وعندما فرغ النبي سليمان (عليه السّلام) من الدعاء، نزلت نارٌ من السماء فالتهمت الأضاحي والقرابين، وحلّ بهاء الله فملأ أرجاء البيت، فلم يتمكّن الأحبار من دخول بيت الله. ولمّا شاهد الحاضرون النار وهي تهبط وبيت الله يمتلئ بجلاله تعالى، سجدوا على البلاط وسبّحوا بحمد الله، منشدين: "الله كلّه خيرٌ، ووفاؤه يدوم إلى أبد الآبدين."
وقدّم النبي سليمان وجميع قومه أضاحي اكراما لله، اثنين وعشرين ألفا من البقر، ومئة وعشرين ألفا من الغنم. ووقف الأحبار في المكان المخصّص لهم ونفخوا الأبواق، وفي الجهة المقابلة وقف اللاويّونَ وهم يعزفون على الآلات الّتي صنعها داود (عليه السّلام) للتسبـيح وردّدوا أناشيد من كتاب الزبور: "الله كلّه خيرٌ، ووفاؤه يدوم إلى أبد الآبدين."
ثمّ دشّن سليمان (عليه السّلام) جزءا من الحرم وتحديدا الجزء الأمامي لبيت الله وجعله مكانًا لتقديم الأضاحي وحرقها بأكملها، لأنّ المذبح النحاسي الّذي أقامه لم يكن يتّسع لكلّ هذه الأضاحي. وفي الأسبوع الموالي احتفل النبي سليمان مع قومه بعيد الخيام، وكان الحضور غفيرا، إذ قدم من كلّ صوب، من لَبْوَة في إقليم حماة شمالا‌ إلى وادي العريش جنوبا. ودامت الاحتفالات أسبوعين، في الأسبوع الأوّل وقع تدشين مذبح حرم بيت الله. أمّا الأسبوع الثاني فخصّص للاحتفال بعيد الخيام، وفي اليوم الأخير أقاموا حفلةً ختامية. وعند انتهاء الاحتفالات صرفهم النبي سليمان إلى ديارهم فرحين، منشرحي الصدور، لِما أفاضه الله من خير على النبي داود وعلى ابنه سليمان، وعلى قوم ميثاقه بني يعقوب.

أتمّ النبي سليمان (عليه السّلام) بناء بيت الله وقصره الملكي، ونجح في كلّ الأعمال الّتي عزم عليها. وأثناء الليل تجلّى الله له وأوحى إليه قائلاً: "إنّي لدعائك سميعٌ مجيب، لذلك قبلت أن تُقدَّم في هذا البيت الأضاحي والقرابين. فإن أغلقتُ أبواب السماء وحبستُ المطر عن قوم ميثاقي أو أمرتُ جرادا بأن يأكل زرعهم، أو أرسلتُ عليهم وباء، ثمّ يتوقّفون عن تكبّرهم الأثيم، ويتضرّعون إليّ ابتغاء وجهي الكريم، ويرجعون عن كلّ ما ارتكبوه من سوء تائبين، فأنا لهم سميعٌ بصير ولخطاياهم رحيم غفور ولأرضهم مُخصّب من جديد. ومن الآن، فإنّي لهذا البيت رقيبٌ أمين، ولكلّ الصلوات التي تقام فيه سميع مجيب. فأنا اخترتُهُ وسخّرتُه ليُرفع فيه اسمي في كلّ حين، وأكون لهذا البيت خير حافظ إلى أبد الآبدين. أمّا أنت يا سليمان، فإن سلكتَ كما سلك أبوك داود صراطي المستقيم، وعملتَ بكلّ أوامري، وحفظت فرائضي وأحكامي، فإنّي أجعل عرش مملكتك على أسس ثابتة يقيم، وأجعل عليه أحدا من ذرّيّتك إلى أبد الآبدين، كما وعدتُ أباك داود الأمين. لكن إذا تركتم فرائضي ووصاياي منحرفين، وعبدتم آلهةً دون الله ولها انحنيتم ساجدين، فإنّي أجتثّكم من الأرض الّتي جعلتكم عليها مؤتمنين، وأنبذ هذا البيت الّذي سخّرتُه ليُرفع فيه اسمي الكريم، ويصبح مضربا للأمثال، ومنه تسخر شعوب العالمين. ويعمّ الخراب في هذا البيت العظيم، وكلّ مَن يمرّ به يتساءل في دهشة: لماذا أنزل الله كلّ هذه الفظائع على هذه الأرض وهذا المقام القديم؟ فيأتيهم الجواب: "لأنَّهم تركوا الله ربّ آبائهم الأوّلين، ربّهم الّذي أخرجهم من أرض مصر محرّرين، واتّخذوا من دونه آلهة وسجدوا لها عابدين".

استمع إلى من قصّة النبيّ سليمان (2 أخبار) 7