قصّة صموئيل وداود (1 صموئيل) 16

16
بسم الله تبارك وتعالى
قصة النبي داود (عليه السّلام)
—•—
مدخل إلى قصّة النبي داود
كان الملك طالوت (شاول) الملك الأوّل بعدما سمح الله بإقامة مملكة بني يعقوب،#1‏.0 انظر سورة البقرة: 247. وهو الذي عصى الله وسقط ضحية في معركة مع وثنيي بلاد فلسطيا فيما بعد. ثمّ أقام الله النبي داود (عليه السلام) ليكون الملك الثاني على مملكة بني يعقوب.
ويرجّح أن فترة حكم النبي داود امتدّت من سنة 1010 ق. م. إلى سنة 970 ق. م. ويُعرف داود (عليه السلام) كأحد عظماء ملوك قومه، إذ كان محاربا باسلا ومنشدا ماهرا، ويُنسب إليه عدد من المزامير في كتاب الزبور. ويحتلّ النبي داود مكانة مميّزة في هرم التفاضل بين الأنبياء في العقيدة الإسلاميّة عموما، فهو الوحيد بعد آدم (عليه السلام) الذي خاطبه الله بالخليفة.#1‏.0 انظر سورة ص: 26. ويقترب مصطلح "خليفة" في القرآن في المعنى من مصطلح "ابن الله" في الكتاب المقدّس، إذ يشير المصطلح الآخير إلى آدم وداود ويحمل معاني كثيرة تقترب من مصطلح "خليفة". ولا تكمن أهميّة النبي داود في الفكر الإسلامي في كونه الخليفة الثاني فحسب، بل تكمن أهميّته في كونه النبيّ الذي كان يعتبره المسلمون أوّل من حوّل الديانة اليهوديّة إلى ديانة تحكم دولة، فهو بذلك شبيه لمحمد نبي الإسلام.
ويعتبره أتباع الديانات الإبراهيمية أسوة في التقوى، حيث كان ((يعمل على مرضاة الله)) [كتاب النبي صموئيل الأوّل 13: 14، سيرة الحواريين 13: 22]. وحسب التقليد القديم المتواتر بين اليهود والمسيحيين والذي تذكره بعض الكتب القديمة يُنسب 73 مزمور إلى النبي داود. ونرى في هذه المزامير شأن بعض المصادر القديمة الأخرى أن سيرته قد جاءت قدوة للناس وذلك من خلال صلته مع الله، وتسابيحه (انظر المزمور 8 و145)، واستغاثاته (انظر مزمور 3 و7)، وثقته الكبيرة بالله، وتعابيره الصريحة عن حزنه وخوفه، واعترافاته بغضبه وقلقه واستغفاره (انظر مزمور 6 و 51) وإعلان إيمانه أمام الملإ وتعبيره عن شكره. ويرد ذكر النبي داود في القرآن الكريم مقترنا بتسبيح الله (سورة ص: 18‏-19).
وتستند قصة النبي داود على نصوص من الكتابين للنبي صموئيل وكتاب الملوك الأوّل وكتاب أخبار الأيّام الأوّل، وكلّها موجودة في ثنايا الكتاب المقدس. وجاء ذكر النبي داود وأعماله في بعض الكتب القديمة الأخرى، مثل كتاب ياشر وكتاب أخبار ملوك يهوذا، لكنّ هذه الكتب وقعت طي النسيان.
وتقدّم أغلب الروايات القديمة صورة إيجابية للنبي داود، لكن توجد قصّة عن خطيئة النبي داود وتسبب قلقا لعلماء اليهود والمسيحيين والمسلمين عبر القرون، ألا وهي قصّة النبي داود وامرأة أوريا.
وجاء في القرآن عن النبي داود أنّه أَوَّابٌ أي كثير التوبة [سورة ص: 17]. ويذكر الطبري في تاريخه كيف تاب النبي داود عن الفعل المذكور في سورة ص: "هو يقول في سجوده - فلم أحص من الرقاشي إلا هؤلاء الكلمات: رب زلّ داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب! ربي إن لم ترحم ضُعف داود، وتغفر ذنبه جعلتَ ذنبه حديثًا في الخُلوف من بعده."
ويذكر الطبري أيضا: "عرف ما قد وقع فيه، وما ابتُلي به، قال: فخرّ ساجدًا فبكى، قال: فمكث يبكي ساجدًا أربعين يومًا لا يرفع رأسه إلا لحاجة لا بد منها، ثم يقع ساجدًا يبكي، ثم يدعو حتى نبت العُشب من دموع عينيه، قال: فأوحى الله عز وجل إليه أربعين يومًا: يا داود، ارفع رأسك قد غفرتُ لك، فقال: يا رب، كيف أعلم أنك قد غفرتَ لي وأنت حكَمٌ عدل لا تحيف في القضاء؛ إذا جاء أهريا يوم القيامة آخذًا رأسه بيمينه أو بشماله تشخَبُ أوداجه دمًا في قِبَل عرشك: يقول يا رب، سل هذا فيم قتلني! قال فأوحى الله إليه: إذا كان ذلك دعوت أهريا (أوريا) فأستوهبك منه، فيهبك لي فأثيبه بذلك الجنة. قال: رب الآن علمت أنك قد غفرت لي، قال: فما استطاع أن يملأ عينيه من السماء حياءً من ربه حتى قبض.
حدثني علي بن سهل، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني عطاء الخراساني، قال: نقَش داود خطيئته في كفه لكي لا ينساها؛ فكان إذا رآها خفقت يده واضطربت".
كان النبي داود تقيا ورفض أن يعلي من شأنه بسبب ثقته أن الله سيفي بوعده تعالى على لسان النبي صموئيل. وهذا الوعد مفاده أنّ داود سيصبح الملك في الوقت المناسب، وكان داود (عليه السلام) راسخا في ثقته بوعد الله حتى بعد أن غار الملك طالوت منه فولّى داود هاربا إلى الصحراء لينجو بحياته، حيث أقام متشرّدا بينما يلاحقه جنود طالوت. ومع الوقت، اعتلى النبي داود العرش ووعده الله أنه سيقيم نسله على العرش إلى الأبد.
وبعد وفاة النبي داود بقرون أدّى ضلال أغلب بني يعقوب إلى هزيمتهم وسبيهم في بلاد بابل كما توعّد الله قبل ذلك. وهذا السبي كان بمثابة أزمة ايمانية لشعب بني يعقوب حيث كان يبدو لهم أن وعد الله أن يحفظ ذرية داود على العرش لم يتمّ. ولكن الله أرسل حينئذ وحيا على ألسنة أنبيائه عاموس وأشعيا وغيرهما أنه تعالى سيحقّق وعده بإرسال المسيح المنتظر، وريث عرش داود، ليقيم مملكته من جديد ويثبّت السلام ويملأ الأرض قسطا وعدلا.
ويشير الإنجيل إلى أن السيد المسيح هو سليل النبي داود بل هو من أقام مملكة داود المنهدمة واعتلى على عرشه ليملك ويرسي حكما عادلا على عباده إلى الأبد.
—•—
مقدّمة
في أيّام النبي صموئيل (عليه السلام)، أراد بنو يعقوب تنصيب ملك عليهم حتّى يحكمهم كبقية الأمم. ورغم أنّ الله لم يرسل إليهم ملوكا، لكنّهم تمرّدوا عليه وطالبوا بملك يحكمهم. فأرسل الله النبي صموئيل إلى رجل يُدعى طالوت حتى يمسح رأسه بزيت دليلا على أنّ الله اختاره ملكا على عباده من بني يعقوب. ولكن طالوت عصى أمر ربّه فرفضه الله ولم يؤيده كما سبق، وتركه يموت في معركة.
اختيار داود (عليه السّلام) ملكًا
1ذات يوم أوحى الله إلى النبي صَموئيل (عليه السّلام): "إلى متى تتأسّف على طالوت الذي رفضتُه ملكًا على بني يعقوب؟ عليك أن تملأ حالا القرن بالزيت وتذهب إلى يَسَّى في بيت لحم، لتمسح به أحد بنيه لأنّي اخترتُه ملكًا". 2فردّ النبي صَموئيل قائلا: "كيف تطلب مني أن أذهب إلى هناك؟ فإن علم الملك طالوت أنّي فعلت ذلك، قتلني". فأوحى الله إليه مرّة أخرى: "خُذْ معك عجلة وأعلن للحاضرين: جئتُ لأُقدّم أضحية لربّ العالمين. 3وادعُ يَسَّى إلى الوليمة، وهناك تأتيك تجلّياتي لأشير عليك بما تفعله في الحين، وأدلّك على أحد أبناء يَسَّى وعليك أن تمسحه بالزيت لتنصبه ملكًا". 4فاتّبع صَموئيل (عليه السّلام) ما أمره الله به. وعندما جاء إلى بيت لحم اضطرب شيوخ البلدة وسألوه: "أجئت تطلب خيرا؟" 5فأجابهم: "ما جئتُ إلا للخير. لقد جئتُ لأقدّم أضحيةً إكراما لله، فتطهَّروا وتحلّقوا معي حول الوليمة". ودعا يَسّى وأبنائه إلى الوليمة بعد أن طلب منهم التطهّر أيضا.
6فلمّا حضر الجميع نظر النبي صموئيل إلى أليآب ابن يَسّى البكر، وقال في نفسه: "لا شكّ أنّه الملك الّذي اختاره الله". 7فأوحى الله إلى صموئيل (عليه السّلام): "لا تنشغل بجماله وطول قامته، فأنا رفضته، لأنّ ربّك لا ينظر إلى الأشياء كما ينظر إليها الإنسان. فالإنسان لا يتعدّى بصره ظواهر الأمور، أمّا ربّك فعليم بذات الصدور".#16‏.7 قارن صحيح مسلم، فجاء حديث عن أبي هريرة: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صُوَركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم." كتاب البر والصلة والأداب، حديث رقم 2564. 8ثمّ طلب يَسّى من ابنه أبيناداب أن يمرّ أمام النبي صموئيل، ففعل. فردّ (عليه السّلام): "كلاّ، لم يختره الله". 9ثمّ طلب يَسّى من ابنه شَمّة أن يمرّ أمام النبي صموئيل، ففعل. فقال النبي صموئيل: "كلاّ، لم يختره الله أيضا". 10ومرّ أبناء يسّى السبعة، واحدا تلو الآخر، أمام النبي صموئيل، فقال لِيسَّى: "لم يختر الله أحدًا من أبنائك الحاضرين". 11ثمّ أضاف (عليه السّلام): "أهؤلاء جميع بنيك؟" فأجابه: "بقي ابني الصغير فقط، فهو في المرعى الآن مع الغنم". فقال (عليه السّلام): "استدعِه في الحال، لأنّنا لا نأكل حتّى حضوره". 12فأرسل أحدا ليأتي بداود الصغير (عليه السّلام)، وكان داود وسيمًا ولونه مشرقًا وعيناه تشعّان بريقًا. فأوحى الله إلى النبي صموئيل: "عجّل وامسحْهُ بالزيت، إنّه الملك الذي اخترتُه". 13فأخذ النبي صموئيل قرن الزّيت ومسح داود ملكًا أمام إخوته، فحلَّت عليه الروح الإلهية بقوّة منذ ذلك اليومِ. ثمّ عاد النبي صَموئيل إلى بلدة الرّامة.
داود (عليه السّلام) في قصر الملك طالوت
14وفارقت الروح الإلهية الملك طالوت، وحلّ محلّها مسّ من الشيطان أصابه بإذن الله تعالى. 15فأعلمه رجال حاشيته قائلين: "لقد أذن الله لشيطان أن يصيبك بمسّ، 16فإن أردت يا مولانا، نبحث لك عن رجل يُتقن الضّرب على العود، حتّى إذا ما اعتراك مسّ من هذا الشيطان، يضرب لك على العود فتصبح أحسن حالاً". 17فامتثل الملك طالوت لطلبهم، وقال: "ابحثوا عن رجل يتقن الضّرب على العود وائتوني به حالاً". 18لكن أحد حاشيته بادره قائلاً: "لقد رأيتُ أحد أبناء يسَّى من بيت لحم يتقن الضّرب على العود، وهو شجاع ومقدام في الحرب، ولسانه فصيحٌ وحسنه أخّاذ، ومؤيّد من الله". 19وفي الحال أرسل الملك طالوت إلى يَسّى من يقول له: "أريد منك أن ترسل إليّ ابنك داود راعي الغنم". 20فوافق يَسّى على طلب الملك طالوت وحمّل دابّة بالخبز والشراب وأرفقها بجدي، وأرسلها إليه هدية مع ابنه داود. 21وعندما وصل داود (عليه السّلام) إلى الملك بدأ في خدمته. فأحبّه الملك كثيرًا وجعله حامل سلاحه. 22وأرسل الملك طالوت إلى يَسّى مَن يقول له: "اترك داود في قصري، لأنّه متفان في خدمتي وينعم برضاي". 23وكان كلّما حلّ المسّ الشيطاني بأمر من الله في ذات الملك طالوت يأخذ النبي داود عوده ويضرب عليه، فيتخلّص منه الملك ويصبح أفضل حالاً.

تمييز النص

شارك

نسخ

None

هل تريد حفظ أبرز أعمالك على جميع أجهزتك؟ قم بالتسجيل أو تسجيل الدخول

فيديو ل قصّة صموئيل وداود (1 صموئيل) 16