سفر أعمال الرسلعينة
اليوم 8: الخلفية اللاهوتية (العهد القديم)
عندما ندرس سفر أعمال الرسل، تتبادر إلى أذهانِنا الكثير من الأسئلة اللاهوتيّة. من أين تعلّم لوقا آراءه اللاهوتيّة؟ كيف قرّر اختيار ما يتناوله في سفرهِ وما يتغاضى عن ذكرهِ؟ ما هي المبادئ الأساسيّة التي وجَّهت كتابته؟ في الواقع، يمكننا إيجاد الإجابات على هذه الأسئلة من خلال التعرّف على خلفيّة لوقا اللاهوتيّة.
لقد أثر العهد القديم على كتابات لوقا بطريقتين على الأقل. أولاً: تأثر لوقا بشدّة بنظرة العهد القديم للتاريخ بشكل عام. ثانياً: تأثر بشدة بمعالجة العهد القديم لتاريخ إسرائيل على وجه الخصوص.
1) التاريخ:
تحدث فيلسوف القرن السابع عشر المسيحي بليز باسكال، في كتابه العظيم Pensées أي "الأفكار"، عن ثلاث حقائق عُظمى أدركها البشر على مدى التاريخ. أولاً، أشار إلى جمال الخليقة ومجدها، أي الأعجوبة التي تخللت الكون لأن الله صنع كل شيءٍ حسن. ثانياً، تكلم عن الصراع المحيّر بين المجد الأصلي للخليقة وبؤسها وفسادها الحالي. وثالثاً تحدث باسكال عن الفداء، أي الرجاء بأن يكون هناك حل لهذا الصراع. وتتطابق تأملات باسكال مع تقسيم العهد القديم لتاريخ العالم إلى ثلاث مراحل: الخليقة، السقوط في الخطية، والفداء. وكتب لوقا في أعمال الرسل عن الكنيسة الأولى بطرقٍ تعكِس وجهة النظر الثلاثية للتاريخ هذه.
تأمل في فترة الخليقة. فقد أعد الله العالم في تكوين 1، ليكون امتداداً لملكوته السماوي. حيث خلق الكون؛ وضع جنةً في عدن؛ ووضع البشر، صورته المَلَكية، في تلك الجنة؛ وأمرهم أن يكثروا ويتسلطوا على الأرض، مبتدئين بعَدَن وممتدين إلى كل الكرة الأرضية. باختصار، وضع الله خطة للتطور الكامل لملكوته على الأرض.
يتضح مدى إدراك لوقا لهذه الفكرة الهامة للعهد القديم في عدة أماكن في سفر أعمال الرسل. على سبيل المثال، تحدث بطرس ويوحنا في أعمال الرسل 4: 24-30، عن الخليقة كدليل على سيادة الله المَلَكية على الأرض. وتحدث بولس وبرنابا في أعمال الرسل 14: 15-17 عن الخليقة على أنها الأساس لسلطة الله على الأمم. وأكد استفانوس في أعمال الرسل 7: 49 بأن الله خَلَقَ العالم ليكون موطئ قدميه.
أشار لوقا من خلال تضمين هذه الأفكار في كتابه، أن موضوع الخليقة مهمٌ لفهمه الخاص للكنيسة الأولى. وبنفس الطريقة، يبرز وعي لوقا بسقوط البشرية في الخطية في مقدمة سفر أعمال الرسل.
كتب لوقا عن ألم الخطية في عدة أماكن في سفر أعمال الرسل. حيث نجد إشارات للسقوط في عظات بطرس في 2: 38، و3: 19، في دفاع الرسل أمام المجمع في 5: 29-32، في حديث بولس أمام شيوخ أفسس في 20: 18-35، وفي عظة بولس أمام الملك أغريباس في 26: 20.
يشير تاريخ لوقا في سفر أعمال الرسل إلى أنه لم يؤمن بتعليم العهد القديم عن الخليقة والسقوط فحسب، لكنه تبنّى ما قاله العهد القديم عن الفداء. وبقدر ما أفسدت الخطية البشرية والخليقة، عرف لوقا أن الله لم يترك العالم بلا رجاء.
نجد المواضيع عن الفداء في: عظة بطرس في 2: 21-40؛ دفاع الرسل أمام المجمع في 5: 29-32؛ كلام الملاك لكرنيليوس في 11: 14؛ حديث بولس في مجمع أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيديَّة في 13: 23؛ مجادلة بطرس في مجمع أورشليم في 15: 7-11؛ وكلمات بولس وسيلا لسجّان فيليبي في 16: 30-31.
عندما ندرس سفر أعمال الرسل، يجب أن نتذكر أن لوقا كان متأثراً بنظرة العهد القديم لتاريخ العالم عندما كتب السفر. ولهذا السبب كثيراً ما قام بتسجيل لحظات من القرن الأول، تعكس النطاق الواسع لتاريخ العالم من الخليقة، إلى السقوط في الخطية، إلى الفداء في المسيح.
عن هذه الخطة
إن سفر أعمال الرسل هو المجلد المصاحب لإنجيل لوقا. فهو يسجل تأسيس الكنيسة الأولى تحت قيادة الرسل، ونشاط ونمو الكنيسة خلال منتصف القرن الأول. في الكنيسة المعاصرة غالبا ما يلجأ المسيحيون إلى سفر أعمال الرسل للتعرف على المسائل المتعلقة بالمواهب الكاريزماتية وللتحقيق في أمور مختلفة تتعلق بإدارة الكنيسة وسلطانها. ويتحدث سفر أعمال الرسل عن هذه الأمور بالتأكيد. ولكن ماذا كانت الفكرة الرئيسية للوقا حين كتب هذا السفر؟ ما هي الصورة الأكبر التي حاول أن يقدمها للقرّاء لفهم هذه الأمور الثانوية؟ ما هو الأمر الرئيسي الذي أراد أنه يتعلمه قرّاءه وأن يفعلوه؟ في هذه الخطة نتعرّف على عرض خلفية سفر أعمال الرسل ورسالته الرئيسية. كذلك نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر لسفر أعمال الرسل.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: http://arabic.thirdmill.org