Covered by Creative Commons Attribution no Derivatives Licence, (http://al-kalima.com/content/in-translation/licence.html)

المعنى الصحيح لإنجيل المسيح

ثُمّ انفَضَّ المَجلِسُ كُلِّهِ فأخَذوا سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) إلى الوالي بيلاطُسَ ووَجَّهوا إليهِ العَديدَ مِن التُّهمِ قائِلينَ: "إنَّا وَجَدنا هذا الرَّجُلَ مُثيرًا للفِتَنِ بَينَ الشَّعبِ، يُحَرِّضُهُم على عَدمِ أداءِ الجِزيةِ لِقَيصرَ زاعِمًا أنّهُ المَسيحُ، أي المَلِكُ المُنتَظَرُ!" فسألَهُ بيلاطُسُ: "هل أَنتَ مَلِكُ اليَهودِ؟" فقالَ سَيِّدُنا عيسى: "نَعم، الأمرُ كَما تَقولُ!" فبَعدَ المَزيدِ مِن التَّحقيقِ مَعَهُ، التَفَتَ بيلاطسُ إلى كِبارِ رِجالِ الدِّينِ والجُموعِ قائلاً: "لَيسَ مِن سَبَبٍ لاتّهامِ هذا الرَّجُلِ". ولكنّهُم أَصَرُّوا قائلينَ: "إنّهُ يُثيرُ الشَّعبَ بِما يُعَلِّمُ في كُلِّ مِنطقةِ يَهوذا! لقد بَدأ بالجَليلِ وها هو الآنَ يَصِلُ إلى هُنا!"

فقالَ بيلاطُسُ: "هل هو مِن الجَليلِ؟!" فأجابَ الحاضِرونَ بالإيجابِ. حِينئذٍ أدرَكَ أنّ عِيسَـى تابِعٌ لسُلطةِ ابن هيرودُسَ حاكمِ الجَليلِ، فأرسَلَهُ إليهِ لأنّ ابنَ هيرودُسَ كانَ في زيارةٍ للقُدسِ في ذلِكَ الوَقتِ. وعِندَما وَصَلَ (سلامُهُ علينا) إلى ابنِ هيرودُسَ فَرِحَ برؤيتِهِ (سلامُهُ علينا) لأنّهُ سَمِعَ عَنهُ الكَثيرَ، مِمّا جَعَلَهُ، مُنذُ فَترةٍ طَويلةٍ، في شَوقٍ إلى رؤيةِ مُعجِزةٍ مِن المُعجِزات الّتي كانَ يَسمَعُ عَنها. فقامَ وألقى عليهِ أسئلةً كَثيرةً إلاّ أنّهُ (سلامُهُ علينا) رَفَضَ الإجابةَ. أمّا كِبارُ رِجالِ الدِّينِ والفُقَهاءِ الّذينَ رافَقوا عيسى (سلامُهُ علينا) إلى ابنِ هيرودُسَ، فكانوا في تِلكَ الأثناءِ يَكيلونَ لهُ التُّهمَ. وابنُ هيرودُس نَفسُهُ أخَذَ، بَعدَ صَمتِ سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا)، يَكيلُ هو أيضًا وجُنودُهُ السُّخريةَ والاستِهزاءَ لسَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا). ثُمّ أعادُوهُ إلى بيلاطُسَ وقد وَضَعوا عليهِ ثَوبًا مُزَركَشًا لِمَزيدِ السُّخريةِ. وتَصالحَ ابنُ هيرودُسُ وبيلاطُسُ في ذلِكَ اليومِ بَعدَ خِصامٍ بَينَهُما طَويلٍ.

واستَدعى بيلاطُسُ رُؤساءَ الأحبارِ وكِبارَ رِجالِ الدِّينِ وكُلَّ الحاضِرينَ مُعلِنًا قَرارَهُ أمامَ الجَميعِ: "جِئتُموني بهذا الرَّجُلِ الّذي اتّهَمتُموهُ بإثارةِ الفِتنةِ. وقد قُمتُ بالتّحقيقِ مَعَهُ بحُضورِكُم، إلاّ أنّني وَجَدتُهُ بَريئًا! وكذلِكَ فَعَلَ ابنُ هيرودُس مُصدِرًا الحُكمَ نَفسَهُ ليُعيدَهُ إلينا. إنّني أرى أنّ هذا الرَّجُلَ لم يَفعَل شيئًا يُوجِبُ إعدامَهُ! لكنّني سآمُرُ بجَلدِهِ ثُمّ بإخلاءِ سَبيلِهِ". وكانَ مِن العُرفِ أن يُطلِقَ بيلاطُسُ سَراحَ أحَدِ السُّجَناءِ بمُناسبةِ العِيدِ. فصَرَخَ الحاضِرونَ بصَوتٍ واحدٍ: "أطلِقْ سَراحَ باراباسَ، أمّا عيسى فاقتُلْهُ!" وكانَ باراباسُ هذا في السِّجنِ بسَبَبِ إثارتِهِ للشَّغَبِ في القُدسِ ضِدَّ السُّلُطاتِ إضافةً إلى اقتِرافِهِ جَريمةَ قَتلٍ. إلاّ أنّ بيلاطُسَ كانَ يَميلُ إلى إخلاءِ سَبيلِ عيسى (سلامُهُ علينا)، فحاوَلَ مُحاوَرتَهُم ثانيةً في أمرِ إخلاءِ سَبيلِهِ، لكنّهُم صاحوا قائلينَ: "اُصلُبْهُ، اُصلُبهُ!" فأصَرَّ مَرّةً ثالثةً على رَغبتِهِ قائلاً: "لِمَ، وما هو الجُرمُ الّذي ارتَكَبَهُ؟! إنّني لا أجِدُ ما يُبَرِّرُ الحُكمَ عليهِ بالإعدامِ، لذا سأقومُ بجَلدِهِ ثُمّ أُطلِقُ سَراحَهُ". ولكن تَعالَتْ أصواتُ الحاضِرينَ مُصِرِّينَ على المُطالَبة بقَتلِهِ (سلامُهُ علينا)، مِمّا جَعَلَهُ في النّهايةِ يَحكُم بإعدامِ عيسى (سلامُهُ علينا) صَلبًا، نُزولاً عِندَ رَغبَتِهِم، فأصدَرَ أمرَهُ بوَضعِهِ (سلامُهُ علينا) على الصَّليبِ. وهكذا أُخلي سَبيلُ باراباسَ القاتلِ المُتَمَرِّدِ.

وفيما كانَ (سلامُهُ علينا) يُساقُ للإعدامِ، صادَفَ مُرورُ رَجُلٍ آتٍ مِن الرِّيفِ إلى المَدينةِ اسمُهُ سِمعانُ مِن مَدينَةِ قورينا في ليبيا. فأمسَكَ الجُنودُ بسِمعانَ وأجبَروهُ على حَملِ الصَّليبِ والسَّيرِ خَلفَ سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا). وهكذا ساروا وخَلفَهُم حَشدٌ غَفيرٌ مِن النّاسِ، بَينَهُم نِسوةٌ بَدأنَ في البُكاءِ والنّواحِ حُزنًا عليهِ (سلامُهُ علينا)، فالتَفَتَ عيسى إليهِنّ قائلاً: "يا نِساءَ القُدسِ، لا تَبكينَ عليّ بَل على أنفُسِكُنَّ وأولادِكُنَّ، لأنّهُ سيأتي وَقتٌ يَكونُ فيهِ خَرابُ القُدسِ وحِينئذٍ سيُقال، "هَنيئًا للعاقِرِ الّتي لم تَحمِل ولم تَلِد ولم تُرضِع!" وسيَقولُ النّاسُ مِن شِدّةِ هَلَعِهِم: "فلتُدَكَّ علينا الجِبالُ، ولتُوارنا التّلالُ في أعماقِها كي نَموتَ فنَستريحَ مِن هذا العَذاب!" فإن كُنتُ أَنا، الغُصنَ الأَخضَرَ، قد حَلَّ بي مِن العَذابِ والهَوانِ ما تَرَونَ، فَما عَساهُ يَحُلَّ بِكُم، وأنتُم غُصونٌ يابِسةٌ؟" وهكذا ساقوهُ (سلامُهُ علينا) مَعَ اثنَينِ مِن المُتَمَرِّدينَ للإعدامِ. وعِندَ بُلوغِهِم تَلَّ الجُمجُمة، قاموا بصَلبِهِ بَينَ هذينِ الاثنَينِ، أَحَدُهُما عَن اليَمينِ والآخَرُ عَن اليَسارِ. فرَفَعَ رأسَهُ إلى السَّماءِ بالدُّعاءِ قائلاً: "اللهُمَّ، أيُّها الأبُ الرَّحمَنُ، اغفِر لهؤلاءِ ذُنوبَهُم، لأنّهُم يَجهَلونَ ما يَفعَلونَ". وكانَ الجُنودُ يَتنازَعونَ ثيابَهُ بَينَهُم بالقُرعةِ.
وبَينَما النّاسُ وُقوفٌ شاخِصينَ بأبصارِهِم إلى هذا المَشهَدِ الرَّهيبِ، انبَرَى بَعضُ رِجالِ اليَهودِ النّافِذينَ يَقولونَ استِهزاءً: "لطالما أنقَذَ الآخَرينَ، وآن الأوانُ لِيُنقِذَ نَفسَهُ إن كانَ هو المَسيحَ المَلِكَ المُختارَ، المُرسَلَ مِن عِندَ اللهِ حقًّا!" ثُمّ أخَذَ الجُنودُ الساخِرونَ يُقَدِّمونَ إليهِ نوعًا رَديئًا مِن الخَمَر، ويَتَصايحونَ قائلينَ: "إن كُنتَ مَلِكَ اليَهودِ حقًا، فهَيَّا أنقِذْ نَفسَكَ!" ثُمّ عَلَّقوا فَوقَ رأسِهِ في أعلى الصَّليبِ لَوحًا كُتِبَ عليهِ: "هذا هو مَلِكُ اليَهودِ". وأخَذَ أحَدُ المُتَمَرِّدَيْنِ اللذَينِ صُلبا مَعَهُ يُهينُهُ قائلاً: "هل أنتَ حقًا المَسيحُ المُنقِذُ لشَعبِنا؟ إذن قُم بإنقاذِ نَفسِكَ وإنقاذِنا إن كُنتَ مِن الصّادِقينَ!" ولكنّ المُتَمَرِّدَ الآخرَ قالَ مُعتَرِضًا: ألا تَخافُ اللهَ، حتّى وأنتَ على وَشَكِ المَوتِ؟ نَحنُ نَستَحِقُّ ما نَلقاهُ، إلاّ أنّ هذا الرَّجُلَ لَيسَ بآثمٍ!" ثُمّ التَفَتَ إلى عيسى (سلامُهُ علينا) وقالَ: "يا سَيِّدي عيسى، اذكُرني عِندَما تَجلِسُ على عَرشِكَ في مَملَكةِ اللهِ!" فأجابَهُ عيسى (سلامُهُ علينا): "الحقّ أقولُ لكَ، لَتَكونَنَّ اليومَ مَعي في فِردوسِ النّعيمِ".

وفي ظَهيرةِ ذلِكَ اليَومِ، احتَجَبَت الشَّمسُ فخَيَّمَ ظَلامٌ كَثيفٌ استَمَرَّ يَغمُرُ الأرضَ حتّى العَصرِ، ثُمّ انشَقَّ فَجأةً حِجابُ بيتِ اللهِ الصَّفيق إلى شَطرَين. فصاحَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا): "يا اللهُ، أيُّها الأبُ الرَّحيمُ، هذِهِ روحي مِنكَ إليكَ، أستَودِعُها بَينَ يَديكَ!" ولَفَظَ نَفَسَهُ الأخيرَ.
وعِندَما رأى الضّابطُ الرُّومانيُّ الواقِفُ على إعدامِهِ ما جَرَى، سَبَّحَ اللهَ وقالَ: "لقد كانَ هذا الرَّجُلُ صالِحًا بَريئًا". أمّا الجُموعُ المُحتَشِدةُ الّتي جاءَت خِصّيصًا لحُضورِ ذلِكَ المَشهَدِ، فقد عادَت إلى بُيوتِها لاطِمةً نادِبةً عِندَما رأت ما جَرى. وظَلَّ أصحابُهُ (سلامُهُ علينا) والنِّساءُ اللّواتي تَبِعنَهُ مِن الجَليلِ واقِفينَ عن بُعدٍ يُشاهِدونَ ما يَحدُثُ.

وكانَ رَجُلٌ صالِحٌ مِن أعضاءِ المَجلِسِ الأعلى مِن بَلدةِ الرَّامة في مِنطقةِ يَهوذا اسمُهُ يوسفُ، يَنتَظِرُ ظُهورَ المَملَكةِ الرَّبّانيّةِ، وقد استَنكَرَ كُلَّ ما صَدَرَ عن رِجالِ المَجلِسِ مِن قَراراتٍ وأعمالٍ. فتَوَجَّهَ بَعدَ مَوتِ عيسى إلى بيلاطُسَ طالِبًا مِنهُ إعطاءَهُ جُثمانَ عيسى (سلامُهُ علينا). وهكذا أنزَلَ يُوسفُ الجُثمانَ مِن على الصَّليبِ وأخَذَهُ وكَفَنَهُ بقُماشٍ مِن كَتّانٍ وأودعَهُ قَبرًا مَحفورًا في الصَّخرِ لم يُدفَن فيهِ أحَدٌ مِن قَبلُ. وكانَ ذاكَ اليَومُ يَومَ الإعدادِ لراحةِ السَّبتِ، الواقِعِ قَبلَ مَغيبِ الشَّمسِ وبَدءِ يومِ العِيدِ المَجيدِ.
وأمّا النِّسوةُ الجَليلياتُ، فأخَذنَ يُتابِعنَ يوسفَ فشاهدْنَهُ يُودِعُ الجُثمانَ في القَبرِ. وهكذا ذَهَبنَ بَعدَ ذلِكَ إلى البيتِ وجَهَّزنَ طِيبًا وحَنوطًا لِيَدهَنَّ بِهِ الجُثمانَ بَعدَ انقِضاءِ السَّبتِ. وعِندَ غُروبِ الشّمسِ امتَنَعنَ عن العَمَلِ طَوالَ ذلِكَ اليومِ تَنفيذًا لِما جاءَ في كِتابِ اللهِ.

سنیں لوقا 23