إصنعني وعاءًا آخرعينة

إصنعني وعاءًا آخر

يوم 6 من إجمالي 6

إن أخطأ إليك أخوك!

المسامحة هي أعلى خُلُقٍ يسعى المرء للوصول إليه!
تُسيطر على الإنسان أحيانًا ذاتٌ سلبيَّةٌ تحثّه على الانتقام من الذي أخطأ إليه، لكنّ النفس الطيّبة تأبى إلّا المسامحة، وهي تَعلم أنّ خير الخطّائين التوّابون. وحين يصفح الإنسان عن صديقه وتعود العلاقات كما كانت سويَّةً طاهرة لا تشوبها شائبة، حينها فقط يصل الإنسان إلى التصالح الحقيقيّ مع ذاته. ولمّا جُبِل الإنسان على الخطأ فإنّه يجب أن يُجْبَل كذلك على المسامحة، ففي ذلك هدوءٌ للنفس وتجديدٌ لها.

سنتحدَّث اليوم عن الخطأ والمسامحة اللّذين يُشكّلان عصب التعامل الإنسانيّ، وميزة المحبّة المسيحيّة. وقد كَمَّل المسيح مفهومًا قديمًا للعقاب والمسامحة سادَ طويلًا، فغلّب التسامح على العقاب لأنّ التسامح يُهدِّئ النفس ويترك فيها أثرًا طيّبًا، فتعمر فيها المحبّة وصيّة المسيح الوحيدة.

وكما هي العادة، نبدأ موضوعنا بقراءة مقطع من متّى 18: 15-20

15 «وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. 16 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. 17 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ. 18 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ. 19 وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، 20 لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ».

15 "وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ (سقطَتْ في بعض المخطوطات القديمة كلمة "إليك"، ربّما كان ذلك خطأ بسبب النسخ اليدويّ، فصارت بِشكلٍ عامّ "إن أخطأ أخوك"، وقد أُعيدَتْ كلمة "إليك" لاحقًا)، فاذهَبْ وعاتِبْهُ بَيْنَكَ وبَيْنَه...".

فَكيف، وأين يُمكن أن يحدث الخطأ؟

يُمكن أن يصدر الخطأ عن الإنسان بالفعل أو بالكلام أو بالفكر، عمدًا أو سهوًا، فيُسبِّب أذًى لأخيه الإنسان...، كأن يَقطف محصول بستان جاره، ولا يترك له منه سوى القليل مثلًا، أو أن يتكلَّم بالعاطل عن أحدهم، فيُجرِّح به أو يُسيء إلى سمعته كما يُمكن أن يتغاضى عن إساءة، فيقف موقف المتفرِّج منها...

وكيف يتصرَّف المخطئ؟

يقول المسيح "إن أخطأ اليك أخوك فاذهب إليه، وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا". لقد سبق المسيح وعلّمنا "إن قدَّمْتَ قربانك، وتذكَّرْتَ أنّ لأخيك شيئًا عليك، فاترك قربانك، واذهب أوّلًا وتَصالح مع أخيك". وها هو هنا يُتابِع تعليمه فيقول إنّ صاحب الحقّ هو القويّ، لذا عليه أن يُبادر أوّلًا. وكم يكون المشهد رائعًا، لو يلتقي صاحب الحقّ الذي لحقه الأذى، بأخيه الذي سبَّب له الأذى، في وسط الطريق وكلاهما في طريقه إلى مُصالَحة أخيه، فيَتعانقان ويَتصالحان.

طبعًا، هناك احتمالات تصرّف عديدة أمام الخطأ:

أ ) الاحتمال الأوّل، ألّا يُبادر مَن لحِقه الأذى إلى لقاء المُخطئ، بل يبقى مُنتظِرًا أن يأتي الآخر أوّلًا (وهذا طبيعيّ ومنطقيّ!)، وربّما يُصاب بالحزن والحسرة، أو تُفْقَد الثقة بينهما. وكم من العلاقات أصبحَتْ معطوبة بين الناس اليوم، بسبب تقاعس المُخْطئ؟! أوّلًا، لأنّه إن لم تُعالج تلك الخطيئة، تُصبح نافذة يدخل منها الشيطان لِيُدمّر علاقاتِك في المستقبل، وتترك أثرها في قلب الآخر: "لا تُبْغِضْ أخاك في قلبك. إنذارًا تُنْذِرُ صاحبَك، ولا تحمِلْ لأجله خطيئة" (لاويّين 19: 17). ثانيًا، إذا أخطأ أخوك إليك ولم تذهب أنتَ إليه أوّلًا، لن تُدرِك تبعات تصرّفك هذا مستقبلًا، لأنّه سيُكرّر الخطأ نفسه لكن مع آخرين، فيكون ذلك سببًا لِتدمير حياتهم وعلاقاتِهم بالكنيسة.

ب ) الاحتمال الثاني، أن تلجأ فورًا إلى مُبادلة المُخطئ بالمِثل. وهذا يُدخلك في دائرة مفرَغَة تُفاقِم المشكلة فتلجأ إلى مبدأ "عَيْنٌ بِعَيْن، وسِنٌّ بِسِنّ". وهذا لن يحدث لأنّ المسيح يسهر على كنيسته وشعبه وأولاده، فلن تقوى عليها أبواب الجحيم.

ج ) الاحتمال الأخير، أن تَسكت ولا تُواجهه، بل تتكلّم عليه بين الناس. فتكبُر المشكلة لأنّك بذلك لا تُساعده ولا تستر ضعفه، بل تُشوِّه سمعته وتُعيق توبته وعودته عن خطئه، ويقول أيضًا في لاويّين 19: 18 "لا تَنْشُرِ النَّميمَةَ بَيْنَ الناس". كلّ إنسان يَتغيَّر ويَنمو ويَنضج، ولكنّ كلامَ النميمة عن الآخرين يبقى في آذان الناس".

فما هو المطلوب إذًا؟

أ ) إذْهَبْ إليه لِئَلّا يتحوّل الحقُّ الذي فيك إلى كبرياء، واكْسُرْ تلك الدائرة المُفرَغَة الشرّيرة، لِئَلّا يُصْبِح سببُ خطأ الآخر (مشاعر دفينة، ضحيّة واقع مُعيَّن) عائقًا يمنعه من أن يُبادِر ويعتذر. فالمحبّة تُبادِر، وكذلك القويّ والمتواضِع، دون أيّ اعتبار للمركز! وعندما تُقرِّر أن تذهب، تكون قد اجتَزْتَ نصف الطريق نحو الغَلَبة. لا تسأَلْ مَن سبَّب الزعل، لأنّ الله بادر أوّلًا ومزَّق الصكّ المكتوب على البشر أجمعين منذ خطيئة آدم. وَلْتَفْعَلْ أنت كذلك.

ب ) "فَاذْهَبْ وعاتِبْهُ"، يحمل فعل "عاتب" عدّة معانٍ: وَبَّخ، اِتَّهَم، عاقَب... و"العِتاب" لا يُوَجَّه إلّا للأصدقاء والإخوة وليس لِلأعداء. لكن يبقى الأهَمّ أن تربح أخاك، لأنّ الهدف هو تصحيح سلوك الآخر من أجل البنيان. فتسلَّحْ بِالجرأة والثقة، والأسلوب الحكيم، والنعمة، وأَصْلِحْ أخاك.

ج ) "بينك وبينه، فإِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ". الهدف أن تربح أخاك (الذي تقوده عواطف خاطئة) لك، أو للكنيسة، أو لِملكوت الله. طبعًا شرط أن تَتِمّ مداخلتك هذه بمحبّة، لكي تَرْبَح أخاك.

د ) ولكن، "وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ"، بمعنى أن تُبادر فتذهب إليه مرّة ثانية، ولكن، خُذْ معك هذه المرّة واحدًا أو اثنين من الناضجين الحكماء، لِيشهدوا على رغبتك الصادقة بالمصالحة، وعلى قساوة قلبه إذا رفضها.

ه ) أمّا "وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وإذا لم يَسْمَعْ مِن الكنيسة، فَلْيَكُنْ عِندك كالوَثَنِيّ والعَشّار".لِيَكُنْ عندك أنتَ فقط، أي لا تُشَهِّرْ به بين الناس لِتُؤَدِّبه (فالله وحده يُجازي).

- كالوثنيّ والعشّار، أي يُفصَل من الجماعة، فيُصبِح خارج الكنيسة ولا يعود للكنيسة سلطة عليه. يقول بولس في 1 كور 5: 11 "إن كان أحدٌ مدعوٌ أخًا زانيًا أو طمّاعًا أو عابِدَ وَثَن أو شتّامًا أو سكّيرًا أو خاطِفًا، أَنْ لا تُخالِطوا ولا تُؤاكِلوا مِثْل هذا". وإذا كانت ثقافة المُخطئ غير ثقافاتك، أو كنتَ لا تتَّفق معه على الرؤيا، أو الهدف، أو الرسالة، أو الطريقة، فعامِلْهُ بِمَحَبَّة. وسَلِّمْهُ لِرحمة الله فيَهْتَمّ المسيح بِأمره.

- الهدف المرجو هو أن تربح أخاك. لذا، عليك أن تستعمل الطريقة الأنسب. لأنّ هناك فَرْقًا بين خاطئ يطلب الرحمة، وخاطئ يرفض ويقول: "أنا هكذا ولن أتغيّر!".

يُخْبِر الدكتور هاورد هاندريكس (Dr Howard Hendricks) قصّة صديق له ترك الإيمان، ثمّ عاد إلى الربّ بِسبب محبة صديقٍ له أحبَّه بِصدق. فسأله: بماذا كنتَ تشعر وأنتَ بعيد عن الربّ؟ فقال كنتُ في اضطرابٍ شديد، كأنّي غارق في البحر تتقاذفني الأمواج. وكنتُ عُرضةً لانتقادات الإخوة الذين معي في الكنيسة، والذين انهالوا عليّ بآياتِ إدانةٍ وكلماتِ عقاب... لكنّ شخصًا واحدًا فقط نزل في المياه الهائجة حولي، وسبح حتّى وصل إليّ، فقاوَمْتُه ورفضتُ كلّ مساعدة منه، لكنّه غلَبَني، فإنّ إرادة الخير تغلِب الشرّ دومًا، وألبَسَني سُترة النجاة وسبح بي إلى الشاطئ...

و ) 18 "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ".

- كلّ سلطة في هذه الدنيا هي من الله. وقد أعطى الله السلطة للكنيسة، التي علينا الخضوع لِسلطتها، لأنّها من الله، وللدولة أيضًا لأنّ لها سلطة على حياتنا الزمنيّة. والذي لا يتعلّم الخضوع يبقى وحيدًا، ومن الصعب أن ينجح في الحياة.

- ماذا تعني عِبارَتا "مربوطًا" و"محلولًا" في السماء؟ الله يقود كنيسته من خلال القادة والمسؤولين، وبما أنّ كلّ سلطة هي من الله، علينا أن نوافقها في كلّ ما تسمح به أو تنهى عنه لأنّ في ذلك إرادة الله، الذي يرى المستقبل الذي لا نراه نحن، ويعرف خير الجميع الذي لا نعرفه. وينسحب ذلك أيضًا على كلّ اتفاق أو اختلاف يحصل بين الناس. 19 "وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ". 20 "لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ".

كان هناك قول يهودي قديم يقول "إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة لِدرس التوراة يحضر الله في وسطهم". أمّا يسوع، فقد تجرَّأ على قول ما لم يتجرَّأْ لا موسى ولا إيليا ولا أعظم الأنبياء على النطق به، وهو حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم. ولا يستطيع أحد أن يقول هذه الكلمات، إلّا مَن كان موجودًا في كلّ مكان. ويسوع يؤكّد بهذه الآية أنَّه موجود دومًا معنا. فإذا صَلَّيْنا بإيمان وباسم المسيح لِتَتِمّ مشيئته ونحصل على ما يوافِقنا، يستجيب الله. لذا، حين نُصلّي لكي تَتِمّ مصالحة ما بين مُتخاصمين، أو لِشفاء مريض، أو على أيّ نيّة صالحة، علينا أن نترك لإرادة الله أن تتحقَّق في حياتنا وحياة مَن نُصلّي لأجلهم، واثقين أنّه حاضر بين الذين يجتمعون باسمه لِتحقيق الخير المناسب.

أخيرًا، المسامحة بين الأصدقاء هي بِمَثابة الماء الذي يُسكَب على العلاقات فيُجدِّدها ويُنْعِشها، فالخلاف موجود دائمًا بين أهل الأرض، ولكنّ المسامحة هي صفة رفيعة لا يتمكَّن أيّ إنسان من التحلّي بها. فَكُنْ ذلك الإنسان الذي يستطيع أن يعفو عن زلّات أصدقائه ويتغاضى عن صغائر الأمور. سامح مَن يخطئ في حقّك وكن أنت المبادر لكلّ خير، وخاصّة مع الأصدقاء الذين سخَّرهم الله سندًا ثابتًا للإنسان، وابتعِدْ عن الحقد والضغينة فترتفع النفس إلى العُلى وتُكرَّم.

ولا بدّ أخيرًا من التشديد على ضرورة الصلاة في سياق العلاقات. فالصلاة تجعل العلاقة متينة، وبالصلاة يتبارك الآخر الذي يؤذيك، وبالصلاة تتشجَّع، وبالصلاة تُشفى من المرض والحقد، وبالصلاة تكتشف مشيئة الله من الأحداث، وبالصلاة، تزداد محبةً للآخر. فبعد أن رأى يسوع كيف يتعامل الناس بعضهم مع بعض لِحلّ خلافاتهم، علّم تلاميذه استباق الأحداث، وقال: "وإن أخطأ إليك أخوك، فاذهبْ وعاتِبْه بينك وبينه..."

وانطلاقًا من كلام المسيح وحضوره فيما بيننا، نُبادرُ إلى مُصالحة مَن يُخْطِئ إلينا، بهدف رِبْحه للمسيح. فنلجأ إلى العتاب بكلّ محبّة، ونستَعين بالآخرين لِيُشاركونا الصلاة وليس النميمة. فنحن نُريد بنيان جسد المسيح، مُتَأكِّدين من أنّ يسوع موجود بيننا، وأنّ كنيسته تكون بذلك في سلام.

فَلْنُصَلِّ.

يوم 5

عن هذه الخطة

إصنعني وعاءًا آخر

"اصنعني وعاء آخر" هي دعوة للتغيير. دعونا نتأمل سوياً مدى استعدادنا للتغيير والنمو الروحي. يمكن لهذه الخطة أن تلهمنا للسعي نحو التحول الروحي والبحث عن القوة والتجديد التي يمكن أن يقدمها الإيمان المسيحي لحياتنا.

More

نود أن نشكر Resurrection Church على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: https://www.rcbeirut.org/