عندما خلق الله الإنسان، خلقه لكي يعبّر عن صفاته الحميدة، وجعله ذكرًا وأنثى وباركهم ليتكاثروا وسمّاهُم بشرًا. —•— جاء النّبي نوح (عليه السلام) في الجيل العاشر بعد سيدنا آدم (عليه السلام). وجاء أوّل ذكر للنبي نوح والطّوفان في التوراة، ثمّ ذُكرت هذه القصّة في الكتب السّماوية اللاّحقة مع شرح لأهميّتها وإضافة لبعض التفاصيل. ونرى في قصّة النّبي نوح كيف انتشر الفساد بين الناس في العالم بعد الخطيئة الأولى لآدم وحواء، إلى درجة أنّهم ((مَلأوا الأرضَ فَسادًا وظُلمًا)) [التكوين 6: 11]. وفي النهاية عاقب الله كلّ من ارتكب إثما مع أنّه صبور حليم. وذكرت الكتب السّماوية التي جاءت بعد التوراة، أنّ النّبي نوح نادى في قومه أن يتوبوا كما ذكر الحواري بطرس: ((النَّبيُّ نوحٌ الّذي كانَ يَدعو إلى الصِّراطِ المُستَقيمِ)) [رسالة الحواري بطرس الثّانية 2: 5]. ورغم دعوته لم يستجب قومه له كما نرى في سورة نوح 5‏-6. وتحتوي هذه القصّة عبرة مهمّة إذ يأتي إعلان الله بخصوص الإنسان بعد الطّوفان أنّ ((ميول قلبه شرّيرة منذ الطفولة)) [التكوين 8: 21]. وترد قصّة الطّوفان الكبير الذي عمّ العالم في عدّة أساطير قديمة شأن ملحمة قلقامش وملحمة أتراهاسيس. وجاءت كلتا القصّتين في اللّغة الأكادية في القرن الثّامن عشر قبل الميلاد أو ربّما قبل هذا التاريخ. ونجد قصّة الطّوفان في قصّة زيوسودرا البابليّة من القرن السّابع عشر قبل الميلاد أو ربما قبل هذا التاريخ، ونجدها أيضا في كتاب أفلاطون المسمّى بتيميوس. ولم يكترث الرّواة القدامى برواية التّفاصيل العلميّة المتعلّقة بالطّوفان بل سعوا إلى بيان سبب حدوث طوفان على هذا النّحو. وفي إحدى القصص الوثنيّة في اللغة الأكادية على سبيل المثال، يرد شرح مفاده أنّ الطّوفان حلّ على النّاس بسبب إزعاجهم لإله الطّقس أو الجو بكثرة الضجّة التي أحدثوها على الأرض. وحاول بنو يعقوب أن يفسّروا سبب حدوث هذا الطّوفان. ولكنّ قصّة الطّوفان في التوراة تبيّن أنّ الله تعالى يختلف عن تصوّر الوثنيّين لآلهتهم. فالعبرة من قصّة الطّوفان عندهم إذن تعود إلى عبرة قصّة أبينا آدم، ألا وهي أنّ عصيان الله يؤدّي إلى الهلاك. ويأتي ذكر الطّوفان ضمن قائمة قديمة لأسماء الملوك السّوماريين. وتفصل هذه القائمة التّاريخ إلى قسمين، قسم ما قبل الطّوفان وقسم ما بعد الطّوفان. وتمتّع ملوك ما قبل الطّوفان بأعمار طويلة للغاية، بينما عاش ملوك ما بعد الطّوفان أعمارا أقصر بكثير. ويرد في التوراة الاختلاف نفسه في أعمار النّاس الذين عاشوا زمن ما قبل الطّوفان وما بعده. ويرى الباحثون أنّ الأعمار الطّويلة المذكورة لشخصيات ما قبل الطّوفان ليست أعمارهم الحقيقيّة وإنّما وردت لأهداف رمزيّة. لم ترد في التّوراة قصّة ابن نوح المتمرّد الذي مات غرقا، بل جاء ذكر لابن رابع للنبي نوح اسمه كنعان في تفسير يهودي يعود إلى القرن العاشر للميلاد (ميدراش دي بيركي رابي اليعازر). ويقول بعض المفسّرين المسلمين أنّ هذا الابن يدعى يام أو كنعان ويؤكّدون أنّه الابن المذكور في القرآن. وبعد نزول النّبي نوح (عليه السّلام) ومن معه من السّفينة بنى مذبحا، ثمّ ذبح بعض الحيوانات المقبولة للذبح وأحرقها قربانا لله. وجاء هنا أوّل ذكر في الكتاب المقدّس من بعد زمن هابيل لهذه العادة القديمة. وفي ثقافات الشرق الأدنى القديم، كان شائعا بين النّاس أن يعبدوا آلهتهم من خلال إحراق ذبائح قربانا للآلهة. وقد سمح الله لعباده الصّالحين أن يستمرّوا في ممارسة هذه العادة كإجراء مؤقت، وطالبهم تعالى بذبح الحيوانات باسمه وألاّ يقدّموها للأصنام شأن الوثنيّين. وكان مقصد الله من هذا الأمر أن يهتدي بنو يعقوب مع مرور العصور إلى مفاهيم متطوّرة للعبادة. وبعد أن قدّم النّبي نوح قربانا لله، أقام الله تعالى ميثاقا معه، وفيه وعد من الله أنّه لن يدمّر الأرض بالطّوفان مرّة أخرى. ويرى كثير من الدّارسين أنّ شروط هذا الميثاق وقوانينه تنطبق على كلّ البشرية ابتداء من النّبي نوح وذرّيته. ووعد الله أيضا أنه سيخفّف عاقبة خطيئة آدم وحواء قليلا ويريح البشرية من خلال النبي نوح. وتنبّأ لامك والد النبي نوح بهذه الراحة (انظر سفر التكوين 5: 29). ويأتي تحقيق هذا الوعد في ميثاق الله مع النبي نوح (انظر التكوين 8: 21 و22) ولكن البشر خالفوا شروط هذا الميثاق فيما بعد، كما ذكر النبي أشعيا (كتاب النبي أشعيا 24: 5)، لذلك فإنّ تخفيف عواقب اللعنة لم يستمر كثيرا. لقد فهم كثير من الناس سفينة نوح كرمز للنجاة، وخاصّة ما جاء في الإنجيل الشريف: ((أمهَلَهُمُ اللهُ بِصَبرِهِ عِندَما رَفَضوا طاعتَهُ أثناءَ بِناءِ سَفينةِ النَّجاةِ الّتي نَجا بواسِطتِها عَدَدٌ قَليلٌ مِن النّاسِ، لا يَتَجاوزُ الثَّمانيةَ، وبِالماءِ كانَت نَجاتُهُم. وهذا رَمزٌ للّذينَ يَتَطَهِّرونَ بِهِ صِبغةً مِن اللهِ، إنّهُ الماءُ الّذي أنتُم بِهِ الآنَ ناجونَ، وهذا لا يَعني غَسلَ الجِسمِ لتَنظيفِهِ، وإنّما هو عَهدٌ نُقيمُهُ مَعَ اللهِ بِضَميرٍ نَقيّ)). [رسالة الحواري بطرس الأولى 3: 20 و21]. —•

عندما خلق الله الإنسان، خلقه لكي يعبّر عن صفاته الحميدة، وجعله ذكرًا وأنثى وباركهم ليتكاثروا وسمّاهُم بشرًا. —•— جاء النّبي نوح (عليه السلام) في الجيل العاشر بعد سيدنا آدم (عليه السلام). وجاء أوّل ذكر للنبي نوح والطّوفان في التوراة، ثمّ ذُكرت هذه القصّة في الكتب السّماوية اللاّحقة مع شرح لأهميّتها وإضافة لبعض التفاصيل. ونرى في قصّة النّبي نوح كيف انتشر الفساد بين الناس في العالم بعد الخطيئة الأولى لآدم وحواء، إلى درجة أنّهم ((مَلأوا الأرضَ فَسادًا وظُلمًا)) [التكوين 6: 11]. وفي النهاية عاقب الله كلّ من ارتكب إثما مع أنّه صبور حليم. وذكرت الكتب السّماوية التي جاءت بعد التوراة، أنّ النّبي نوح نادى في قومه أن يتوبوا كما ذكر الحواري بطرس: ((النَّبيُّ نوحٌ الّذي كانَ يَدعو إلى الصِّراطِ المُستَقيمِ)) [رسالة الحواري بطرس الثّانية 2: 5]. ورغم دعوته لم يستجب قومه له كما نرى في سورة نوح 5‏-6. وتحتوي هذه القصّة عبرة مهمّة إذ يأتي إعلان الله بخصوص الإنسان بعد الطّوفان أنّ ((ميول قلبه شرّيرة منذ الطفولة)) [التكوين 8: 21]. وترد قصّة الطّوفان الكبير الذي عمّ العالم في عدّة أساطير قديمة شأن ملحمة قلقامش وملحمة أتراهاسيس. وجاءت كلتا القصّتين في اللّغة الأكادية في القرن الثّامن عشر قبل الميلاد أو ربّما قبل هذا التاريخ. ونجد قصّة الطّوفان في قصّة زيوسودرا البابليّة من القرن السّابع عشر قبل الميلاد أو ربما قبل هذا التاريخ، ونجدها أيضا في كتاب أفلاطون المسمّى بتيميوس. ولم يكترث الرّواة القدامى برواية التّفاصيل العلميّة المتعلّقة بالطّوفان بل سعوا إلى بيان سبب حدوث طوفان على هذا النّحو. وفي إحدى القصص الوثنيّة في اللغة الأكادية على سبيل المثال، يرد شرح مفاده أنّ الطّوفان حلّ على النّاس بسبب إزعاجهم لإله الطّقس أو الجو بكثرة الضجّة التي أحدثوها على الأرض. وحاول بنو يعقوب أن يفسّروا سبب حدوث هذا الطّوفان. ولكنّ قصّة الطّوفان في التوراة تبيّن أنّ الله تعالى يختلف عن تصوّر الوثنيّين لآلهتهم. فالعبرة من قصّة الطّوفان عندهم إذن تعود إلى عبرة قصّة أبينا آدم، ألا وهي أنّ عصيان الله يؤدّي إلى الهلاك. ويأتي ذكر الطّوفان ضمن قائمة قديمة لأسماء الملوك السّوماريين. وتفصل هذه القائمة التّاريخ إلى قسمين، قسم ما قبل الطّوفان وقسم ما بعد الطّوفان. وتمتّع ملوك ما قبل الطّوفان بأعمار طويلة للغاية، بينما عاش ملوك ما بعد الطّوفان أعمارا أقصر بكثير. ويرد في التوراة الاختلاف نفسه في أعمار النّاس الذين عاشوا زمن ما قبل الطّوفان وما بعده. ويرى الباحثون أنّ الأعمار الطّويلة المذكورة لشخصيات ما قبل الطّوفان ليست أعمارهم الحقيقيّة وإنّما وردت لأهداف رمزيّة. لم ترد في التّوراة قصّة ابن نوح المتمرّد الذي مات غرقا، بل جاء ذكر لابن رابع للنبي نوح اسمه كنعان في تفسير يهودي يعود إلى القرن العاشر للميلاد (ميدراش دي بيركي رابي اليعازر). ويقول بعض المفسّرين المسلمين أنّ هذا الابن يدعى يام أو كنعان ويؤكّدون أنّه الابن المذكور في القرآن. وبعد نزول النّبي نوح (عليه السّلام) ومن معه من السّفينة بنى مذبحا، ثمّ ذبح بعض الحيوانات المقبولة للذبح وأحرقها قربانا لله. وجاء هنا أوّل ذكر في الكتاب المقدّس من بعد زمن هابيل لهذه العادة القديمة. وفي ثقافات الشرق الأدنى القديم، كان شائعا بين النّاس أن يعبدوا آلهتهم من خلال إحراق ذبائح قربانا للآلهة. وقد سمح الله لعباده الصّالحين أن يستمرّوا في ممارسة هذه العادة كإجراء مؤقت، وطالبهم تعالى بذبح الحيوانات باسمه وألاّ يقدّموها للأصنام شأن الوثنيّين. وكان مقصد الله من هذا الأمر أن يهتدي بنو يعقوب مع مرور العصور إلى مفاهيم متطوّرة للعبادة. وبعد أن قدّم النّبي نوح قربانا لله، أقام الله تعالى ميثاقا معه، وفيه وعد من الله أنّه لن يدمّر الأرض بالطّوفان مرّة أخرى. ويرى كثير من الدّارسين أنّ شروط هذا الميثاق وقوانينه تنطبق على كلّ البشرية ابتداء من النّبي نوح وذرّيته. ووعد الله أيضا أنه سيخفّف عاقبة خطيئة آدم وحواء قليلا ويريح البشرية من خلال النبي نوح. وتنبّأ لامك والد النبي نوح بهذه الراحة (انظر سفر التكوين 5: 29). ويأتي تحقيق هذا الوعد في ميثاق الله مع النبي نوح (انظر التكوين 8: 21 و22) ولكن البشر خالفوا شروط هذا الميثاق فيما بعد، كما ذكر النبي أشعيا (كتاب النبي أشعيا 24: 5)، لذلك فإنّ تخفيف عواقب اللعنة لم يستمر كثيرا. لقد فهم كثير من الناس سفينة نوح كرمز للنجاة، وخاصّة ما جاء في الإنجيل الشريف: ((أمهَلَهُمُ اللهُ بِصَبرِهِ عِندَما رَفَضوا طاعتَهُ أثناءَ بِناءِ سَفينةِ النَّجاةِ الّتي نَجا بواسِطتِها عَدَدٌ قَليلٌ مِن النّاسِ، لا يَتَجاوزُ الثَّمانيةَ، وبِالماءِ كانَت نَجاتُهُم. وهذا رَمزٌ للّذينَ يَتَطَهِّرونَ بِهِ صِبغةً مِن اللهِ، إنّهُ الماءُ الّذي أنتُم بِهِ الآنَ ناجونَ، وهذا لا يَعني غَسلَ الجِسمِ لتَنظيفِهِ، وإنّما هو عَهدٌ نُقيمُهُ مَعَ اللهِ بِضَميرٍ نَقيّ)). [رسالة الحواري بطرس الأولى 3: 20 و21]. —•