يعقوب مدخل
مدخل
من المرجَّح أنّ الحَواري يعقوب الصدّيق هو كاتب هذه الرّسالة، ويرى البعضُ أنّه أخو سيّدنا عيسى المسيح (سلامه علينا) من أمّه مريم، ويرى البعض الآخر أنّه أحد أقربائه فقط (انظر متّى 13: 55، مرقس 6: 3، غلاطية 1: 19). وقد كتبها في الفترة الممتدّة بين سنة 40 للميلاد والفترة التي اندلعت فيها الثورةِ اليهوديّةِ ضدّ الرّومان بِدايةً من سنة 66 للميلاد.
كان يعقوب من القلائل الذين تجلّى لهم سيّدنا المسيح بعد انبعاثه من الموت (انظر رسالة كورنتوس الأولى 15: 7)، ومع مرور الزّمن أصبح قائدا لأتباع السيّد المسيح في القدس (انظر سيرة الحواريّين 12: 17؛ 15: 13-21؛ 21: 18؛ رسالة غلاطية 2: 9، 12)، إلى أن جاء أمْرُ كبير الأحبار أنانوس بِرَجمه حتّى الموتِ سنة 62 للميلاد. وفي الوقت الذي كتب فيه يعقوب هذه الرّسالةَ (أي أواخر الأربعيناتِ أَو أوائِل الخمسيناتِ بعد الميلاد)، كان أغلب المؤمنين بالسيّد المسيح يهودا، ولا شكّ أنّ الحواري يعقوب توقّع أنّ العدد القليل من المؤمنين من سائر الأمم سيكونون تحت عنايةِ الأغلبيّة اليهوديّة، خاصّة وأنّ دعوة الحَواري بولس إلى الإيمانِ بالسيّد المسيح بين غير اليهود لا تزال في بداياتها.
كان أغلب سكانِ فلسطين في ذلك الوقت من صغار الفلاحين. وقد أجبَرَ الأثرياء عددا كبيرا منهم على التخلّي عن أراضيهم، فأصبحوا مجرّد عمّال أَو فلاحين مستأجَرين، كما تعرّضوا إلي الاستغلال من قبل الأغنياء وخاصّة الأرستقراطيّة اليهوديّة والنخبة الدينيّة في أغلب الأحيان. وكان مُعظَم من آمن من اليهود بالسيّد المسيح في فلسطين من الفقراء في تلك الفترة. فكان من الطّبيعي أن يشعر هؤلاء بالاستياء من الأغنياء الذين سلبوهم أراضيهم مرّات عديدة، وظلموهم عندما استخدموهم كأجراء. كما تعرّضوا إلى الاضطهاد من النخبة الدينية، وهو ما دفع ببعض المؤمنين إلى الهروب إلى بلدانِ أخرى.
لقد أنتج صراعُ الطّبقات في المجتمع اليهوديِ صداما بين الحزب القومي للمتحمّسين (أو الغيورين) وبين مجموعات النّخبة التي تعاملت مع الرّومان المحتلّين. وفي زمن كتابة هذه الرّسالة أشتدّ تأثير المتحمّسين وزعموا أنّ الله يطلب من اليهود أَن يكونوا دعاةَ عنف تحقيقا لمرضاته تعالى، أمّا المؤمنون بالسيّد المسيح في فلسطين، فكانوا يشعرون أنّه لا خيار أمامهم إلاّ التّذمّر والاستياء والتحزّب، وأنّ كلّ ما يحيط بهم يدفعهم للالتحاق بصفوف المتحمّسين. وقد ادّعى المتحمّسون انحيازَهم إلى صفوف الفقراء، وبذلك استقطبوا المؤمنين الفقراء.
وكان الحواري يعقوب شديد القلق على ما قد يُقدِم عليه إخوانُه المؤمنون داخل فلسطين أو خارجها وخاصّة عندما رأى التأثير المتزايد لطائفة المتحمّسين عليهم. لقد كان لليهود الذين يعيشون في البلدانِ الأجنبيّة صلات وثيقة بفلسطين وتأثّروا تأثّرا عميقا بالاتّجاهات الدّينيّة والسّياسيّة الموجودة فيها، أمّا يعقوب فيدعو في هذه الرّسالة إلى الشّفقة والرّحمة على المسكين، وفي المقابل يُدين بشدّة العقائد الباطلة التي يدعو إليها المتحمّسون. فقد دعا المؤمنين ألاّ يَتَّكلوا على أمور هذه الدّنيا وخاصّة المال، ودعاهم إلى نبذ الكراهيّة والنّزاعِ والشّتائم والغضب، كما وبّخ المرشدين الذين ينتمون إلى جماعات المؤمنين بالسيّد المسيح، ويسعَون إلى جَمع أكبر عدد من الأتباع في صفوفهم، ويخاطبون غيرهم من المؤمنين بقسوة وغلظة. ويبدو قلقُ يعقوب واضحا بشأن تراجع وحدة الجماعة وفتور المحبّة واللّطف فيها. وكان يدعو جماعة السيّد المسيح إلى الوحدة والرّحمة وإدانة الظلم، ويرفض في الوقت نفسه المشاركةَ في العنف. ويُعلن أنّ عدالة الله ستَحُلّ في الوقت المناسب.
المحددات الحالية:
يعقوب مدخل: TMA
تمييز النص
شارك
نسخ
هل تريد حفظ أبرز أعمالك على جميع أجهزتك؟ قم بالتسجيل أو تسجيل الدخول
© 2021, Al Kalima