قصّة النّبيّ أيّوب مدخل
مدخل
تعتبر قصّة النّبي أيّوب (عليه السلام) من أهمّ القصص في تاريخ البشريّة. وهي قصّة تروي حكاية رجل تقيّ صالح ثريّ أصابته ابتلاءات جرّدته من صحّته ونسله وممتلكاته. وتحوّل الصبر الذي تحلّى به النبي أيّوب خلال هذه المحن مضرب أمثال إذ يقال صبر أيّوب.
وعاش النبي أيّوب في بلاد عوص، التي تقع في الجهة الشمالية من شبه الجزيرة العربية، أي في ما يُعرف اليوم بدولة الأردن. ويتضمّن كتاب النبي أيّوب العديد من الكلمات والعادات التي تشبه بشكل كبير بعض الكلمات في اللغة العربية إضافة إلى العادات المنتشرة بين الشعب العربي. وتوضّح الترجمة القديمة لسفر أيّوب في اللغة اليونانية (أي الترجمة السبعينية) هذه العلاقة حيث تشير إلى أنّ زوجة النبي أيّوب كانت عربية.
وفي هذه القصّة يستطيع القارئ أن يفهم أن ابتلاءات النبيّ أيّوب تحدث ضمن إطار قصّة كبرى، إذ يزعم الشيطان أنّ النّبي أيّوب لا يعبد الله إلاّ بسبب ما ناله من بركات الله وحمايته. أمّا الله فيؤكّد إخلاص عبده أيّوب له. واستجابة لما قاله الشيطان رفع الله حمايته عن النّبي أيّوب وسمح للشيطان أن يسلب ثرواته وأبناءه وصحّته بشرط ألاّ يقتله. ورغم كل ما عاناه النّبي أيّوب (عليه السلام) لم يلعن الله بل لعن يوم مولده. ومع أنّه عليه السلام تعذّب من حالته المريرة لكنّه لم يتّهم الله بالظلم.
وجاء لمواساة النّبي أيّوب ثلاثة أصدقاء، ثم لحقهم شخص رابع، فحاولوا إقناعه بأنّه قد أذنب وهو يستحق كلّ المعاناة التي حلّت به. وقال أحدهم ويدعى بلداد، إنّ أبناء أيّوب لقوا حتفهم وزعم أنّهم مذنبون واستحقّوا العقاب. ويرد في مواطن عديدة في الكتاب المقدّس أنّ الأشرار يلقون عقابهم في هذه الدنيا، بينما ينال الصّالحون البركات. فمثلا جاءت آية في كتاب الأمثال تقول: ((لعنة الله تطارد بيوت الأشرار وبركاته تحلّ على بيوت الأبرار)) [كتاب الأمثال 3: 33]. ومن الجدير بالذكر أنّ إحدى المصائب التي أصابت النّبي أيّوب أنّ الشيطان ضربه ((بقروح مؤلمة غطّت جسمه من أسفل قدمه إلى قمّة رأسه)). وهذه المصيبة هي تحديدا ما توعّد الله به في التوراة عقابا لكلّ من يجحد وصاياه (سفر التثنية 28: 35). لهذا السبب أصرّ أصدقاء النّبي أيّوب على أنّه أذنب بحقّ الله لا ريب وينبغي أن يعترف بذنبه حتى يتخلّص من معاناته.
ولكن النّبي أيّوب رفض نصائحهم وظلّ مصمّما على براءته، وطلب من الله معرفة سبب ما حلّ عليه من ابتلاءات. وفي نهاية القصّة تجلّى الله للنّبي أيّوب وأصدقائه في زوبعة ولكنّه تعالى لم يُجب على الأسئلة الرئيسية التي طرحها النّبي أيّوب. وبقي النّبي أيّوب صامتا وخضع لحكمة الله التي كانت تفوق إدراكه. وعاتب الله أصدقاء النّبي أيّوب الثلاثة وأمرهم أن يطلبوا من أيّوب أن يتشفّع لهم حتّى ينالوا المغفرة لجهلهم، ومن ثمّ أعاد الله أيّوب إلى شأنه الأوّل ورزقه سبعة بنين وسبع بنات.
ويبدو من سفر النّبي أيّوب في الكتاب المقدّس أنّ النّبي أيّوب لم يكن على علم بتحدّي الشّيطان وكيف استجاب الله له. ولكنّ أيّوب (عليه السلام) اعتمد على حكمة الله، وجازاه الله على هذا الاعتماد، كما جاء في سورة الأنبياء: 84. وتبيّن قصّة النّبي أيّوب أهميّة الاتّكال على الله حتّى في الظروف الوخيمة حين لا يمكننا أن نفهم مقصد الله ممّا نمرّ به، وحتّى عندما لا تنسجم ظروفنا مع ما ندركه من صفات الله وتعاليم كتابه تعالى، فالإدراك البشري لله محدود لا ريب، وينبغي علينا أن نتّكل على الله لا أن ندرك كلّ ما يفعله في الكون.
لقد أصبح النّبي أيّوب قدوة للمؤمنين. وكتب الحواري يعقوب عن النّبي أيوب (عليه السلام): ((إخواني، اِقتَدوا بالأنبياءِ الّذينَ تَحَمَّلوا الضِّيقَ والعَذابَ مِنَ الأشرارِ حينَ أتوا برِسالةِ اللهِ، وكانوا في ذلِكَ مِنَ الصّابِرينَ! واصبِروا مِثلَهُم، فما أعظَمَ هَناءَ الصّابِرينَ! أما سَمِعتُم بصَبرِ النَّبيِّ أيُّوبَ رَغمَ ما واجَهَهُ مِن كَربٍ، وكَيفَ استَجابَ اللهُ لهُ في النِّهايةِ؟ لأنّ اللهَ بعِبادِهِ رَحمنٌ رَحيمٌ)) [رسالة الحواري يعقوب 5: 10 و11].
المحددات الحالية:
قصّة النّبيّ أيّوب مدخل: TMA
تمييز النص
شارك
نسخ
هل تريد حفظ أبرز أعمالك على جميع أجهزتك؟ قم بالتسجيل أو تسجيل الدخول
© 2021, Al Kalima