌ من لحمي.
اسمُها منذ الآن امرأةٌ،
لأنّها مِن امْرئٍ أُخِذتْ".
24لهذا السّبب يترك الرّجل أمّه وأباه ليقترن بزوجته، فيؤلفان عائلة جديدة وباقترانهما يُصبحان واحدًا. 25وكان آدم وحوّاء لمّا خلقهما الله عريانين، لم يعرفا ذلك ولا كانا على حياء منه.
© 2021, Al Kalima