وحملت حواء من آدم (عليه السلام) وأنجبت له ولدًا وسمّياه قابيل. وقالت: "إنّ الله رزقني فأنجبت الإنسان الّذي وعد الله به!" ثمّ رُزقت بولد آخر وسمّته هابيل. وبعد أن كبر الولدان أصبح هابيل راعيًا للغنم، وأصبح قابيل فلاّحًا. وذات يومٍ قدّم كلّ من قابيل وهابيل قربانًا لله إكراما له تعالى، فقدّم قابيل من ثمار الأرض، واختار هابيل أحسن أبكار الغنم التي يملكها وذبحها وقدّمها قربانًا لله.
فرضي الله تعالى عن هابيل وقبل قربانه، ولم يرض عن قابيل ولم يقبل قربانه. واستشاط قابيل غضبًا وأصبح وجهه عابسًا. فحذّره الله قائلا: "لماذا أنت غاضب ووجهك عابس؟ لو أنك فعلت الصواب لرضيتُ عنك. ولكن إن رفضتَ الصواب، فالرغبة في ارتكاب الشرّ مثل حيوان مفترس ينتظر أن يهجم عليك، وهو في لهفةٍ للهيمنة عليك، وعليك أن تبادر بالهيمنة عليه".
ومرّت أيام وطلب قابيل من هابيل أن يصحبه إلى الحقل، ولمّا وصلا هجم قابيل على أخيه وقتله. فأحدث دمه بِرَكًا في الأرض، فجاء قولُ الله إلى قابيل: "أخبرني، أين أخوك هابيل؟" فردّ قابيل: "هل أنا حارس لأخي حتّى أعرف أين هو؟" فردّ قولُ الله: "ما هذا الذي ارتكبته؟! إنّ دم أخيك يصرخ إليّ من الأرض وقد وصلني صوته! والآن أنت مغضوب عليك في الأرض التي فيها سفكت دم أخيك بيديك. ومن الآن فصاعدًا، فإنّك لن تجني ممّا زرعتَ ثمرًا، وستكون طريدًا شريدًا في الأرض كلّها".
فأجاب قابيل: "إنّ ذنبي أكبر من أن أتحمّله، وإنّه لوزرٌ فوق طاقتي!" طريدا شريدا في الأرض جعلتني، ويسعى إلى قتلي كلّ من وجدني، لأنّك أبعدتني عن هذه الأرض وحجبت عنّي وجهك".
فجاء قول الله مرّة أخرى: "لا، بل يكون عقاب من يقتلك بسبعة أضعاف عقابك". ووضع الله علامة على قابيل حتّى لا يقتله من يعثر عليه. وهكذا خرج قابيل من حيث تجلّيات الله وأقام في أرض نود - أي بلاد الضياع- شرق عدن.

وتزوّج قابيل ورُزق بولد وسمّاه حَنوك وكان في تلك الأثناء يبني مدينة فأطلق عليها اسم حَنوك على اسم ابنه. وحَنوك أنجب عِيراد، وعِيراد أنجب مَحويل، ومَحويل أنجب مَتوشِيل، ومَتوشِيل أنجب لامِك. وتزوَّج لامِك امرأتين إحداهما تُدعى عادة والأُخرى صِلَّة. فولدت عادةُ يابال وهو أوّل مَن سكن الخيام ورعى المواشي، واسم أخيه يُوبال وهو أوّل مَن عزف بالعود والمزمار. وأنجبت صِلَّة ولدا اسمه توبال قابيل، وهو أوّل مَن اشتغل بصناعة النّحاس والحديد، وكان لديه أُختٌ اسمها نِعمَة.
وقال لامِك لزوجتَيه:

أصغيا لِكلامي جيّدًا. إن جرحني رجلٌ سأقتله،
حتّى وإن ضربني ولدٌ سأقتله!
فإن كان يُنتقَم لقابيل سبعة أضعاف،
فأنا سأنتقم لنفسي سبعة وسبعين مرّة".

وبعد مدّة حملت حوّاء مرّة أخرى وأنجبت ولدًا سمّته شيث، وقالت: "الحمد لله، لقد عوّضني الله ورزقني ولدًا بدل هابيل الذي قتله قابيل". وأنجب شيث ابنًا وسمّاهُ أَنوش. وفي ذلك الوقت بدأ عامّة الناس في عبادة الله.

Dengar قصص الأنبياء - التّكوين 4